عادل دشيله - خاص ترك برس

كانت تركيا مركزا للخلافة العثمانية حتى العام 1922. ولذلك، عندما نتكلم عن تركيا، نحن نتكلم عن إمبراطورية حكمت أجزاء كبيرة من القارات الأوروبية، والآسيوية، والأفريقية، لقرون عديدة، وكانت الدول العربية جزء من هذه الإمبراطورية. على سبيل المثال، حكمت الخلافة العثمانية الدول التالية: بلغاريا، ومقدونيا، واليونان، وصربيا، ومملكة الجبل الأسود، ومقدونيا، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، وكوسوفو، وبولندا، وأوكرانيا، والمجر، وألبانيا، وجورجيا. كما حكمت أيضا مصر، واليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، ودول الخليج العربي. يعرف العرب تاريخ تركيا جيدا. رفعت  تركيا علم الإسلام في قلب أوروبا وآسيا وأفريقيا. نحب تركيا المسلمة لأنها كانت ولا زالت رمزا لوحدة المسلمين، وهذا قدرها، مهما حقد عليها أتباع العلمانية المستوردة، والأنظمة الصليبية الغربية، وكذلك الأنظمة الديكتاتورية العربية. يحب العرب تركيا المسلمة لأنها كانت مركز الخلافة الإسلامية، والثقافة، والعلم، والتسامح، وستظل كذلك، وبوجود حزب العدالة في قمة السلطة في تركيا اليوم، يبعث فينا الأمل من جديد لإقامة حكم إسلامي رشيد في منطقتنا المغلوبة على أمرها.

أمّا فيما يخص الجانب الإنساني، فالكل يعرف كيف استقبلت تركيا أكثر من ثلاثة ملايين من أبناء الشعب السوري المنكوب، أي ما يعادل سكان دولتين عربيتين. يعيش أبناء سوريا  في أراضي تركيا المسلمة بحرية تامة. فتحت الجامعات التركية أبوابها لطلاب سوريا، وخفضت لهم الرسوم وقدمت لهم المنح وووإلخ. وفرت الحكومة التركية للنازحين كل شي ليس مِنّةً منها ولكنه واجبٌ عليها نحو المستجير والهارب من برابرة القتل والخراب والدمار. فما أنبل الكرم حين يأتي من جار مسلم! لم يقل أبناء الشعب التركي لإخوانهم السوريين لا مكان لكم عندنا، بل رحبوا بهم وتقاسموا معهم لقمة العيش والمسكن والملبس.

هل تتذكرون يوم سقطت حلب السورية ففتحت تركيا أبوابها للمظلومين والمشردين من أبناء حلب، بينما كان الرئيس السوري يستعد لاستقبال فرقة موسيقار عسكرية روسية كي تشاركه أفراحه، ليس بمناسبة تحرير الجولان المحتل، ولكن بمناسبة سحقه لسكان مدينة حلب المكلومة، لكن البحر الأسود التهم الطائرة التي كانت تحمل تلك الفرقة الروسية قبل وصولها إلى سوريا الجريحة. وهنا يأتي الجواب لماذا نحب تركيا.

أصبحت إسطنبول اليوم المكان الآمن للمشردين، والهاربين من  بطش تجار الحروب، والأنظمة القمعية العربية في بلاد الشام، واليمن، وأرض الكنانة، وبلدان عربية أخرى، ومن يقول غير فهو كالذي يحرث في الماء. كما فتحت تركيا أبوابها للنخب العربية والعلماء، والسياسيين، والأدباء، والأكاديميين، ورجال الكلمة، والطلاب وأصحاب الحرف، واللاجئين على حد سواء، ولم تغلق أبوابها في وجه أحد، في الوقت الذي كانت فيه بعض الدول العربية ولا زالت تغلق أبوابها في وجيه النازحين والهاربين من الموت.

لن ننسى موقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في عام 2008 عندما قاطع كلمة شمعون بيريز، رئيس إسرائيل آنذاك في مؤتمر دافوس، وغادر القاعة احتجاجا على كلمة بيريز الكاذبة، والمليئة بالدجل وتزوير الحقائق، حول الوضع في فلسطين، بينما كان أمين جامعة الدول العربية آنذاك، عمر موسى يحاول أن يقنع الرئيس التركي بالجلوس، وعدم المغادرة؟

كلنا يتذكرعندما اقتحمت القوات البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية التركي "مرمرة" الذي حاول أن يفك الحصار عن غزة في العام 2010، في الوقت الذي كانت فيه بعض الأنظمة العربية تحاصر قطاع غزة وتغلق المعابر البرية ولا زالت تحاصر قطاع غزة حتى كتابة هذه السطور.

لن ننسى المواقف الإنسانية والأخوية الصادقة للزعيم التركي رجب طيب أردوغان، القوي الأمين، تجاه من نكلت بهم عصابات الموت الطائفية في سوريا. عندما استقبل االرئيس التركي رجيب طيب أردوغان مؤخرا في القصر الرئاسي في تركيا الشاب السوري عبدالحميد اليوسف، الذي فقد طفليه التوأمة، وزوجته، إلى جانب العشرات من عائلته، وأفراد منطقته خلال هجوم خان شيخون الكيماوي الذي نفذته طائرات تابعة للمجرم بشار الأسد، جعلنا ذلك الموقف الصادق نشعر بالفخر والاعتزاز بالرئيس أردوغان. ولذلك ليس بغريب على تركيا المسلمة هذه المواقف المشرفه تجاه القضايا العربية، فمواقفها منذ القدم ثابتة تجاه القضايا العربية المصيرية، وليست وليدة اللحظة، وما موقف السلطان عبد الحميد الثاني حول فلسطين منا ببعيد، حين رفض طلب هرتزل بمنح فلسطين لليهود فيرد عليه السلطان عبد الحميد "لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليست ملكًا لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة والله لئن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين". لو لم يكن لتركيا المسلمة إلا هذا الموقف تجاه الشعوب العربية لكفى. أين موقف قادة الأمة العربية اليوم من قضية فلسطين؟! هذا فيض من غيض، وهناك مواقف أخرى كثيرة ومشرفة لتركيا المسلمة تجاه الشعوب العربية، ليس المجال لذكرها الآن.

عن الكاتب

عادل دشيله

كاتب وباحث يمني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس