د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
إن تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية فريضة شرعية وضرورة دينية، والثورات التي تنجح في تحقيق المصالحة الوطنية ستحقق أهدافها وتصل إلى مبتغاها، أما الثورات التي تفشل فإنها ستعجز عن الوصول إلى أهدافها.
والمصالحة الوطنية التي ندعو إليها مستمدة من كتاب الله جل جلاله، والسنة النبوية، والتجربة التاريخية الإسلامية والإنسانية، فهي من أولويات العمل الوطني، وهي مسؤولية كافة أبناء الشعب، وأساسها العدل والانصاف القائم على إعادة الحقوق إلى أصحابها ورد المظالم، وجبر الضرر والاعتراف بحق الضحايا ورد الاعتبار إليهم وتكريس الإحساس بالمواطنة تحقيقًا للسلم والأمن الأهليين.
إن المصالحة الوطنية بين أبناء الشعب الليبي بعد نجاح ثورته الوطنية، ضرورة دينية، وإنسانية، وحضارية، واقتصادية، واجتماعية، وسياسية، ونفسية، وعقلانية، لا يستغنى عنها ليبي ولا ليبية من أجل تأكيد التلاحم بين أبناء الشعب، وترسيخ قواعد الوحدة الوطنية، وإشاعة أجواء المحبة والانسجام بين مكوناته المختلفة. ولمعالجة الآثار التي تركها النظام الديكتاتوري الاستبدادي، وظروف حرب التحرير من الظلم والجور والانتقام، فيجب على أبناء هذا الشعب شيبًا وشبابًا رجالًا ونساء السعي الحثيث والعمل المتواصل الدؤوب للوصول إلى الأهداف والمقاصد السامية والقيم الإنسانية الرفيعة التي خرجت من أجلها الشعوب.
يريد الشعب الليبي اليوم بعد ثورته بسبع سنوات الخروج من نفق الظلم ويلملم جراحه، ويبني مستقبله ويعمر بلاده دار دار، شارع شارع، زنقة زنقة، مدينة مدينة وقرية قرية. ويريد أن يحافظ على الحريات العامة وذلك بمراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، والمواثيق والمعاهدات الدولية للحقوق والحريات، والقيم والعادات والتقاليد الليبية الأصيلة.
ويتطلع إلى تحقيق طموحاته في الحرية والتنمية والعدالة والشورى، وأن يتأسس اقتصاد حر مستدام قادر على الاندماج في الاقتصاد العالمي، ومتنوع وتنافسي كفيل بأن يلبي احتياجات المواطن الليبي الآنية، والمستقبلية، وتأمين فرص أفضل للجميع ومستوى معيشي مرتفع، مع تقريب الفوارق بين الطبقات. وأن يرى مؤسسة قضائية مستقلة تكون بمثابة صمام الأمان للمجتمع الليبي بكافة مؤسساته وأفراده؛ وضمانة جوهرية لاستقراره وحفظ حقوق أفراده. وهذا لا يمكن بدون عدالة ومصالحة وطنية لتجاوز مرحلة الحرب والآثار التي تركتها.
فالله عز وجل قال في محكم كتابه: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الحجرات). وقال تعالى: " وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" (النساء،).
وقد كان للملتقى الأول لمجالس الحكماء والشورى بليبيا (من أجل المصالحة الوطنية) في الزاوية جهود مشكورة وبيان ختامي جميل أصدر فيه المجتمعون من العلماء والحكماء مجموعة من التوصيات، من أهمها:
التأكيد على أن الشريعة الإسلامية هي القاعدة الأساسية لأي مصالحة وطنية.
التعجيل بإصدار قانون العدالة الانتقالية وبما يحفظ حقوق الليبيين وتفعيل الأجهزة الأمنية والضبطية والدوائر الجنائية بالمحاكم والتعجيل بإحالة المحتجزين والمتحفظ عليهم إلى القضاء.
ضرورة تقديم كل من سفك دماء الليبيين أو انتهك أعراضهم أو اختلس أموالهم أو شارك أو حرض على ارتكاب هذه الجرائم ضدهم إلى المحاكم.
إنشاء صندوق مالي تموله الدولة لتعويض المتضررين من اعتداءات قوات وأعوان الطاغية، ويشمل التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية.
العمل على خلق البيئة المناسبة والظروف الموضوعية الملائمة لتحقيق السلم والأمن الاهليين، وذلك بالإسراع بتأسيس الجيش والأمن الوطنيين وتنظيم حمل السلاح، واستيعاب الثوار فيها وفقاً لرغباتهم وتأهلهم مهنياً، وخلق فرص عمل مناسبة لهم لإدماجهم في المجتمع الجديد الذي ثاروا من أجله.
العمل على وضع ميثاق شرف لوسائل الاعلام بحيث تلتزم هذه الوسائل بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية والابتعاد عن كل ما من شأنه اثارة النعرات القبلية أو الجهوية أو العرقية أو المذهبية.
إعادة النظر ومراجعة السياسة التربوية، والمناهج التعليمية بحيث ترسخ روح الوحدة الوطنية وتسهم في نشر ثقافة التسامح والسلم الاجتماعيين ونبذ العنف وتأكيد ثقافة الحوار بين الأفراد والجماعات وزرع روح المصالحة في أوساط الشباب.
عدم اللجوء إلى ممارسات العقاب الجماعي، كالتهجير وحرق المساكن والحرمان من الخدمات العامة.
وهذه الخلاصات والتوصيات مهمة، وتحتاج لتحقيقها ثقافة واسعة في مفهوم العدالة والمصالحة، وتسعفنا التجربة النبوية في فتح مكة، عندما تمكن من أعداء الدعوة الاسلامية والذين اعترضوا على الوحدانية، وكذبوا باليوم الآخر، واعترضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته، واعتبروا القرآن الكريم ضرباً من الشعر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس