ترك برس
أجرت شبكة الجزيرة حوارًا مع المؤرخ والباحث التركي الشهير البروفيسور "فؤاد سيزكين"، صاحب موسوعة "تاريخ التراث العربي"، التي أصبحت مرجعا أساسيا لكل أقسام الدراسات الإسلامية في المؤسسات الأكاديمية المتخصصة بالعالم، وأسهمت في تغيير جانب من الصور النمطية السلبية السائدة بالذهنية الغربية عن الإسلام والمسلمين.
وكشف سيزكين، أن الرئيس الألماني الأسبق ريتشارد فون فايتسكر كتب إليه يقول إن قراءته المجلد المتعلق بريادة المسلمين في الجغرافيا والخرائط بموسوعة "تاريخ التراث العربي" أقنعته بأن الحضارة الأوروبية مدينة بما حققته ووصلت إليه للعلماء العرب والمسلمين.
وبحسب الجزيرة، فإنه رغم تخطيه عتبة عامه الـ92 ينكب البروفيسور فؤاد سيزكين بدأب وسط كتبه بمعهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت على إعداد المجلدين الـ18 والـ19 من موسوعته "تاريخ التراث العربي" التي تحولت إلى أهم مرجع للمراكز البحثية العالمية في كل ما يتعلق بالدراسات الإسلامية واللغة العربية.
وتركز هذه الموسوعة بشكل خاص على التعريف بالإسهامات المعرفية والتطبيقية الكبيرة للعلماء العرب والمسلمين في عصور ريادة الحضارة الإسلامية، وفضل هذه الإنجازات العلمية على الحضارة الغربية المعاصرة، ويدور المجلدان الأخيران بالموسوعة حول الفلسفة الإسلامية.
وقال البروفيسور سيزكين، إنه قرأ وحلل لإعداد هذين المجلدين 1200 مرجع أصدرها علماء ومستشرقون خلال ثلاثمئة عام. وأضاف أن موسوعة "تاريخ التراث العربي" أصبحت مرجعا أساسيا لكل أقسام الدراسات الإسلامية في المؤسسات الأكاديمية المتخصصة بالعالم، وأسهمت في تغيير جانب من الصور النمطية السلبية السائدة بالذهنية الغربية عن الإسلام والمسلمين.
ويمثل "تاريخ التراث العربي" أهم إصدار لمعهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية الذي أسسه البروفيسور سيزكين عام 1982 بإطار جامعة فرانكفورت.
وأوضح الباحث أنه لاحظ في السنوات التالية لعمله أستاذا لتاريخ العلوم الطبيعية بجامعة فرانكفورت أن إلقاءه محاضرة عن الإسهامات العلمية العربية الإسلامية يحتاج أسبوعا كاملا للإعداد بسبب ندرة المراجع في هذا المجال.
وأشار إلى أنه فكر بعد حصوله عام 1978 على جائزة الملك فيصل العالمية بمجال خدمة الإسلام -إذ كان أول الحائزين لها- باستغلال القيمة المادية لهذه الجائزة لتأسيس معهد لتاريخ العلوم العربية والإسلامية ومتحف لاختراعات وأدوات ابتكرها العلماء العرب والمسلمون وأسهمت في بناء الحضارة الغربية المعاصرة بجامعة في فرانكفورت.
ويؤمن البروفيسور فؤاد سيزكين بوحدة العلوم وبالإرث العلمي للإنسانية، ويرى أن واجبه يتمثل في تسليط الضوء على الإنجازات الكبيرة للعرب والمسلمين بمسيرة الحضارة.
كما أشار إلى أنه سعى لتحقيق هدفين من تأسيس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، الأول إيقاظ المسلمين من سباتهم وتذكيرهم بريادتهم الحضارية السابقة وحثهم على استعادتها، والثاني هو تعريف الغربيين بالدور الكبير للعلماء العرب والمسلمين في بناء حضارتهم.
وحضر سيزكين إلى فرانكفورت بعد وقوع الانقلاب العسكري ضد حكومة عدنان مندريس في تركيا عام 1960، وقد تم فصله من التدريس بالجامعة، وحمل معه مكتبته الخاصة المكونة من ستة آلاف مجلد مثلت فيما بعد النواة الأولى بمكتبة معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية.
وتقتني مكتبة المعهد حاليا نحو 25 ألف مجلد قال سيزكين إنه جمعها من ستين بلدا زارها، واشترى منها على نفقته الخاصة كتبا ومخطوطات ومصورات على الميكروفيلم.
ولفت الباحث التركي البارز إلى أنه حرص على جعل معهده -الذي تبرعت الكويت بشراء مقره في فرانكفورت- ممثلا لكل الدول العربية التي شاركت بتأسيسه وليس تابعا لدولة بعينها.
وأصدر المعهد خلال 35 عاما من مسيرته 1400 مجلد حول إنجازات العلماء العرب والمسلمين بمجالات الطب والصيدلة والفلك والجغرافيا والكيمياء والفيزياء والزراعة والري والهندسة والعمارة والموسيقى.
وصدرت هذه المجلدات بالعربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية.
وأشار البروفيسور سيزكين إلى تلقي معهده طلبات مستمرة ومتزايدة لاقتناء هذه المجلدات من بلدان عديدة تمتد من الصين واليابان إلى الولايات المتحدة.
وتضم مقتنيات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية أصول مئتي مخطوطة عربية نادرة، وأرشيفا يبوب لكل ما صدر باللغة الألمانية عن الإسلام واللغة العربية.
كما يحتوي متحف المعرض على نسخ مطابقة لـ930 اختراعا وأداة ابتكرها العلماء العرب والمسلمون في القرون الأولى التالية للهجرة النبوية في 14 مجالا للمعرفة، وبنت عليها أوروبا نهضتها الحديثة.
ومن بين هذه الاختراعات أسطرلابات وخرائط وساعات وماكينات ورافعات مائية ومئتا أداة طبية ظلت تستعمل بأوروبا حتى وقت قريب ويعود معظمها للطبيب الأندلسي أبي القاسم الزهراوي.
وأوضح البروفيسور سيزكين أن هذه الاختراعات أعيد تصميمها كنسخ مطابقة لنماذجها الأصلية اعتمادا على وصفها بمراجع تاريخية أو باستنساخها من نماذج قليلة متبقية من الأصول.
ولفت إلى أن طلبات استعارة نسخ من هذه الاختراعات العلمية العربية تحولت بمرور الوقت إلى طلبات لتصنيع نسخ أخرى منها لحساب عدد كبير من الجامعات والمتاحف والمراكز البحثية العالمية.
وعرف معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بهذه الاختراعات التي يضمها متحفه وبإصداراته المختلفة في خمسة مجلدات ترجمت لعدد كبير من اللغات، آخرها الصينية.
وكرمت ألمانيا البروفيسور فؤاد سيزكين مرتين بمنحه وسام الاستحقاق من أرفع مستويين، وخلدت تركيا ذكرى عالمها البارز بإقامة متحف باسمه في قصر توب كابي العثماني الشهير، وأطلقت اسمه على عشرين مدرسة وعشرة ميادين.
وأشار سيزكين إلى أن الأهم له من التكريم هو مشاركته في تأسيس معهد لتاريخ العلوم الإسلامية بجامعة إسطنبول يدرس فيه طلاب من دول مختلفة.
ولفت إلى أن إهداءه جزءا من مكتبته الشخصية لهذا المعهد الجديد -الذي حمل اسمه- تسبب له مؤخرا في ألمانيا بمشكلة شديدة تم حلها بالسماح بإرسال كتبه إلى المعهد التركي مقابل تمويل تركيا إصدار نسخ رقمية ستبقى في ألمانيا من هذه الكتب.
وتمنى الباحث الكبير استمرار المعهد الذي أسسه في فرانكفورت بأداء رسالته بعد تقاعده من رئاسته في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
وخلص للتعبير عن أمله بإسهام إنجازاته بتحرير العرب والمسلمين من الدونية وعقدة النقص أمام التفوق الغربي "الذي ليس قدرا محتوما".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!