ترك برس
بدأت تركيا تتلقى في الآونة الأخيرة رسائل إيجابية من الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص العلاقات الثنائية لاسيما على الصعيد العسكري بعد موافقة أنقرة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي مقال لها حول العلاقات التركية-الأميركية، أشارت الباحثة في الشؤون التركية صالحة علام، إلى أن تصريحات ومواقف واشنطن حملت رسائل إيجابية تشير في مجملها إلى أن مرحلة الخلافات مع أنقرة قد طُويت صفحاتها أو كادت، وأن المرحلة المقبلة ربما تشهد المزيد من التقارب بين الحليفَين في العديد من الملفات الخلافية بينهما، والتي أدّت إلى تراجع علاقتهما إلى أدنى مستوى لها منذ عقود.
ورأت علام - في مقالها بموقع الجزيرة نت - أن المكاسب التي حصلت عليها تركيا من موافقتها على قبول عضوية السويد في حلف الناتو، تتخطّى في مجموعها زيادة تقاربها مع دول الاتحاد الأوروبي، وإثبات ولائها للحلف، بعد أن حقّقت رغبة دوله في تشكيل جبهة موسعة ضد موسكو؛ تحسبًا لما يمكن أن تسفر عنه الحرب الروسية – الأوكرانية من نتائج، رغم العلاقات الحميمة والمصالح المشتركة التي تربطها مع جارتها روسيا.
وأشارت إلى نجاح تركيا في إجبار السويد على تعديل دستورها، وإقرار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وإلغاء الجنسيات الممنوحة لعدد من عناصر حزب العمال الكردستاني المطلوبين لدى القضاء التركي، ومصادرة أموال بعضهم من المصارف السويدية، والحد من نشاطاتهم العدائية ضد الدولة التركية ورموزها السياسية.
هذا إلى جانب قيامها برفع الحظر عن تصدير الأسلحة لتركيا، ومن بعدها اتخذت هولندا الموقف نفسه، ولحقت بهما مؤخرًا كندا، التي أعلنت عن إلغاء كافة القيود التي كانت تعرقل عمليات بيع الأسلحة الكندية لتركيا منذ عام 2020. وفق الكاتبة.
وتشير علام إلى أن تخطي السويد عقبة تركيا أمام عضويتها في الناتو، جاء في إطار المقايضة التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا، مقابل إتمام صفقة بيعها 40 طائرة من طائرات "إف- 16" المحدثة بقيمة 23 مليار دولار، إلى جانب الحصول على حوالي 80 مجموعة من قطع الغيار لتحديث قدرات سلاحها الجوي بقيمة 20 مليار دولار.
حيث أعلن البيت الأبيض عن قيامه بإبلاغ الكونغرس، رسميًا، بعزمه المضي قدمًا في طريق إتمام صفقة بيع طائرات حربية من طراز "إف- 16" المحدثة لتركيا، عقب تصديق الرئيس التركي على مذكرة البرلمان مباشرة، وكأنه بهذا الإعلان يفي بالتزامه بجزئه الخاص من هذه المقايضة، وبوعده الذي قطعه لإتمامها.
ورغم هذا، فإنّ التصريحات التي صدرت من بعض مسؤولي البيت الأبيض، والخطوات التي اتخذت بعد ذلك تشير إلى أنّ العلاقات بين البلدين سوف تأخذ منحًى مغايرًا لما هي عليه الآن.
"كما أن هناك إمكانية كبيرة لعودة التعاون بينهما في العديد من الملفات، والقضايا الإقليمية والدولية التي تتقاطع فيها مصالحهما، مثل: الملف الليبي، والسوري، والعراقي بما يمنح أنقرة مكاسب جمّة لطالما طمحت إلى تحقيقها، وأعاقتها واشنطن".
وتابع المقال:
انتشرت مؤخرًا عدّة تسريبات متلاحقة تفيد بوجود رغبة لدى الولايات المتحدة في سحب قواتها المتواجدة بكل من شمال العراق (2500 جندي)، وشرق سوريا (900 جندي)، وهي الرغبة التي تتوافق مع رؤية تركيا للوجود العسكري الأميركي في كلا البلدين.
حيث أُعلن على لسان العديد من المسؤولين الأميركيين عن وجود نقاشات جدية مكثفة تجري حاليًا داخل أروقة البيت الأبيض لبحث كيفية وتوقيت الانسحاب من الأراضي السورية والعراقية، وأن هناك يقينًا لدى مسؤولين داخل الإدارة الأميركية ومقربين من الرئيس جو بايدن يرون أنّ الاستمرار العسكري الأميركي في كلا البلدين لم يعد ضروريًا.
ورغم مسارعة الخارجية الأميركية لنفي هذه التسريبات، وتأكيدها عدم وجود مثل هذا التوجه لدى واشنطن، وأنهم مصرّون على استمرار التواجد الأميركي في المنطقة؛ حفاظًا على مصالح أميركا وحلفائها، فإنّ الحديث عن سحب القوات الأميركية من المنطقة في هذا التوقيت يبدو أمرًا منطقيًا بالنظر إلى موقف واشنطن الصامت تجاه العمليات العسكرية التركية في كل من الشمالَين: السوري والعراقي.
وتحديدًا في المناطق التي تتمركز فيها قواتها، وعدم اتخاذها أي رد فعل يشير إلى رفضها هذه العمليات أو المطالبة بوقفها.
هذا إلى جانب الهجمات التي تعرضت لها قواتها على الأرض في البلدين، والخسائر التي تكبدتها في الأرواح والمعدات، وحجم الإخفاقات التي تعرضت لها، وفشل الإدارة الأميركية في تحقيق أهدافها التي سعت إليها من خلال تواجدها على الأرض هناك.
وأيضًا ما يواجهه هذا التواجد العسكريّ من معارضة قوية سواء من جانب المسؤولين في كل من بغداد ودمشق، الذين يرون فيه احتلالًا لأراضيهم، أو من جانب كل من تركيا، وروسيا، وإيران، إضافة إلى تصاعد التوترات في البحر الأحمر، والأراضي الفلسطينية.
أما نفي الخارجية الأميركية، فيأتي على الأغلب في إطار محاولاتها لبث الطمأنينة في نفوس كل من قوات وحدات حماية الشعب (قسد) وعناصر حزب العمال الكردستاني شركائها في المنطقة، عبر رسالة مفادها أنها لن تتخلى عنهم، ولن تتركهم لقمة سائغة في أفواه أنقرة وطهران، كما سبق أن حدث من قبل.
ولعل التصريحات التي صدرت مؤخرًا من جانب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن – عن استمرار وجود خطر عناصر تنظيم الدولة، المتواجدين في الكثير من النقاط داخل المناطق، وأن الحرب ضدهم لا تزال مستمرة – تصبّ في هذا الاتجاه، للتأكيد على أن تحالف بلاده معهم لا يزال قائمًا، وأن دورهم لم ينتهِ، وأن واشنطن ماضية قُدمًا في تعاونها معهم، رغم محاولات الوقيعة بينهما.
إخراج القوات الأميركية من العراق وسوريا يعني تلقائيًا وقف الدعم العسكري واللوجيستي عن عناصر حزب العمال الكردستاني، وقوات حماية الشعب، وخروجهم من تحت عباءة الحماية الأميركية الأمر الذي سيصبّ حتمًا في صالح تركيا، ويمنحها القدرة على إعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة بالتوافق مع كل من قيادات البلدين في سوريا والعراق، إضافة إلى روسيا وإيران، بما يضمن لها حماية حدودها، والحفاظ على أمنها القومي.
من المكاسب التركية التي حصدتها أنقرة أيضًا جراء إيجابية الولايات المتحدة تجاهها، تمثلت في سعي الأخيرة لتنقية أجواء العلاقات التركية – اليونانية، بصفتهما حليفتَيها المقربتَين، ودفعهما إلى الجلوس مجددًا على طاولة المفاوضات لوضع حدّ لخلافاتهما، وإزالة التوتر بينهما، وهو ما أسفر عن إعلان أثينا موافقتها على إتمام صفقة طائرات "إف-16" لتركيا، التي كانت تعارضها بشدة، وسعت إلى عرقلتها لدى الكونغرس.
صحيح أنها حصلت من واشنطن في المقابل على 40 طائرة من طراز "إف – 35" بقيمة 8 مليارات دولار، إلا أن قبولها بمد جارتها بطائرات "إف-16" المحدّثة دون الحديث عن أن هذا يزيد من قدرات تركيا العسكرية- وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لها- ساهم في تلقي أنقرة تصريحات رئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس بارتياح بالغ.
إذ أكد رغبته في تعزيز الأجواء الإيجابية القائمة حاليًا بين بلاده وتركيا إثر الدعم الذي قدمته أثينا لجارتها أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في فبراير/شباط من العام الماضي. مشيدًا وللمرة الأولى بالصناعات الدفاعية التركية وبقدراتها العسكرية غير المسبوقة، وبرغبته في إيجاد آلية للتعاون بينهما في هذا المجال، مؤكدًا قيامه بزيارة أنقرة في شهر مايو/ أيار المقبل. معربًا عن تفاؤله بشأن إمكانية التوصل إلى حلّ لمسألة تحديد الصلاحيات البحرية العالقة بينهما، والتي تعدّ من أهم القضايا الخلافية التي تعيق تقدّم العلاقات بين البلدين.
تطورات إيجابية على صعيد أكثر من ملفّ، ومكاسب متتالية، ما يؤكد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تحسنًا مطردًا في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، لكن اللافت في هذه العودة أنها لن تكون وفق رؤية التابع والمتبوع التي أرادتها واشنطن، بل ستكون وفق الرؤية التركية التي تستند إلى الوقوف على قدم المساواة بينهما، وتحكمها المصالح المشتركة لكل منهما دون إملاءات أو اشتراطات، كما كان عليه الوضع من قبلُ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!