حسين عبد العزيز - عربي21
لا يهدف هذا المقال إلى إجراء تحليل عسكري وسياسي لما يجري في غزة، فالحدث على ضخامته ـ سواء العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستخدم سياسة الأرض المحروقة، أو غزوة غلاف غزة في السابع من أكتوبر الحالي ـ لا يسمح بالتحليل، إذ يصبح هنا بمنزلة ترف فكري لا يتحمله الواقع ولا المشاعر الإنسانية للعرب، أو لمن بقي من العرب ممن بقيت قضية فلسطين وشعبها في عقولهم ووجدانهم، أو لأن عملية التحليل السياسي لا تفيد وضعا كهذا، في ظل صمت ضعف عربي لا يسمح بممارسة ضغوط سياسية أو اقتصادية على المجتمع الدولي، تفسح المجال للعمل الدبلوماسي ومن ثم التحليل السياسي.
لا مكان هنا للحديث عن تحميل حركة "حماس" مسؤولية الرد الإسرائيلي العسكري الغاشم المغاير تماما لما سبقه من اعتداءات إسرائيلية على غزة، لأن من يتحدث في هذا المنطق يتناسى واقع الشعب المحتل، وأن أدوات هذا الشعب تختلف تماما عن أدوات من يعيش في الخارج ولا يعاني من الحصار والاحتلال، كما يتناسى أن التاريخ والتجارب العديدة أثبتت أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة.
لا يُفهم من ذلك الدفاع عن عملية "طوفان الأقصى" ولا إدانتها، وإن كنت أميل منذ سنوات إلى أن أدوات الصراع في زمننا المعاصر هي أدوات سلمية كونها أكثر تأثيرا على المستوى الدولي، لكن الحالة الفلسطينية حالة خاصة، لأنها تتمثل في وجود نظام عنصري هو الوحيد الباقي في العالم، ويحظى بدعم دولي في ظل تشتت الإجماع الفلسطيني على مشروع وطني للتحرر، وبهذا المعنى، فإن أي هجوم عسكري فلسطيني على الاحتلال هو فعل مقاوم للاحتلال.
لا مكان أيضا للحديث عن قتل وأسر مدنيين إسرائيليين، ليس لأن هذا خطأ، بل لأن العملية ذاتها "طوفان الأقصى" حدثت بشكل مغاير تماما لما كانت تتوقعه "حماس" التي تفاجأت بحالة الاسترخاء العسكري الإسرائيلي ووجدت نفسها أمام غنيمة كبيرة لا تستطيع تجاهلها، وأمام هذا الواقع المفاجئ والمغري، حدث نوع من الفوضى، خصوصا بعد دخول فصائل أخرى وأشخاص أفراد إلى المستوطنات المحيطة بغزة.
يكتفي هذا المقال بإبداء بعض الملاحظات:
1 ـ لم يحدث أن تعرض الاحتلال الإسرائيلي لهجوم مدوي منذ يوم كيبور عام 1973، مع الفارق أن حرب أكتوبر عام 1973 نفذها جيشان نظاميان، في حين أن عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر نفذها أفراد بأسلحة خفيفة.
وقد جانب وزير الخارجية الأمريكي الصواب حين قال إن إسرائيل تشهد أسوأ هجوم منذ عام 1973، فقد بلغ عدد قتلى إسرائيل في حرب أكتوبر 2838 قتيلا و 8800 جريحا، في حين تجاوز أعداد قتلى "طوفان الأقصى" 1500 قتيلا والإصابات إلى نحو 3000.
لقد أحيت حركة "حماس" مكامن القوة المضمرة في العالم العربي، ووجهت رسائل للعرب أولا قبل غيرهم، بأنهم قادرون على إحداث الفرق.
2 ـ ربما يكون للتواريخ دلالة، فحرب عام 1973 بدأت في 6 أكتوبر، في حين جاءت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، أي بفارق يوم كدلالة تاريخية على أن هذه العملية، بوزنها وقيمتها العسكرية والاستراتيجية هي استكمال بشكل أو بآخر لحرب أكتوبر عام 1973.
وبهذا المعنى، فإن 7 من أكتوبر شكل تاريخا مفصليا له ما بعده كما كان الأمر في 6 أكتوبر عام 1973، بما يغير تماما من قواعد الاشتباك.
3 ـ على أن أهم ما في الأمر، أن الشعب الفلسطيني أثبت أنه شعب حي قادر على اجتراح خطوات فارقة في ظل إمكانيات ضعيفة للغاية مقارنة بما يمتلكه العدو الإسرائيلي.
وربما، وهذا ما يتمناه كل عربي، أن تؤدي عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، والعمل على بناء مشروع وطني موحد لمواجهة الاحتلال، ومن دون هذا المشروع الوطني، لن يُثمر سلوك السلاطة في الضفة ولا عمليات المقاومة في غزة إلى حدوث تحول استراتيجي في منظومة الصراع.
4 ـ يخشى أن يؤدي العدوان الإسرائيلي هذه المرة على غزة إلى تغيير قواعد الاشتباك لصالح الاحتلال، كما حدث في حرب تموز عام 2006 بين الاحتلال الإسرائيلي و "حزب الله"، إذ أدت الحرب إلى صدور القرار الدولي 1701، الذي كبل الحزب، وجعل أي تخطي للخط الأزرق كتخط للقانون الدولي يجب الرد عليه أمميا، كما منح القرار الدولي 1701 إسرائيل بضرب أي قوافل أسلحة تأتي إلى الحزب.
ومن هنا نفهم المعضلة التي يواجهها "حزب الله" الآن، فمن جهة يجد نفسه محرجا أمام قواعده طالما أن سرديته الأيديولوجية قائمة على دعم فلسطين ومواجهة الاحتلال، ولن تأتيه فرصة تاريخية مثل هذه الفرصة للوقوف إلى جانب غزة، لكن بالمقابل، قيد القرار الدولي 1701 الحزب الذي يخشى أيضا أن يتوسع العدوان الإسرائيلي ويدمر أجزاء واسعة من لبنان أكثر بكثير من تم تدميره عام 2006.
وبهذا المعنى، ستجد المقاومة في غزة بعد انتهاء العدوان واقعا عربيا رافضا لمثل عملية "طوفان الأقصى"، كما ستجد استعدادا دوليا سريعا للرد عليها إن قامت بتكرار العملية.
ووفقا لذلك، يُخشى أن مرحلة ما بعد العدوان ستكون مرحلة ستاتيكو عسكري، وإن كان ليس معلوما ما إذا كانت العملية والعدوان الإسرائيلي سيعيدان فتح القنوات الدبلوماسية للحل السياسي.
كشف العدوان الإسرائيلي المستمر حالة الترهل والضعف العربيين، وما الرفض العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص لفكرة تهجير أهالي غزة إلا لأسباب متعلقة بمصر والبلدان العربية، وليست متعلقة بالشعب الفلسطيني، وقد عبر الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي عن ذلك حين قال إن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء سيعني فتح جبهة مقاومة في الأراضي المصرية، واقترح على إسرائيل تهجير الفلسطينيين إلى النقب، وهذا يعني أن فكرة التهجير من غزة لا تواجه اعتراضا من القاهرة على مستوى المبدأ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس