أوزجان تيكيت - خبر ترك - ترجمة وتحرير ترك برس
صادفت صورة منشورة على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، كانت عبارة عن صورة قديمة لطلبة في كلية الحقوق التابعة لجامعة دجلة، وقد صُوّرت في السكن الحكومي الكائن في محافظة ديار بكر، مجموعة من الطلبة متحلقين حول طاولة موجودة بين أسرّتهم.
الدفاتر والكتب مفتوحة ومبعثرة على الطاولة، وكما يتضح من الصورة فكأنهم أخذوا استراحة من أجل التقاط هذه الصورة قبل العودة إلى الدراسة للتحضير إلى امتحان ما.
أنا لست خريج حقوق، ولكنني أعلم جيدا أنّ دراسة الحقوق ليست بالأمر السهل، فالحقوق هي طب العلوم الإنسانية، فأنْ تدرس الحقوق، يعني أنْ تبقى بين صفحات الكتب تقلبها منذ اليوم الأول لدخولك الجامعة وحتى التخرج منها، ولو كان الأمر ينتهي هنا لما كانت معضلة كبيرة.
نحن نتحدث عن الحقوق، فالصعوبات لا تنتهي بمجرد التخرج، لأنك مهما كنت بعد ذلك، سواء محامي أو قاضي أو مدع عام، ستواجهك صعوبات جمة خاصة بكل تخصص منهن، فقد تنتهي الدراسة في الكلية، لكنك ستبقى طالبا طوال حياتك.
لقد تجاوز محمد سليم كيراز كل تلك الصعوبات، فهذا المدعي العام، كان يعمل خياطا أثناء دراسته للثانوية حتى يستطيع تحمل تكاليف دراسته، كان يدرس ويعمل، ودرس الحقوق، وصعد السلم برغم كل الصعوبات حتى وصل إلى دار العدل في إسطنبول، الذي كان فيه أمس تحت تهديد السلاح.
هو كان أحد الأبناء المخلصين لهذه الجمهورية، فكانت مهمته منع الظلم، وإيصال الحقوق لأهلها، وقطع الطريق على المتجاوزين المعتدين، دون أنْ يرمش له جفن، واصل عمله واستمر به حتى استشهد.
كان ملف مقتل الفتى بركين إلوان بقنبلة غاز أثناء أحداث "غيزي بارك"، أمانة عند هذا النائب العام، كان يقوم بمهمته، فكان يبحث ويستجوب ليحصل على كل المعلومات المتعلقة بمقتل إلوان، لذلك جاء ملثمان واقتحموا مكتبه وأخذوه رهينة، لأنهم لم يريدوا أنْ يصل هذا النائب العام إلى المتسبب الحقيقي بمقتل بركين، الذين أرسلوه إلى تلك الأحداث.
ربما كان محمد سليم كيراز يبحث آخر التطورات في ملف دعوة بركين إلوان، أثناء اقتحام الإرهابيين لغرفته بالسلاح، أو لربما كان يُتابع أخبار انقطاع التيار الكهربائي الغريب كما كنا نحن نتابع أخباره.
من المؤكد أنه لم يكن يتوقع على الإطلاق أنْ يصبح هو بعد قليل، حدثا سينسي كل الشعب التركي قضية انقطاع التيار الكهربائي، فما لم يتوقعه حصل له، وكان بدون حماية، بدون سلاح، أخذوه رهينة أولا، ثم أردوه شهيدا.
النائب كيراز وأثناء عمله على نشر العدالة، نال الشهادة في غرفته وهو على رأس عمله، ليترك خلفه عائلة ستعيش آلام فقدانه مدى الحياة.
بعد هذه الحادثة الأليمة، كان من المتوقع أنْ يحصل الشيء المعتاد كما يحدث في كل دول العالم، وهو اصطفاف كل الشعب وكل المسئولين وكل الأحزاب جنبا إلى جنب لتتشارك أحزان وآلام الحدث، وإيجاد هذا الشعور العام يقع على عاتق المسئولين السياسيين من خلال الرسائل التي سيقولونها تعليقا على هذا الحدث، فالدولة عليها أنْ تجيب على هذه الحادثة من خلال تعزيز الوحدة والاتحاد في وجه تلك الجريمة الوحشية.
أما بعض التصريحات، وبعض المسئولين الذين يريدون استغلال مثل هذه الأحداث لنشر الاستقطاب والخلافات بين أطياف الشعب، فعلينا إهمالهم، وعليهم أنْ يدركوا أنّهم لا يتحدثون لا بالزمان ولا بالمكان المناسب!
على هؤلاء المسئولين أنْ يختاروا كلماتهم بعناية، فالوضع لا يُحتمل، وألم الحدث لا ينطفئ إلا بكلمات مختارة بعناية، أما نشر الاتهامات، ونشر الادعاءات دون أدلة ولا براهين، ومحاولة استثمار الحدث لتحقيق أهداف سياسية، هي قمة النذالة والحقارة.
للأسف كان يوم 31 آذار/ مارس 2015 يوما لم تكن تركيا فيه كتركيا التي نعرفها، فعند قراءة تعليقات ساخنة واتهام ورد للاتهام أثناء حدث مقتل نائب عام، لمع فورا في ذهني "أنّ هدف القائمين على هذا الحدث هو نشر حالة من الاستقطاب في المجتمع"، وربما نجحوا في ذلك ولو جزئيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس