صالحة علام - الجزيرة مباشر
جاءت نتائج اجتماع أستانا 20 الذي انعقد مؤخرًا في العاصمة الكازاخستانية لتؤكد أن الدول الأربع الرئيسة المشاركة فيه (تركيا، وروسيا، وإيران، وسوريا) قد سعت من خلاله إلى تحقيق هدفين سيكون لهما تداعياتهما المؤثرة على الأوضاع الإقليمية والدولية خلال المرحلة المقبلة، وذلك من خلال اصطياد عصفورين بحجر واحد.
أولهما وأكثرهما أهمية حاليًا، ينصب حول إرضاء أنقرة، من خلال تلبية جميع مطالبها التي تريدها من بشار الأسد، لحثها على اتخاذ خطوات أكثر جدية وتأثيرًا في طريق عودة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري.
وثانيهما التأكيد أن الجبهة الموحدة التي تضمهم جميعًا ستواصل جهودها من أجل الوقوف في وجه الأطماع الأمريكية كافة لنهب ثروات الشعب السوري، والتصدي لسيناريوهات واشنطن الرامية إلى تفتيت الأراضي السورية، لإنشاء منطقة حكم ذاتي مستقل للجماعات الانفصالية المسلحة في الشمال الشرقي للبلاد بعيدًا عن السيادة المركزية للدولة السورية.
إذ حمل البيان الختامي للاجتماع الذي استمر على مدى يومين الكثير من البنود التي تم التوافق بشأنها بين الدول الأربع، وهي الشروط نفسها التي طالما وضعها المسؤولون الأتراك كمطالب أساسية لا بد من تنفيذها قبل الحديث عن المصالحة مع نظام الرئيس بشار الأسد.
حيث شدد المجتمعون على ضرورة قيام النظام السوري بتهيئة المناخ المناسب الذي يضمن للاجئين عودة آمنة إلى ديارهم ومناطقهم، مع مشاركة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمراحل إتمام هذه العملية، وتحت رعايتها الكاملة.
وإصرارهم على استمرار التعاون المشترك فيما بينهم في مجال مكافحة الإرهاب، والتصدي بكل حزم للأجندات الانفصالية الرامية إلى تقسيم الأراضي السورية، وتهديد وحدة أراضيها، والعبث بأمنها القومي، وهو ما ينعكس سلبًا على استقرار الدول المجاورة لها ويهدد أمنها القومي.
مؤكدين التزامهم جميعًا بضمان وحدة الأراضي السورية والحفاظ على استقلالها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، معربين عن رفضهم التام للمحاولات الهادفة إلى خلق واقع جغرافي جديد على الأرض، والمتمثل في السعي لإقامة منطقة حكم ذاتي بحجة مكافحة الإرهاب.
مشيدين بعمل اللجنة الدستورية التي تقوم حاليًا بإعداد دستور جديد للبلاد، التي تشكلت تنفيذًا لقرارات الحوار الوطني السوري بمساعدة الدول الضامنة، لما لعملها من تداعيات إيجابية في طريق دفع التسوية السياسية في البلاد لإنهاء هذه الأزمة، مع تأكيدهم أن حل الأزمة السورية لن يكون عسكريًا، بل سيكون حلًا سياسيًا طويل المدى، بدعم مطلق من الأمم المتحدة، ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
معلنين عن رفضهم جميعًا لعمليات السرقة والنهب التي تتم لعائدات النفط السوري، وهي العمليات التي تقوم بها العناصر الانفصالية، معربين عن إدانتهم للدعم الذي تتلقاه هذه المجموعات من جانب بعض الدول التي لم يسموها.
ويبدو أن مسألة عودة العلاقات التركية السورية لا تمثل أهمية كبرى للدولتين المعنيتين بها بصورة مباشرة، لكنها تصب كذلك في صالح تحقيق أهداف محددة لكل من روسيا وإيران أيضًا.
فعلى صعيد النظام السوري، ستمكنه عودة العلاقات مع أنقرة من استعادة جزء مهم من قوته، باعتبار أن هذه العودة تُعد اعترافًا رسميًا من أنقرة بشرعيته كنظام حاكم، وبنجاحه في تحقيق توافق إقليمي في استمراره على رأس السلطة في البلاد، خاصة بعد استعادته لمقعده في الجامعة العربية مؤخرًا، إلى جانب ضمان انسحاب القوات التركية من أراضيه، التي يعدها قوات احتلال.
وهو التطور الذي سيخصم دون شك من رصيد قوى المعارضة السورية، مهما حاول البعض نفي هذا الأمر، إذ أنها ستفقد بهذه الخطوة أحد أكبر داعميها وأهمهم في المنطقة، حتى ولو جزئيًا، مما سيجبرها على مراجعة مواقفها، وتغيير خططها، والدخول رغمًا عنها في مرحلة من التنازلات لضمان استمرار وجودها على طاولة المفاوضات كلاعب أساس يمثل شريحة مهمة من الشعب السوري، يجب أن يكون له وجود ودور فاعل في المراحل المقبلة.
وبالنسبة لتركيا، فإن لديها هدفين تسعى لتحقيقهما من وراء موافقتها على إعادة علاقاتها مع النظام في دمشق، أولهما إعادة اللاجئين السوريين إلى أماكنهم، واستعادة أملاكهم وحقوقهم كافة، مع ضمان عدم تعرضهم للاعتقال أو التحقيق من جانب السلطات السورية، حتى لا تُتهم من أي فصيل بأنها تخلت عنهم، أو دفعتهم دفعًا لعودة غير آمنة ولا مضمونة العواقب، والارتماء في أحضان نظام سبق لهم الهروب من مذابحه.
وثانيهما ضمان الوحدة الترابية للأراضي السورية، وفرض دمشق كامل سيطرتها على المناطق جميعها بما في ذلك أماكن تجمع العناصر الانفصالية المسلحة، والمدعومة من جانب واشنطن، التي ترغب في إقامة منطقة حكم ذاتي لهم في الشمال الشرقي للبلاد.
إلى جانب التأكد من قدرة النظام السوري على تأمين الحدود المشتركة بين البلدين، التي يبلغ طولها 900 كيلومتر مربع، وتنظيفها تمامًا من العناصر المسلحة التابعة لوحدات حماية الشعب، وحليفه حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي سيمكنها من سحب قواتها وإعادتهم إلى أراضيهم.
وذلك بهدف إغلاق هذا الملف الذي تسبب لها في صداع مزمن طوال الفترة الماضية من جانب أحزاب المعارضة خصوصًا خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، وهو ما تحاول الحكومة تلافيه الآن قبل بدء الاستعدادات للانتخابات المحلية المقررة الخريف المقبل لقطع الطريق على المعارضة، ومنعها من استخدامه ضدها مجددًا.
أما أهداف كل من إيران وروسيا، فتبدو في رغبتهما الخاصة بإعادة النظام السوري إلى المجتمع الدولي، كنظام معترف به عربيًا وإقليميًا، وتقوية جبهتهما بوجود تركي فاعل لمواجهة أطماع الولايات المتحدة الأمريكية في الثروات البترولية السورية، والتصدي لخططها الرامية إلى تقسيم البلاد، للوفاء بوعدها الذي قطعته على نفسها للعناصر الانفصالية المسلحة بإقامة منطقة حكم ذاتي لهم بعيدًا عن سيطرة الإدارة المركزية في دمشق، وذلك في مقابل دعمهم لها ومحاربتهم لتنظيم الدولة، والقضاء عليه، ومنعه من التمدد في المنطقة.
إلى جانب ضمان مواقف أنقرة السياسية، ودعمها للبلدين في الملفات الخلافية مع الولايات المتحدة الأمريكية، سواء ما يرتبط منها بالملفات السياسية، أو العسكرية، أو الاقتصادية.
وهذا في إطار المخطط الروسي الرامي إلى تشكيل تحالف دولي جديد لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي من المتوقع أن يضم إلى جانب الدول الثلاث كلًا من الصين وكوريا الشمالية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس