د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
مجرد قيامك بمقارنة بسيطة بين دور الأمم المتحدة في اليمن الذي يقوده مبعوثها الخاص الدبلوماسي الموريتاني "إسماعيل ولد الشيخ أحمد" ودورها في سوريا بقيادة الدبلوماسي السويدي "ستيفان دي مستورا" ومن سبقهم ستجد تناقضات كبيرة في عمل المنظمة الأممية التي من المفترض وفق ميثاقها أن يتسم دورها بالحيادية والاستقلالية، ومحاولة دفع الأطراف المتنازعة للتوصل إلى حل سياسي يجنب هذين البلدين المزيد من الدمار والقتل المتواصل أمام أنظار أعضاء المنظومة الدولية منذ سنوات، في حين لا تطبق المنظمة المبادئ التي أنشأت من أجل تحقيقها وهي حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق العدل الدولي وإنماء العلاقات الودية وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم.
ففي القضية السورية تجد الأطراف الدولية الرئيسة التي تطالب المعارضة السورية بمناسبة أو دون مناسبة بالتفاعل مع مهمة المبعوث الأممي وممارسة كافة الضغوط السياسية والعسكرية عليها للانخراط في المفاوضات العبثية التي تجري منذ مؤتمر جنيف-2 بداية عام 2014، هي ذاتها الأطراف التي تدعم الانقلابيين في اليمن دون أن تمارس عليهم أي ضغوط للاستجابة للقرارات الدولية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن الدولي 2216 لعام 2015 الذي طالب الحوثيين والرئيس المخلوع "علي عبد الله صالح" بالانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك العاصمة صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي نهبوها من المؤسسات العسكرية والأمنية ، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية، والامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل ساهمت هذه الأطراف ومنها روسيا وإيران بدعم الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع عسكريًا والترويج لهم سياسيًا وإعلاميًا، وهناك تواصل دبلوماسي وسياسي مستمر مع الانقلابيين في الوقت الذي لا تزال سفارات هذه الدول مستمرة في أعمالها بصنعاء حتى هذه اللحظة وعلى رأسها السفارة الروسية.
بل أن "فيتالي تشوركين" المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة عرقل صدور ببان رئاسي عن مجلس الأمن يؤكد على عدم اعتراف المجتمع الدولي بـــ "المجلس السياسي الأعلى لإدارة اليمن" الذي شكله الحوثيون مؤخرًا مع حزب علي صالح، ودافع تشوركين عن الانقلابيين خلال الجلسة المغلقة التي خصصها مجلس الأمن في الثالث من الشهر الجاري لبحث التطورات في اليمن، وسير المفاوضات اليمنية المتعثرة في الكويت إلى جانب الأوضاع الإنسانية في البلاد، وهو ما يعكس - ربما - تغييرًا جذريًا في الموقف الروسي تجاه النزاع في اليمن قد تكون له تداعيات مستقبلية رغم استبعادنا لأي دور روسي مباشر في القضية اليمنية مشابه لما تقوم به حالياً في سوريا لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقام.
فإذا كانت حجة هؤلاء في سوريا دعم الحكومة الشرعية في مواجهة المجموعات الإرهابية كما يدعون فلماذا لا يقدمون الدعم ذاته للحكومة الشرعية في اليمن التي تم إسقاطها بقوة السلاح بدلًا من سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعونها؟
إصلاح منظومة الأمم المتحدة
لا شك أن الأمم المتحدة تقف اليوم أمام مفترق طرق بعد تراجع دورها وعجزها عن تقديم حلول ناجعة في أغلب النزاعات التي شهدها العالم خلال السنوات الماضية خاصة في الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية السورية والعراقية واليمنية والليبية والأفغانية والكثير من القضايا على امتداد العالم لم تستطع الأمم المتحدة أن تقوم بدورها لأسباب كثيرة منها يتعلق بتركيبة هذه المنظمة الدولية، إضافة إلى وقوعها تحت تأثير تقلبات القوى والعلاقات السياسية الدولية، وافتقارها لجهاز تنفيذي مستقل قادر على تنفيذ القرارات التي تصدر عنها.
وما زاد طين هذه المنظمة بلة فشل أغلب مبعوثيها في المهام التي كلفوا بها في حين استقال بعضهم قبل إتمامها وبعضم الآخر خرج بفضيحة تتعلق بتلقيه رشاوى مالية أو الانحياز لطرف سياسي مقابل طرف آخر كما حدث مع مبعوثها السابق إلى ليبيا برناردينو ليون ومبعوثها الحالي إلى سوريا ستيفان دي مستورا الذي عرف بانحيازه إلى جانب النظام السوري وإيران وروسيا وتبنيه معظم وجهة نظرهم تجاه الحل السياسي للأزمة السورية.
لذلك نجد الكثير من الأصوات الدولية بدأت تتعالى وتطالب بإصلاح منظومة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي الذي يخضع بالكامل لأهواء الدول الخمس دائمة العضوية بسبب ما تملكه من سلطة تقويض أي جهد دولي باستخدامها حق النقض "الفيتو".
فشل الجهود الإنسانية
على المستوى الإنساني فشلت جهود الأمم المتحدة فشلًا ذريعًا في توفير الحد الأدنى من الحماية للمدنيين الذي يتعرضون لكافة الانتهاكات الجسيمة الواردة في القانون الدولي الإنساني من القصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والغازات السامة والقنابل العنقودية والنابالم والفوسفور الأبيض وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليًا.
ولم تقف معاناة المدنيين عند هذا الحد بل امتدت إلى إحكام الحصار على العديد من المناطق ومنع وصول الأغذية والمياه والمستلزمات الطبية والإنسانية إلى آلاف السكان، ويوجد اليوم في سوريا نحو مليون ومائتي ألف مدني يقبعون تحت حصار خانق من قبل قوات النظام والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه في عدد من المدن والمناطق على امتداد الأرض السورية، والحال ينطبق على عدد من المناطق في اليمن وعلى رأسها مدينة "تعز" التي تعاني حتى هذه اللحظة من حصار خانق من قبل الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
شبهات وفضائح مالية
إلى جانب الفشل الذي منيت به الأمم المتحدة على الجانب السياسي والإنساني، تشير الكثير من التقارير إلى تورط مكاتب وبعثات الأمم المتحدة والوكالات الدولية الشريكة لها في العديد من قضايا الفساد الإداري والمالي من خلال تمرير صفقات مشبوهة لشراء الأغذية والمستلزمات الأخرى المخصصة للاجئين، وتمثل ذلك بشراء أغذية فاسدة أو منتهية الصلاحية أو من نوعية رديئة جدًا تخالف كليًا المواصفات المدونة في عقود الشراء بالتواطؤ مع منظمات أو موردين أو مقاولين من الباطن مقابل عمولات مالية كبيرة لبعض العاملين فيها. وقد تم توثيق مئات من حالات التسمم في مناطق سورية محاصرة بعد تناولهم أغذية سبق أن وزعتها الأمم المتحدة عليهم.
ناهيك عن صرف مبالغ مالية بأرقام تثير الدهشة مقابل حجوزات فندقية للعاملين في الأمم المتحدة وتقديم مساعدات ومنح بآلاف الدولارات للعديد من المنظمات الضالعة في دعم الحرب في سوريا منها "الأمانة العامة السورية للتنمية" التي ترأسها أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب والمسؤولية عن قتل أكثر من 600 ألف شخص وتشريد وتهجير نحو 12 مليون آخر داخل سوريا وخارجها.
فقد كشفت بيانات جديدة صادرة عن الأمم المتحدة عن صرف مكتبها بدمشق مبلغ وقدره 7 ملايين دولار العام الماضي كأجور مكاتب وإقامة للعاملين في فندقين بدمشق، وبررت الأمم المتحدة إقامة موظفيها بالفنادق بالاحتياطات الأمنية. كما وافق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) على منحة قدرها 751,129 دولار لتنفيذ مشروع مياه في المناطق التي يسيطر عليها النظام في حلب لصالح الأمانة السورية للتنمية التي تديرها وتشرف عليها أسماء الأسد.
ويبدو أن قرار اعفاء السيد "يعقوب الحلو" منسق الشؤون الإنسانية في سوريا من منصبه قبل نحو عام من انتهاء مهمته في حزيران/يونيو 2017، يأتي في إطار الانتقادات الحادة التي وجهت للحلو شخصياً ولمكتب الأمم المتحدة بدمشق بالانحياز لنظام الأسد وعدم نقل الصورة الحقيقة في تقاريره المرفوعة إلى الأمم المتحدة حيث انتقدت منظمات غير حكومية أواخر عام 2015 تجنب ذكر كلمة "محاصرة " عند الحديث عن المناطق السورية التي تحاصرها قوات الأسد وميليشيا حزب الله ويموت سكانها جوعاً في الزبداني ومضايا واستبدالها بعبارة "يصعب الوصول إليها" بناء على طلب من وزارة الخارجية السورية وهذا يعني أن تقارير منسق الأمم المتحدة كان يتم تدقيقها من قبل الخارجية السورية قبل رفعها للأمم المتحدة.
كما طالبت 75 منظمة غير حكومية تتمركز في سوريا وتركيا الأمم المتحدة برسالة وجهتها إلى الأمين العام بتاريخ 20 حزيران الماضي، بوقف التفاوض بشأن خططها للمساعدة الإنسانية مع نظام الأسد الذي يمارس التجويع الممنهج مع المدنيين لتحقيق أغراض عسكرية، إلا أن الأمم المتحدة لم تستجب لذلك وادعت أن موظفيها يمارسون أعمالهم بحيادية ونزاهة مع جميع الأطراف.
ثقة مفقودة وتجارب غير مشجعة
إن تقييم التجربة الأممية في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها لم تكن مشجعة وأفقدت المنظمة الأممية ثقة الحكومات والشعوب بها على حد سواء ولم تكلل جهودها بالنجاح في هذه الدول رغم ارسال العديد من المبعوثين الخاصين إليها منذ سنوات، كما لم ينجح هؤلاء في منح شعوب هذه الدول بارقة أمل بالخروج من دوامة القتل واللجوء والجوع التي يعانون منها وجل ما يهمهم استمرارهم في مهامهم وعقد المزيد من المؤتمرات الصحفية التي يبيعون الناس فيها أوهام عن شيء يدعى "السلام" غير موجود إلا في مخيلتهم ومخيلة أمينهم العالم الذي لا يستطيع إلا أن يعبر عن قلقه المتنامي منذ توليه منصبه للمرة الثانية عام 2011 حتى أصبح محلاً للسخرية والتهكم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس