المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
سجلت سنة 2016 تزايدا في الأحداث المأساوية المرتبطة بالأعمال الإرهابية في تركيا، والتي نفذها حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة، فقد استهدفا المدن الكبرى بأكثر من 20 قنبلة تسببت في مقتل 225 شخصا. مع نهاية السنة، يأمل الأتراك في انخفاض حدة العنف والإرهاب والقمع. إلا أن السنة الجديدة بدأت بكابوس – بعد أن نفّذ تنظيم الدولة هجوما همجيا ضد نادي ليلي فاخر في إسطنبول، ما أدى إلى مقتل 39 شخصا. حجبت الفوضى، التي جدت في الساعات الأولى بعد دخول تركيا السنة الجديدة، الآمال الطيبة، وعمّقت من الشعور بالكآبة، وجعلت الجميع يفكرون في مستقبل تركيا.
يرتبط العنف الذي يضرب تركيا بمصدرين: حزب العمال الكردستاني، الذي زادت تحركاته منذ توتر الوضع في سوريا، وتنظيم الدولة الذي يضبط تحركاته وفق الوضع في سوريا أيضا.
بدأ سفك الدماء من قبل تنظيم الدولة في تركيا منذ سنة 2014 بعملية الذئب المنفرد التي خطفت أرواح 3 أشخاص. وفي سنة 2015، تسببت أربع عمليات إرهابية مماثلة في مقتل 144 شخصا. وفي سنة 2016، زاد عدد العمليات الإرهابية ليصل إلى 7 عمليات، وزاد أيضا عدد القتلى ليبلغ 167 شخصا، إن أضفنا إليها عدد ضحايا إطلاق النار الذي جد في الملهى الليلي "رينا". بعد 11 هجوما إرهابيا و311 قتيل في سنتين، تبين أن تنظيم الدولة قد وضع تركيا في قائمة المستهدفين بشكل حصري. وهذه ثلاثة أسباب لهذا الاختيار:
السبب الأول: تعكس مهاجمة تنظيم الدولة لتركيا المعارك الدائرة بين مختلف المجموعات في سوريا. وفي سنة 2015 – السنة التي خسر فيها التنظيم معركة كوباني، المدينة الكردية الواقعة في شمال سورية - استهدف التنظيم الأكراد والمناسبات التي تجمع الأكراد بشكل استثنائي في تركيا.
وفي تموز/ يوليو 2015، أصبحت المواجهة بين تركيا والتنظيم أكثر حدة، لتتجاوز المتابعة ورد الفعل. ونتيجة لهذا تحول التنظيم لمهاجمة المدن التركية في سنة 2016، مستهدفا المدن السياحية، وأكبر مطار في البلاد، وأخيرا أماكن الترفيه العمومية.
تبدو هذه الأحداث أشبه بعملية تصدير للحرب السورية إلى تركيا، وإعلان حرب تدريجي ضد القيادة التركية. وبعد تبني تنظيم الدولة للتفجير الذي جد في سنة 2015، واستهدف مسيرة للسلام في أنقرة الذي ذهب ضحيته 104 شخص، بدا مما لا يدع مجالا للشك أن تنظيم الدولة أعلن الحرب على تركيا. وقد عزز هذا التخمين ما قاله المنشق عن تنظيم الدولة للصحيفة البريطانية "الإندبندنت"، بعد مجزرة الملهى الليلي "رينا": "أعلن التنظيم الحرب على تركيا".
السبب الثاني: مما لا شك فيه أن تنظيم الدولة يرى تركيا أرض جهاد، لأنه يرى أن المسلمين الذين لا يوافقون فهمه للإسلام "كفار"، وبلادهم يحكمها "طاغوت"، أي أنها أرض خرجت عن تعاليم الله، وهي تخمينات تجعل تركيا في قائمة المستهدَفين.
تشير الاتهامات سابقة الذكر إلى العلاقة بين أمير التنظيم في سوريا وزميله في جنوب مدينة غازي عنتاب، حيث يناقشان مشروع استهداف المناطق السياحية لـ"حزب العمال الكردستاني" أو الجنود الأتراك –لا يهم من المستهدف بينهما لأنهما تحدثا عن توفير الانتحاريين بالقدر المطلوب.
بالإضافة إلى أن تركيا – التي لها حدود مشتركة مع سورية طولها 911 كيلومتر و384 كيلومتر مع العراق- أرض طبيعية خصبة لتلقي تنظيم الدولة للدعم والامتداد اللوجيستي، تعتبر أيضا أرضا إسلامية في مفترق الطرق مع القوقاز، ووسط آسيا، والشرق الأوسط.
الموقع الجغرافي لتركيا، والتركيبة الاجتماعية جعلاها هدفا محتملا وأرض مغرية للتنظيم الإرهابي. وهذا ما كشفت عنه عملية ملهى راينا، خاصة وأن هناك اعتقادا بأن الجاني الفار ينتمي لطائفة الإيغور: وهي مجموعة عرقية تتحدث التركية وتتواجد أساسا في الصين.
والأهم من هذا أن تنظيم الدولة أصبح قادرا على استقطاب أعداد كبيرة من الأتراك، فالمجموعات السلفية أصبحت مركز الثقل بالنسبة للأتراك المتوجهين نحو الأصولية الدينية، واستفادت من تشكيلهم خلايا شبكية في عدد من المناطق والأماكن العامة مثل المساجد والمقاهي.
لم تكن ملاحظة واكتشاف هذا الانفراج أمرا حديثا. وفي حوار في شهر حزيران/ يونيو 2015 مع سرهات أركمين، وهو باحث متقدم في معهد تركيا لدراسات القرن الواحد والعشرين، تعرض لهذه المشكلة مستندا إلى دراسات ميدانية: "إذا أخذنا بعين الاعتبار للمجاهدين الذين أرسلوا إلى سورية والعراق للجهاد، وعائلاتهم التي صحبتهم، وأولئك الذين يقدمون لهم الدعم اللوجيستي، وغير ذلك من أنواع الدعم، فإن العدد الإجمالي يقارب... 10 آلاف... وتقارب نسبة العائلات التي لحقت بأبنائها المقاتلين في العراق وسوريا 60 بالمائة".
وقد كتب الصحفي ميتيهان دمير في تموز/ يوليو 2016 مقالا ورد فيه: "وفق التقارير البوليسية وأجهزة الأمن، فإن هناك مجموعة أساسية تتألف من 60 شخصا في تركيا، تعرضوا إلى غسيل أدمغة، وتدربوا على مستوى عال في الخارج وهم موهوبون، وينظمون الخلايا ويخططون للعمليات الإرهابية. وهم قادرون أيضا على الوصول إلى إسطنبول، وأورفا، وغازي عنتاب، وهاتاي، وبطمان، وأديامان، ومرعش. بالإضافة إلى هذه المجموعة يوجد 1800 مقاتلا مدربا، يقدمون الدعم للتنظيم في سوريا، باحتساب من التحق بالتنظيم، ومن تبنى نمط حياته وهم مستعدون للسير على خطاه، وقد يصل عددهم في تركيا إلى الآلاف. لكن للأسف فهذه أرقام واقعية، وليس مجرد تكهنات".
بعد هجوم رينا اعتُقل أكثر من 50 شخصا متهما بالانتماء للتنظيم. بحسب حزب العدالة والتنمية وحليفه حزب العمل القومي فإن هذه العملية ترتبط أساسا بتنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني وفتح الله غولن، مايسترو انقلاب تموز/ يوليو، وذكر الطرفان أن هاذين الحدثين هما عاملا ضغط، وبداية حرب سرية، تقودها عناصر أجنبية تستهدف وحدة تركيا. لكن يبدو أن حزب العدالة والتنمية وحزب العمل القومي لا يريان في هذه الأحداث، سوى سلسة من الاستفزازات مصدرها عدو خارجي.
انصب تركيز أجهزة الأمن حول الوضع السياسي، والتدابير اللازمة، والحملة المتصاعدة لوسائل الإعلام والحرية، وحقيقة أن التعاطي معها أصبح بشكل تدريجي أمرا عاديا يجب أن يراه الجميع من منظور الوضع الحالي. وسط ارتفاع موجة القومية، قد تمنع الجماهير دوامة العنف، إلا أن السلطة بقيادتها عملية درع الفرات في سورية ستحول دون ذلك: فالعنف والاستبداد السياسي عالقان معا في مركب فقدان الأمن والخوف.
إن سياسة تركيا في سورية هي من بين أسباب هذا الشعور السائد. ويجب التذكير أن أكثر ما يخشاه المجتمع التركي أن تشن الحكومة عمليات عسكرية في سوريا، لاستهداف تنظيم الدولة، وقد تستهدف بالأساس كبح جماح القوات الكردية، وتكون بذلك قد نجحت في نقل الحرب السورية إلى تركيا.
إن صراع تركيا مع تنظيم الدولة من أكبر الاختبارات. ومما لا شك فيه أن الحكومة بحاجة إلى نظرة معمقة للوضع، من زاوية جديدة وبتدابير مختلفة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس