فيصل قورت - سيتا
1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟
2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟
3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن؟
4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية؟
5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟
1- ما هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذي كان العامل الأساسي في محاولة الانقلاب العسكري ليلة الخامس عشر من يوليو/ تموز؟ ولماذا حاول القيام بانقلاب؟
في ليل الخامس عشر من يوليو، حاولت مجموعة من العسكريين داخل القوات المسلحة التركية القيام بانقلاب عسكري بهدف السيطرة على النظام السياسي الديمقراطي في تركيا، عن طريق أساليب إرهابية. وصرح رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان أن هذه المجموعة تُدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي. وبعد تصريح رئيس الجمهورية جاء تصريح أخر من رئاسة الأركان. ووصف التصريح المنشور على الموقع الرسمي لرئاسة الأركان هذه المجموعة بمحاولات الإرهابيين الخونة المنتسبين لعصابة غير شرعية تغلغلت داخل القوات المسلحة التركية. عبارات مشابهة وردت في أقوال بعض القادة ذوي الرتب العالية المشاركين في محاولة الانقلاب، والتي أدلوا بها للنيابة بعد القبض عليهم. وطبقاً للأخبار التي نشرتها الصحافة فقد اعترف كبير المرافقين العسكريين (كبير الياوران) لرئيس الأركان خلوصي آقار، بأنه عضو بتنظيم فتح الله غولن الإرهابي، وأنه كان يتنصت على رئيس الأركان بناء على تعليمات من أحد مديري التنظيم (الأخ الكبير). علاوة على ذلك صرح كل من رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، وئيس حزب الحركة القومية (معارض) دولت بهتشلي بأنهم متفقان في الرأي بخصوص ذلك الأمر. هذه التصريحات تظهر بوضوح أنه هناك إجماع على أن العامل الرئيسي وراء تلك المحاولة هو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي.
ويمكن القول بأن هذا التنظيم الذي تحرك ليل الخامس عشر من يوليو كان يتحرك في إطار خطة من ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى كانت السيطرة على رئاسة الأركان. لهذا السبب حاولوا إجبار قادة القوات وعلى رأسهم رئيس الأركان، على التوقيع على بيان الانقلاب. وبهذا كانوا سيزعمون أن الانقلاب تم في إطار التسلسل القيادي داخل الجيش.
المرحلة الثانية كانت تأمين السيطرة الميدانية في كل أرجاء البلاد. وكانت العديد من الوحدات المؤيدة للمجموعة الانقلابية ستتحرك وتمنع المقاومة لحركة الانقلاب في كل تركيا. وكان قصف مباني الوحدات المسلحة التي يمكنها مقاومة الانقلاب مثل القوات الخاصة وقوات التدخل السريع والمخابرات لتحييد تلك الوحدات هو جزء من تلك المرحلة. في الوقت نفسه تم إغلاق الجسور باسطنبول بهدف قطع طرق الامدادات للتحرك المضاد للانقلاب وخلق حالة من الذعر لدى المواطنين. وكان هجومهم على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT وإجبارهم إحدى المذيعات على قراءة بيان الانقلاب بالقوة مناورة منهم لخلق تصور بأن الانقلاب قد نجح. ولكي تنجح المجموعة الانقلابية التي تدار من قبل تنظيم فتح الله غولن الإرهابي، في محاولتها للانقلاب قامت بقصف بعض المنشآت والمباني العامة وعلى رأسها البرلمان والمجمع الرئاسي، كما استخدموا السلاح في ضد المدنيين وقوات الأمن المقاومين للانقلاب. وعلاوة على كل ذلك نظم الانقلابيون عملية لاغتيال رئيس الجمهورية أثناء تواجده في "مرمريس" وأسفرت تلك التحركات المسلحة عن استشهاد 208 من قوات الأمن والمدنيين، وإصابة 1491 شخصاً.
أما المرحلة الثالثة فكانت إقامة نظام سياسي واجتماعي جديد عن طريق تأسيس قيادات الأحكام العرفية. إلا أن المقاومة التي أبدتها الاستخبارات والقوات الخاصة والتدخل السريع والشعب، والخطة لا تزال في مرحلتيها الأولى والثانية أفشلت الموجة الأولى من محاولة الانقلاب.
ظهر تنظيم فتح الله غولن الإرهابي منذ بدايات الثمانينات كجماعة يتزعمها فتح الله كولن استخدمت الخطاب الديني للتغلغل في كل المجالات البيروقراطية والسياسية والاجتماعية والحياة العملية.واستغلت المجموعة المذكورة إمكاناتها وكونت تنظيماً موازياً داخل مؤسسات الدولة خاصة داخل سلكي الأمن والإدارة المدنية.
وتحركت هذه الجماعة السرية والمنغلقة لسنوات مثل جماعة مسيانية أكثر من كونها جماعة دينية، واستطاعت التوغل داخل مؤسسات القطاع العام.
واتضح أن هذا التنظيم دخل في صراع على السلطة في تركيا لأول مرة مستخدماً وسائل غير مشروعة عندما سعى لاعتقال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية هاقان فيدان. وفي السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر/كانون أول عام 2013 قام التنظيم بتحريك خلاياه النائمة داخل سلكي القضاء والأمن، وتحول هذا التنظيم إلى واحد من أهم مصادر الوصاية البيروقراطية في تركيا. وكانت محاولة الانقلاب في السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر هي محاولة من التنظيم نفسه لإسقاط السلطة باستخدام القضاء. وبعد هذه المرحلة بدأت تظهر العديد من المؤامرات وعمليات الابتزاز التي قام بها التنظيم بدأ يفقد مشروعيته في نظر السياسة والمجتمع.
أجريت عمليات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة ضد هذا التنظيم الذي يعرف باسم الكيان الموازي. وبدلاً من أن يحاول المنتسبون لهذا التنظيم إثبات برائتهم في القضايا التي رفعتها المؤسسات القضائية بالدولة ضد التنظيم، فروا إلى خارج البلاد وقاموا بأنشطة اللوبيات. وقام التنظيم بمحاولات عدة من أجل الهدف نفسه ولكنه لم يستطع أبداً أن يحقق النتيجة التي يرجوها، فبدأ في التطرف أكثر يوماً عن يوم، وحاول أن يعرقل الحكومة حتى حربها ضد الإرهاب. ولم تفلح كل جهود التنظيم للإطاحة بالحكومة عن طريق الوسائل غير المشروعة لذا قام باتخاذ خطوة جديدة في الخامس عشر من تموز كانت بمثابة الهجمة الانتحارية الأخيره له. فقام منتسبو تنظيم فتح الله غولن الإرهابي داخل الجيش بمحاولة القيام بانقلاب عسكري خارج إطار التسلسل القيادي بالجيش. وكانت هذه المحاولة الانقلابية أكبر دليل على أن تنظيم فتح الله غولن الإرهابي قد أصبح تنظيماً مسلحاً. مثل هذه المحاولة لم تحدث في تركيا في أي من الانقلابات التي شهدتها البلاد في أعوام 1960، و1971، و1980، و1997.
2- ما هي الأسباب التي أدت لفشل محاولة الانقلاب هذه؟
يمكن تقييم فشل محاولة الانقلاب هذه في إطار أربعة عوامل
العامل الأول هو تعبير الشعب عن إرادته الرافضة للانقلاب وخروجه للشوارع والميادين استجابة لدعوة رئيس الجمهورية أردوغان. فمنذ الساعات الأولى تجمع الشعب في الأماكن والنقاط الحساسة التي احتلتها وحدات الانقلابيين وقاوموهم.
وحال وضع المعدات والسيارات الشخصية أمام الثكنات العسكرية دون خروج المزيد من الوحدات العسكرية من ثكناتها. كما منعت المقاومة المدنية للشعب في النقاط الحساسة التي تمت السيطرة عليها مثل المطار والجسور ووحدات الأمن، من أن يكون للانقلاب تأثير في تلك المناطق. والأكثر من ذلك، أن وقوف الشعب في وجه الوحدات الانقلابية المزودة بأسلحة ثقيلة وعدم تراجعهم رغم النيران التي أطلقت عليهم، ساهم بشكل كبير في إكساب قوات الأمن الأخرى الأفضلية ضد قوات الانقلابيين.
لا جرم أنه من الإشارات المهمة التي أظهرت إرادة الشعب التركي القوية، عدم تراجع المواطنين للوراء رغم إجبار الانقلابيين، العاملين في قناة التلفزة الرسمية (تَ رَ تَ) على قراءة بيان الأحكام العرفية، ودخول أفراد الشعب، القناة المذكورة، ومساعدتهم في القبض على الجنود الانقلابيين. خلاصة القول، الشعب التركي أظهر نموذجا مشرفا في المقاومة المدنية المؤثرة دون اللجوء للسلاح، ودون الإضرار بالممتلكات العامة ولا سيما الخاصة منها
أما العنصر الثاني، فهو الزعامة القوية التي يتمتع بها الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ خرج في عدد من قنوات التلفزة، عبر الهاتف، وأعلن أنه ضد هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، ودعا الناس للخروج إلى الميادين، وكانت هذه أمور بمثابة نقطة تحول قلبت السحر على الساحر. والأكثر من ذلك أن مخاطرته بحياته كرئيس، حينما قرر المجيء إلى مدينة اسطنبول بالطائرة، غير عابئ بتحليق طائرات (إف 16) التي استولى عليها الانقلابيون في الأجواء، وكذلك استقباله بحفاوة من قبل الشعب، كان من شأنه أن يشكل زخمًا وحراكًا مناهضًا للحركة الانقلابية. هذا إلى جانب أن رفض هذه المحاولة من قبل القوات المسلحة، وجهاز الاستخبارات، ومديرية الأمن، أمور أدت جميعها إلى رفع الروح المعنوية، وتحقيق إدارة قيادية فاعلة ومؤثرة.
أما العنصر الثالث الذي أفشل المحاولة الانقلابية، فهو ثبات الحكومة. ففي ساعات الانقلاب الأولى، تحدث رئيس الوزراء بن علي يلدريم، عبر الهاتف مع القنوات التلفزيونية، وقال إنهم يعارضون الانقلاب، وحذا حذوه وزراء حكومته، إلى جانب حشد كل الإمكانات المتوفرة لديهم للخدمة العامة لمواجهة الانقلاب. ولقد كان لتولى رئيس البلاد، ورئيس وزرائه بنفسيهما إدارة العملية، أهمية كبيرة من حيث تواصلهما مع الرأي العام في سياق إدارة الأزمة، ومن حيث الإشراف بشكل كامل على سير الأحداث المناهضة للانقلاب الفاشل.
وبخصوص العنصر الرابع الذي أدى إلى عرقلة الانقلاب، هو المبادرة التي قامت بها وحدات الأمن. فلا شك أن الوحدات الأمنية التابعة لمديرية الأمن، وفي مقدمتها الوحدات الخاصة، وكذلك قيام جهاز الاستخبارات بتعبئة كافة الإمكانيات الموجودة لديه، أمران مثلا قوة ضاربة ضد الانقلابيين الذين كانوا يحملون أسلحة ثقيلة. كما أن مقاومة وحدات في الجيش بما في ذلك العمليات الخاصة، للطغمة المنقلبة، هذا إلى جانب إعلان عدد من قادة الجيش في وسائل الإعلام رفضهم للمحاولة الانقلابية. وبذلك يمكننا أن نفهم أن تمكن كل هذه العناصر مجتمعة من عرقلة الانقلاب ودحره، يؤكد بما لا يدع مجالا للشكل، أن السياسة في تركيا لا يمكن أن تتم إدارتها بمثل هذه المحاولات.
3- هل تم دحر الانقلاب بشكل كام والتخلص منه ؟ ولماذا الناس في الشوارع حتى الآن ؟
عندما ننظر في الأحداث التي جرت من حولنا في التاريخ القريب، نجد أن هناك محاولات انقلابية نجحت في موجتها الثانية؟ فعلى سبيل المثال، نجد أن الشعب الإيراني قاوم لعدة أيام، العملية الانقلابية التي استهدفت رئيس وزرائهم في عام 1953 محمد مصدق، وحينما استقرت في قناعته أن الخطر زال، وأن رئيس الوزراء باقٍ في السلطة، انسحب من الشوارع، فجاءت على إثر ذلك الموجة الثانية من المحاولة الانقلابية، والتي أدت إلى الإطاحة برئيس الوزراء. وفي تركيا أيضا حدثت موجه أولى من انقلاب عام 1971 يوم 9 مارس، لكن الموجة الثانية في 12 من الشهر ذاته حققت الهدف من الانقلاب.
ومن الجدير بالذكر أنه منذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية، بدأ على الفور يظهر تأثير المقاومة التي أبداها رئيس الدولة، والشعب، وقوات الأمن، ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكان كل هذا سببا في دحر العسكر من الأماكن التي استولوا عليها، وانسحابهم من الشوارع. ولعل انسحاب الجنود من فوق جسر البسفور، إشارة إلى أن قوات الأمن باتت مسيطرة بشكل كامل على المكان. لكن من اللافت أن رئيس البلاد ناشد الشعب البقاء في أماكنه التي كان فيها، فاستجاب له الشعب ولم يبارح الشوارع.
ومن الأمور التي دعت الشعب إلى التصرف بحذر خلال تلك الأحداث، ما يعلمه ذلك الشعب جيدًا من الخراب الذي يحل مع قدوم العسكر للعمل في السياسة، وكذلك الأساليب التي وضعتها قيد التنفيذ، جماعة فتح الله غولن العقل المدبر والفاعل الرئيسي لهذه المحاولة الانقلابية. وإذا كانت المحاولة الانقلابية قد تمت السيطرة عليها، لإغنه ليس من السهل أيضًا أن نقول إن خطر الانقلاب بكافة أبعاده قد زال. فبالرغم من دحر الموجة الأولى من هذه المحاولة، إلى أننا شاهدنا عدة نماذج كالتحركات العسكرية في القاعدة الجوية السابعة في ولاية ملاطية، والثالثة في قونية، إلى جانب قيام قائد قوات الدرك الذي قاوم قرار توقيفه، بإعطاء الأوامر لجنوده بإطلاق النار في مطار "صبيحة غوكتشن" بمدينة اسطنبول. والرأي العام التركي في البلاد، بات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة شاهدًا على الطريقة المتكاملة التي تعمل بها جماعة "فتح الله غولن". لذلك بات من الضروري تطهير كافة مؤسسات الدولة بما في ذلك القضاء، من الأشخاص المنتمين لتلك الجماعة. هذا الأمر بات مطلبًا للشعب الذي ينتظر محاكمة الانقلابيين على ما أقدموا عليه، وكذلك نتظر اتخاذ تدابير رادعة لأي محاولات انقلابية محتملة قد تقع مستقبلا. كما أن الشعب الذي يعتبر أهم عامل دحر المقاومة الانقلابية الفاشلة، قد أعلن صراحة ملطبه المتعلق بإعادة تنفيذ عقوبة الإعدام.
4- كيف يمكن تفسير البعد الدولي لهذه المحاولة الانقلابية ؟
يمكننا تقييم البعد الدولي للمحاولة الانقلابية من خلال شقين:
أول شق، الرسالة التي تم تكوينها بشأن تركيا في فترة ما قبل الانقلاب. ففي هذا الإطار كانت هناك محاولات كبيرة لدى الرأي العام الدولي لاتهام تركيا بمساعدة تنظيم "داعش" الإرهابي، وكان الهدف من ذلك هو النيل من مشروعية رئيس البلاد وحكومته، وهما من تم انتخابهما من قبل الشعب بطرق ديمقراطية. هذا إلى جانب أن الصحافة الأمريكية خلال الأشهر القليلة الماضية، دأبت على تناول خطابات انقلابية بلغة مستفزة، وكانت هذه الخطابات بمثابة عمليات تكمل بعضها البعض، ومن الصعب القول بإن هذه العمليات تم التخطيط لها، وأنها وضعت للتنفيذ بشكل متتابع. لكن يجب أن نضع في الحسبان "اتهام تركيا بمساعدة تنظيم داعش"، وأن الأشخاص ووسائل الإعلام التي قادت الخطابات الانقلابية في أمريكا، كانوا شكلا واحدا ولم يتغيروا. ومن المثير للانتباه أيضا في هذا السياق، أنه في الوقت الذي يقاوم فيه الشعب في تركيا ضد المحاولة الانقلابية، خرج فتح الله غولن في 16 يوليو الجاري، ليقول في مقابلة صحفية إن "الرئيس أردوغان يدعم تنظيم داعش".
أما المرحلة الثانية، فكانت ردود أفعال الفاعلين الدوليين اعتبارًا من اللحظات الأولى التي بدات تنتشر فيها أنباء المحاولة الانقلابية، ليلة 15 يوليو. وكان لا بد من سماع تصريحات قوية تدعم القيم الديمقراطية من الولايات المتحدة وغيرها من الدولي الأوروبية التي تمتلك تركيا معها علاقات قوية. لكن مع الأسف هذه الدول لم ترغب في تقديم هذا الدعم، ولم يدعموا الديمقراطية ولا الحكومة الشرعية في حينه.
وجاء أول تصريح من الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها "جون كيري" الذي قال "أتمنى الحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن في تركيا"، وهذه الكلمات لم تشر إلى كون الانقلاب مشكلة أو أزمة، وكانت بعيد تمام البعد عن دعم الحكومة الشعرية المنتخبة في البلاد. وكان ينبغي أن تكون تصريحات الرئيس باراك أوباما التي دعم فيها الحكومة، أول تصريحات الولايات المتحدة بشأن الأحداث، فتصريحات الولايات المتحدة جاءت متأخرة، وضعيفة. كما أن بعض الجنرالات رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الأمريكية، نشروا إشاعات تفيد نجاح الانقلاب في تركيا، وهذه أمور تعني أنهم كانوا يتمنون نجاح الانقلاب، وخالفوا بها الإرادة الشعبية في تركيا، وليس الحكومة المنتخبة ديموقراطيا فحسب. أما مشروع قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة المحالوة الانقلابية في عارضته مصر التي يحكمها السيسي الانقلابي. وكانت هذه المؤسسة التي طالما صدعتنا بالحديث عن الديمقراطية والليبرالية، بعيدة كل البعج عن تطمين الرأي العام التركي بخصوص رفضها للمحاولة الانقلابية. وبينما قال السياسيون في البلاد أنهم بصدد تقييم مطلب الشعب المتعلق بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا، جاءت ردود أفعال الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد سريعة وواضحة إلى حد كبير.
وفي المقابل نجد ردود الأفعال الأولية الرافضة للمخاولة الانقلابية، التي جاءت من أذربيجان للصومال، ومن أفريقيا للشرق الأوسط، على المستويين الشعبي والرسمي، داعمة للرئيس المنتخب وحكومته الشرعية. وعندما ننظر إلى كيان جماعة فتح الله غولن كتنظيم دولي، يمكننا أن ندرك حساسية تركيا في هذا السياق. وطالما ظل خطر الانقلاب مستمرًا ولم يتم دحره، دخلت عوامل جيدة دولية في مجرى الأحداث. فعلى سبيل المثال قام مركز الدراسات الاستيراتيجي "ستراتيجيك فوركاستينغ" بعرض إحداثيات متعلقة باتجه طائرة الرئيس أردوغان الذي تعرض لمحاولة اغتيال في "مرمريس" ليلة 15 يوليو، وهى في طريقها إلى مدينة اسطنبول، وما قام به هذا المركز الاستيراتيجي بمثابة تهديد فظ. وصباح 18 يوليو أعلن موقع ويكليكس أنه بصدد نشر 100 ألف وثيقة متعلقة بتويتر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وذكر أن هذه الوثائق ستؤثر على الصراع في تركيا. فكل هذه الأمور، تشير إلى أن المحاولة الانقلابية كان لها بعد دولي عملياتي. في حين أن تركيا كانت لديها تطلعا محددة من قبل المؤسسات الدولية والجهات الفاعلة في المحافل الدولية.
5- كيف ينبغي تقييم مسألة إعادة الولايات المتحدة الأمريكية لـ"فتح الله غولن"؟
أحد أهم أبعاد تصفية التنظيمات الإرهابية، السيطرة على الكادر القيادي بها. ولا شك أن دحر المخاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، سيكون من شأنه تسريع عملية التخلص من جماعة فتح الله غولن. ولا شك أن استعادة فتح الله غولن من الولايات المتحدة، يحمل أهمية كبيرة بخصوص التخلص من جماعته، وتصفيتها. وكان الرئيس رجب طيب أردوغان حريصا في أول خطاب يوجهه للشعب يوم السبت 16 يوليو عقب المحاولة الانقلابية، على توجيه رسالة إلى الإدارة الأمريكية، ذكر خلالها بالشراكة النموذجية بين البلدين، وطلب منها "‘إعادة الشخص الذي يتزعم الجماعة التي أدارت المحاولة الانقلابية". كما أن وزير العدل "بكر بوزداغ" قال إنهم اتخذوا كافة الإجراءات اللازمة من أجل إعادته.
في حقيقة الأمر، تركيا منذ فترة طويلة تطالب الولايات المتحدة بإعادة فتح الله غولن، لكن واشنطن لا تستجيب. ولم يتضح بعد كيف سيكون رد أمريكا على هذا الطلب بعد هضه المحالوة الانقلابية. ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية "كيري" استعدادهم للمشاركة في التحقيقات المتعلقة بمحاولة الانقلابية، ذكر بخصوص استعادة "غولن"، أن عملية إعادته تحتاج "أدلة ملموسة"، وأن القضية بات لها بعد قانوني. وفي ذات السياق أدلى السفير الأمريكي لدى أنقرة "جون باس" بتصريحات لفت خلالها الانتباه إلى ثلاث نقاط رئيسية: أولها التضليل الإعلامي لمؤيدي فتح الله غولن، ثانيها انزعاجهم مما استقر لدى قناعات البعض بأن بلاده تقف وراء المحاولة الانقلابية، ثالثها استعدادهم التعاون في عملية إعادة "غولن" حال اتخاذ ضروريات اتفاق استعادة المتهمين الموقع مع الولايات المتحدة منذ عاك 1980. لذلك يمكننا القول إن أرضية عملية استعادته موجودة، لكن المسألة لها ماهية سياسية، وينبغي على دوائر القرار في الولايات المتحدة، إبداء نوع من المبادرة السياسية، لاتخاذ قرار في هذا الشأن. ومن الجدير بالذكر أنه من الصعب على الولايات المتدة أن تفهم حالة المقاومة التي يعيشها الشعب التركي. وبات على الإدارة الأمريكية ترجمة ما قاله "كيري" و"باس" بخصوص التعاون مع تركيا، على واقع فعلي، وتنفيذ تطلعات الشعب التركي. وبسبب إقامة "غولن" في الولايات المتحدة، فإن الرأي العام التركي، مقتنع أن أمريكا هي التي تقف وراء المحاولة الانقلابية -وهذا ما أزعج سفيرها لدى أنقرة باس-. ولعل أهم خطوة يتعين على "أوباما" اتخاذها لكسر هذه القناعة، هي إعادة "غولن" لتركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!