ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في الخامس من شهر كانون الأول/ ديسمبر من عام 2014 أوردت الصحف الغربية تأكيدات السفير الأمريكي لدى العراق حينها ستيوارت جونز أن الولايات المتحدة توصلت لاتفاق مع الحكومة العراقية بشأن إعطاء القوات الأمريكية الحصانة من الملاحقة القضائية.
ونقلت صحيفة جارديان البريطانية عن جونز قوله، إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أكد على إعطاء الامتيازات والحصانات للقوات الأمريكية المتمركزة في العراق.
وعلى الرغم من إعلان الطرفين انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2008 وتوقيع الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية والتي تقضي بانسحاب القوات الأمريكية من المدن والقرى على أن تنسحب تلك القوات بالكامل في مهلة أقصاها 2011، إلا أن الاحتلال وضع بندا في تلك الاتفاقية تمكنه من البقاء في العراق عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق.
ومع ظهور ما يعرف بتنظيم الدولة، والذي رآه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خطرا يستوجب تدخل القوات الأمريكية، طالب العبادي بتفعيل الاتفاقية مع منح القوات التي توافدت وعناصر شركات الأمن المعروفة باسم (بلاك ووتر) لتنضم للقوات الموجودة، حصانة قضائية تمنع عنها الملاحقة القضائية، على الرغم من التاريخ الأسود لتلك العناصر في العراق بقتل الأبرياء والتلذذ باستهداف المدنيين والذي وثقته مقاطع فيديو، والذي كان سببا في إنهاء خدمات تلك الشركة في العراق ثم خروج القوات الأمريكية منها.
بالأمس أصدر ما يعرف بمجلس النواب في مصر قانونا يحصن قادة القوات المسلحة جاء في مادته الخامسة ما نصه (لا يجوز مباشرة التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي ضد أي من المخاطبين بهذا القانون عن أي فعل ارتكب أثناء تأديتهم لمهامهم أو بسببها وذلك في الفترة من 3 تموز/ يوليو 2013 حتى 8 حزيران/ يونيو 2014، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.)
بالوقوف على نص المادة والتاريخ الوارد فيها يفهم من أول نظرة أن جريمة ما يراد لها ان تدفن، فمشاهد القتل الجماعي واستخدام القنابل والرصاص المحرمان دوليا، واعتقال من بقي على قيد الحياة من مجزرتي رابعة والنهضة وما تبعها من مجازر في رمسيس 1 و2 والحرس الجمهوري و الدقي والمطرية وحلوان والمنصورة والقائد إبراهيم بالإسكندرية والسويس وكرداسة والعريش.
وهي المجازر التي راح ضحيتها آلاف الشهداء و المصابين واعتقل فيها أكثر من ستين ألفا واختفى قسرا الآلاف وقتل خارج إطار القانون المئات، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم لأنها جرائم ضد الإنسانية بحسب تصنيف القانون الدولي الإنساني لها.
وبقراءة أسباب إصدار هذا القانون فللوهلة الأولي ينصرف الذهن إلى تحصين قادة القوات المسلحة، إلا أن ذلك ليس السبب الوحيد، فمحاولة قائد الانقلاب ترضية وتطمين القادة الذين شاركوه الجريمة ضد الشعب المصري، والذين أعفاهم من مناصبهم خلال الفترة الأخيرة، كان حاضرا ليأمن قائد الانقلاب جانبهم ويتقي شرهم، وذلك مع حديث عن حالة تذمر بين صفوف القيادات الوسطى التي لها ولاءات معينة لقادة تم عزلهم.
كما أن تقنين وضع هؤلاء القادة ووضعهم تحت الاستدعاء يجنب قائد الانقلاب الملامة التي واجهها حين ترشح الفريق سامي عنان لرئاسة الجمهورية، وهو ما يعني أن الساحة تجفف في ظل قتل الحياة السياسية واعتقال أو تخويف رموزها.
كما أن هذا التطمين تأتي في ظل حالة الرعب التي تسيطر على هؤلاء الشركاء وعدم الاطمئنان لقائد الانقلاب الذي أعتقل قائد الجيش الثاني الميداني أحمد وصفي وقائد الجيش الثالث أسامة عسكر المقرب للسيسي.
وفي إطار التطمين والترضية فقد تضمن القانون في مادته الثانية، (معاملة كل من لم يشغل من قادة القوات المسلحة منصب وزير أو منصبا أعلى معاملة الوزير، ويتمتع بكافة المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة).
وهو ما يعني ترضية شركاء الجريمة ماليا مدى الحياة بعد تطمينهم على أنفسهم وعلى حريتهم بتحصينهم بالحصانة الدبلوماسية حتى لا يتم ملاحقتهم في الخارج قضائيا.
إلا أن ذلك كله يمكن قراءته على أنه اعتراف صريح بارتكاب تلك المجازر التي روعت مصر وهدمت نسيجها الاجتماعي بعد بث الكراهية بين أبناء طوائفها وفصائلها السياسية وشيطنة فصيل وتأليب جزء من الشعب عليه.
ما أشبه قانون تحصين قادة القوات المسلحة بذلك الذي أصدرته الحكومة العراقية لتحصين قوات الاحتلال ومرتزقة الشركات الأمنية التي ارتكبت مجازر يخجل التاريخ وهو يذكرها، وهو ما يؤكد أن قوة احتلال تحكم مصر وتعرف أن اليوم محتوم، وأن ثورة شعبية لن تبقي ولن تذر ستقتلع أركان حكمهم وستستعيد الوطن المخطوف، ووقتها ستجب الثورة كل تلك القوانين وسيحاكم القتلة خاطفي حلم الشعب بالحرية على جرائمهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس