د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
بعد أن بدأت تتكشف خسائرها العسكرية في سوريا وفقدانها العديد من جنودها وطياريها وسحلهم بطريقة مذلة ومهينة، وفي إطار تشريع احتلالها العسكري للأراضي السورية قدمت الحكومة الروسية مطلع الأسبوع الماضي إلى مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب) مشروع قانون للتصديق على المعاهدة (البروتوكول) التي وقعتها مع النظام السوري وتمنحها سلطات واسعة على كامل الأراضي السورية وإقامة قواعد عسكرية دائمة لخدمة مصالحها الاستراتيجية والاستفادة من الموقع الجيو - سياسي الهام لسوريا في إطار التنافس الروسي مع الولايات المتحدة الأمريكية لتقاسم النفوذ في المنطقة.
عقد إذعان وحماية استعمارية
ويأتي البروتوكول تحت عنوان "تعزيز الجهود الرامية إلى التصدي للتهديدات الإرهابية " وسبق أن تم توقيعه في 26 آب/ أغسطس 2015، ويتضمن البروتوكول العديد من الفقرات الخطيرة التي تجعله بمثابة "عقد إذعان" يظهر فيه النظام السوري طرفًا ضعيفًا لا يملك أية صلاحيات، في الوقت الذي بدت فيه السلطات الروسية تتمتع بصلاحيات كاملة تتعدى الحدود القانونية المعهودة لاتفاقيات التعاون العسكرية بين الدول، وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت سوريا أقرب إلى نظام "الحماية الاستعمارية" الذي كان سائدًا في القرون الماضية.
فعلى سبيل المثال تضمن البروتوكول بنداً يمنح الحكومة الروسية صلاحية نشر طائرات مقاتلة ومروحيات وطائرات نقل في قاعدة "حميميم" الاستراتيجية لفترة غير محدودة، الأمر الذي فتح شهية وزارة الدفاع الروسية لتحويل هذه القاعدة إلى قاعدة جوية دائمة للقوات الروسية، وهو ما أكده النائب الأول لرئيس لجنة شؤون الدفاع والأمن في مجلس اتحاد روسيا "فرانتس كلينتسيفيتش" لصحيفة "ايزفيستيا"، عندما أشار إلى أنه "بعد تحديد وضعها القانوني، ستصبح حميميم قاعدة عسكرية روسية، سنشيد فيها بنية تحتية مناسبة، وسيعيش عسكريونا في ظروف كريمة".
أي سيكون بمقدور الحكومة الروسية التحكم بحجم الموظفين الذين سيتواجدون في القاعدة، وإعادة بنائها بالشكل الذي يتناسب مع وجود قواتها هناك، وإمكانية توسيعها وإضافة منشآت دعم لوجيستي ومطاعم وملاعب وأماكن تسلية للجنود الروس، إلى جانب إمكانية تحديد نوع وكمية المعدات الجوية والذخائر والمعدات العسكرية ونشر منصات تجسس واتصالات متطورة وصواريخ باليستية أو قنابل نووية في القاعدة دون أي "أجور" مقابل ذلك، ودون الحاجة إلى موافقة سلطات النظام السوري التي يمنع على عناصرها وضباطها الدخول إلى هذه القاعدة دون موافقة مسبقة من قائدها الروسي!
وبحسب البروتوكول العسكري الذي استندت روسيا في صياغته إلى أحكام ما يسمى بــ "معاهدة الصداقة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والجمهورية العربية السورية" الموقعة في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 1980، وعلى الاتفاقيات الموقعة بين وزارة الدفاع الروسية ووزارة دفاع النظام السوري في 7 تموز/ يوليو 1994، فإنه يتم الاتفاق على المواقع والأراضي الأخرى التي توضع تحت تصرف القوات الروسية إلى جانب قاعدة "حميميم" بموجب اتفاق منفصل بناء على الحاجة التي يراها الجانب الروسي لدعم جهوده في مكافحة الإرهاب والتطرف حسب تعبيره.
حصانات وصلاحيات مطلقة دون تحمل أي تبعات
يحق للطرف الروسي بموجب الاتفاقية المذكورة أن يدخل أو يخرج من سوريا أي معدات وذخائر وقذائف ومواد أخرى لازمة لعمل قواته، دون أي رسوم أو موجبات، وتبقى جميع الممتلكات المنقولة ومعدات البنية التحتية التي يتم نشرها من قِبل وزارة الدفاع الروسية ملكاً لها، كما يحق للموظفين الروس عبور الحدود دون أن يخضعوا لسلطة الجمارك أو حرس الحدود.
وهناك فقرة مهمة جدًا تتضمن منح الوحدات العسكرية الروسية الحصانة من أي ولاية للقضاء السوري، والاعتراف بمنح الجنود الروس وعائلاتهم جميع الامتيازات الممنوحة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، أي معاملة العسكر الروس معاملة السفراء والمبعوثين الدبلوماسيين وبالتالي تمتعهم بجميع الحصانات الشخصية والمالية والقضائية وعدم جواز تحريك الدعاوى بحقهم أو بحق عوائلهم أو وحداتهم العسكرية فيما بعد عن الجرائم التي يرتكبونها على الأراضي السورية.
وسلب البروتوكول من نظام الأسد الحق برفع أي دعوى متعلقة بنشاط مجموعة الطيران الروسي وموظفيه، في حين يتحمل النظام السوري النفقات عن تسوية جميع المطالبات التي قد تطالب بها أطراف ثالثة نتيجة للأضرار الناجمة عن أنشطة القوات الروسية وموظفيها، بمعنى أنه إذا ترتبت أضرار لدولة ثالثة أو منظمة دولية نتيجة للأعمال التي تنفذها القوات الروسية في سوريا تستوجب التعويض فعلى الجانب السوري أن يدفع جميع المبالغ والتعويضات الناتجة عن ذلك دون أن يتحمل الجانب الروسي شيئًا من ذلك.
التوصيف القانوني
قبل توصيف الحالة الدولية لسوريا بموجب هذه الاتفاقية لابد من توطئة سريعة لأشكال الدول بموجب القانون الدولي:
هناك عدة أشكال للدولة من حيث الوضع الدولي فهي إما دولة ذات سيادة كاملة أو ذات سيادة ناقصة أو ذات سيادة مقيدة والمقصود بالأخيرة هي الدولة التي ترتبط بمعاهدة حياد مؤقت أو دائم كما هي الحال بالنسبة للسويد وسويسرا.
أما الدولة ذات السيادة الناقصة فهي الدولة التي لا تتمتع بسائر اختصاصات الدولة الأساسية، وذلك بسبب تدخل دولة أو دول أجنبية في شؤونها ومباشرتها لبعض اختصاصاتها فتصبح الدول ذات السيادة الناقصة في حالة تبعية أو خضوع للدولة أو الدول المتدخلة (الحماية الدولية) ومن الأمثلة على التبعية، تبعية مصر للباب العالي بين عامي 1840 و1882 وتبعية صربيا ورومانيا والجبل الأسود للإمبراطورية العثمانية منذ معاهدة باريس عام 1856 حتى معاهدة برلين عام 1878.
نظام الحماية الدولية
الحماية الدولية شكل من أشكال السيادة الناقصة، وهي عبارة عن علاقة قانونية تنتج عن معاهدة دولية تضع بمقتضاها دولة ضعيفة تسمى "الدولة المحمية" نفسها تحت حماية "الدولة الحامية" التي هي أكثر منها قوة في العادة وتلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدولة المحمية مقابل حق الإشراف على الشؤون الخارجية للدولة المحمية والتدخل في إدارة إقليم تلك الدولة.
وهناك سوابق كثيرة على هذا النظام أبرزها الحماية الاستعمارية التي فرضتها بريطانيا على مصر ما بين عامي 1914- 1922 التي تعتبر جزء من الاحتلال البريطاني لمصر، والحماية التي فرضتها وبريطانيا أيضاً على الامارات العربية بموجب ما عرف بـــ "الاتفاقيات المانعة" لعام 1892 التي استمرت حتى عام 1971 حيث انفكت الإمارات عن الحماية البريطانية وأصبحت دولة مستقلة. وهناك دول لا تزال تحت نظام الحماية الدولية حتى الآن منها دولة سان مارينو التي تخضع لحماية إيطاليا، وإمارة موناكو التي تخضع لحماية فرنسا.
ويمكن اعتبار سوريا اليوم من حيث الوضع الدولي دولة ذات سيادة ناقصة، وأقرب توصيف قانوني ينطبق عليها هو نظام "الحماية الاستعمارية الروسية" ولا يمكن الحديث عن الانتداب أو الوصاية الدولية لأن هذين النظامين انتهيا منذ عدة سنوات ولا وجود لهما اليوم في عالمنا الحالي.
سياقات دستورية حاضرة في روسيا وغائبة في سوريا
بعد هذا العرض المبسط لأهم ما جاء في الاتفاقية المذكورة أعلاه وأشكال الدولة من حيث الوضع الدولي، السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو أنه إذا كانت روسيا تتبع السياقات الدستورية أمام شعبها لتشريع وجودها العسكري خارج الأراضي الروسية واحتلال أراضي دول أخرى بحجة مكافحة التطرف والإرهاب، فأين مؤسسات النظام السوري التشريعية التي يطبل ويزمر لها من مناقشة وإقرار مثل هذا الاتفاق حسب السياقات المتبعة في كافة دول العالم حتى تلك التي لا تتمتع بسيادة كاملة أو واقعة تحت الحماية الاستعمارية؟ لتبرير وجود قوات أجنبية على أراضيها من الناحية الشكلية على الأقل!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس