مروة شبنم أوروتش - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أجبر الرئيس السوداني، عمر البشير، على التنحي عن السلطة الشهر الماضي في انقلاب عسكري بعد ثلاثة عقود من رئاسته. اعتقل البشير إلى جانب العشرات من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم رئيس الوزراء ورئيس حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. وأعلن الجيش تعليق العمل بالدستور وحل الحكومة والبرلمان، وإجراء انتخابات بعد فترة انتقالية مدتها عامان.
جاءت الإطاحة بالبشير بعد أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، اعتقل خلالها كثير من المتظاهرين. والسؤال هل المتظاهرون سعداء بالحكومة العسكرية؟ بالطبع لا. تسببت المشكلات الاقتصادية في خروج ملايين السودانيين إلى الشوارع، ويطالب تجمع المهنيين السودانيين، وهي مجموعة من الأطباء والعاملين الصحيين والمحامين قادت المظاهرات ضد البشير بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني.
تصف بعض الدول ومن بينها روسيا الإطاحة بالبشير بأنه انقلاب عسكري غير دستوري، ولكن لا يمكن مقارنة رئاسة البشير التي استمرت 30 عامًا بالفترة الرئاسية القصيرة لمحمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، وإن كانت هناك بعض القواسم المشتركة بين الانقلابيين. يذكرني تجمع المهنيين السودانيين بحركة تمرد في مصر التي قادت حركة الاحتجاجات المناهضة لمرسي في منتصف عام 2013، وسرعان ما حظيت بشعبية كبيرة في عيون وسائل الإعلام الدولية ودعت الجيش إلى الإطاحة بمرسي والحكومة. وبعد الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي لمصر عبد الفتاح السيسي، علمنا أن الإمارات العربية المتحدة قدمت أموالًا لوزارة الدفاع المصرية لإثارة حملة الاحتجاج على مرسي. وعلى ذلك كانت قيادة تمرد تعتمد على حساب مصرفي يديره جنرالات مصر وتموله الإمارات. وعندما بدأت الطغمة العسكرية بقيادة السيسي في تشويه سمعة تمرد وتهديدها بعد الانقلاب، اعترف بعض مؤسسي المجموعة الذين تمكنوا من الفرار من البلاد، أنهم كانوا يتلقون أوامر من الجيش.
لا ندري كيف سيكون رد فعل الجيش الذي ما زال يتظاهر وكأن الجيش يقف جنبًا إلى جنب مع المحتجين مع استمرار الاعتصامات الرافضة لفترة انتقالية مدتها عامان، وحالة الطوارئ، وحظر التجول، وغيرها من الإجراءات. هذا السؤال مهم للغاية لأن المحادثات بين تجمع المهنيين والجيش تزداد توترًا كل يوم. وهدد المتظاهرون أخيرا ببدء حملة عصيان مدني على مستوى البلاد كرد فعل لرفض الجيش لمقترحاتهم بشأن حكم مدني عاجل. يعتقد المتظاهرون أن الجيش لديه أفكار أخرى، وهذا هو السبب في تأخيره للانتقال إلى حكومة مدنية. ومن ناحية أخرى، لا يزال أنصار عمر البشير، الذين لم يُطلب منهم رأي مطلقًا، يراقبون ما يجري. فهل سيهدأ السودان أم أن الصراع قد بدأ للتو؟
موقف القاهرة
هناك أيضًا دلائل على أن بعض الدول العربية كان لها يد في الإطاحة بالبشير، وقد أصبح هذا أكثر وضوحًا في الأيام القليلة الماضية. ووفقًا لبعض المصادر، كانت مصر أول دولة توجه مطالب إلى المجلس العسكري الانتقالي في السودان، حيث طلبت القاهرة من المجلس العسكري تسليم قيادة جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها القيادة المصرية الانقلابية جماعة إرهابية منذ الانقلاب على مرسي. وتقول المصادر إن القاهرة قدمت إلى الخرطوم قائمة بأكثر من 400 شخص من بينهم قادة وبرلمانيون سابقون ورجال أعمال لديهم استثمارات في السودان. وبالإضافة إلى ملف الإخوان المسلمين طالبت القاهرة الخرطوم بعدم إثار النزاع الحدودي بين الجانبين على مثلث حلايب.
كان المطلب الأكثر إثارة من جانب القاهرة تعليق اتفاقية سواكن الموقعة مع أنقرة في عام 2017. وجزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان هي أقرب ميناء سوداني إلى ميناء جدة السعودي. وبموجب الاتفاقية تعمل تركيا على إعادة تأهيل وإدارة مدينة الميناء. وتتعلق تلك الاتفاقية بجهود الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنمية (TİKA) لتجديد المباني التاريخية التي يعود تاريخها إلى الإمبراطورية العثمانية، وتهدف إلى تحويل الجزيرة إلى مركز سياحي رئيسي وخاصة للحجاج المتوجهين إلى الحج. وقد بدأت تيكا أعمال الترميم في كانون الثاني/ يناير 2018. وفي الوقت نفسه، وقعت السودان وقطر أيضًا اتفاقية بقيمة 4 مليارات دولار لتطوير الميناء الموجود في المدينة.
عندما وقعت الاتفاقية، أثارت بالفعل مخاوف في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، حول مزاعم بأن تركيا تسعى لتوسيع وجودها العسكري في أفريقيا وفي الخليج والبحر الأحمر. وزعمت تقارير كثيرة بأن تركيا ستقوم ببناء قاعدة عسكرية ومنشآت بحرية في سواكن، بحيث تكون المركز الثالث للوجود العسكري التركي بعد قطر التي يتمركز فيها نحو 120 جنديًا تركيًا، ومقديشو الصومالية التي تضيف قاعدة تركية تضم 200 جندي يدربون قوات الحكومة الصومالية. وقد رفضت أنقرة والخرطوم مرارًا الادعاءات بأن أنقرة تخطط لعمليات نشر عسكرية على سواكن.
لكن القاهرة ما تزال تروج لتلك المزاعم. وتقول المصادر إن القاهرة وعدت بتقديم دعم سياسي واقتصادي وأمني غير محدود للمجلس العسكري في السودان وستساعد الجيش على الاحتفاظ بالسلطة، في مقابل تنفيذ المطالب المصرية السابقة والتي طلبتها بوضوح الإمارات والمملكة العربية السعودية.
بروباغاندا الإمارات
نشر موقع "أحوال نيوز" الذي تموله الإمارات ويديره أعضاء من مجموعة فتح الله غولن الإرهابية "فيتو" أخيرا ثلاثة مقالات في أقل من شهر عن السودان وجزيرة سواكن وتركيا.
تتناول هذه المقالات المكتوبة بأسماء مختلفة التركيز حول نفس النقاط: أن تركيا فتحت بالفعل قاعدة عسكرية في الصومال وقاعدة مماثلة في قطر، وتزعم أن تركيا زادت من وجودها العسكري في سواكن السودانية بهدف استعادة مجد الإمبراطورية العثمانية وأنها تهدد منطقة البحر الأحمر وخليج عدن التي تشكل أولوية أمنية لمصر والسعودية وإسرائيل. وتتهم هذه المقالات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان باستخدام السودان للضغط على السعودية ومصر. ويدعي محررو هذه المقالات أن تركيا يجب أن تكون مستعدة لمواجهة النكسات بعد الإطاحة بالبشير.
عندما سُئل أردوغان عن السودان فور إقصاء البشير واعتقاله، قال: "لست سياسيًا وصل إلى السلطة بانقلاب. منذ أن كنت رئيسا للبلدية وحتى الآن أصل إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، وفي أثناء مواصلة هذه الرحلة مع صندوق الاقتراع، تعاملت مع محاولة انقلاب". كما عبر أردوغان عن أمله في أن يتمكن السودان من التغلب على الاضطرابات بسلام من خلال "الإجماع الوطني"، وحث على إجراء عملية ديمقراطية طبيعية، وكرر تنديده واستهجانه للاستيلاء على السلطة بصورة غير ديمقراطية. ومع ذلك، ادعى المؤيديون لديكتاتور سوريا بشار الأسد وكذلك موقع المونيتور في مقال أخير أن أردوغان قال "إن الانقلاب السوداني استهدف تركيا بالفعل".
لقد رأينا بعض المقالات والتقارير الإخبارية الأخرى على عدة بوابات إخبارية مناهضة لأردوغان تزعم أن المجلس العسكري الانتقالي السوداني قد يعكس سياسات السودان مع تركيا. لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أكسوي قال في نهاية نيسان/ أبريل إن التقارير التي تزعم إلغاء الاتفاق بين تركيا والسودان لإعادة إعمار وترميم جزيرة سواكن التاريخية على ساحل البحر الأحمر لا تعكس الحقيقة.
وكما هو معروف، فإن الرياض والقاهرة وأبو ظبي على خلاف مع أنقرة بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية مثل الحصار المشترك لقطر، وسياسة تلك الدول الأخيرة الداعمة لتنظيم "ي ب ك"، الفرع السوري لتنظيم "بي كي كي"، ودعمها لخليفة حفتر ضد الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا والمدعومة من قبل الأمم المتحدة. كانت تركيا أول من أدان الانقلاب العسكري المصري في عام 2013. وقد توترت العلاقات مع المملكة العربية السعودية بشكل خاص بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية في قنصلية المملكة في إسطنبول في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018. وتنتقد تركيا بشكل علني دور الإمارات في الصراعات في المنطقة، وفي الآونة الأخيرة اعتقل جاسوسان يعملان لصالح الإمارات في إسطنبول.
منذ نجاح الإطاحة بعمر البشير، تضغط مصر التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، على الاتحاد لعدم تعليق عضوية السودان. وقدمت الإمارات والسعودية مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الجيش. وعلاوة على ذلك استضافت دولة الإمارات مجموعات من الجيش والمعارضة السودانية لإجراء محادثات حول مستقبل البلاد.
بعد كل هذا نسأل مرة أخرى: هل ما حدث في السودان كان انتفاضة مدنية أم انقلابا عسكريا قامت به الإمارات ومصر والسعودية واستخدم المدنيون الذين سئموا الوضع الاقتصادي في السودان كأداة؟ هل كان الأمر يتعلق بحكم عمر البشير الذي دام 30 عامًا، أم أن الثلاثي استغل السودانيين لإعاقة تركيا وقطر؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس