ترك برس
أكد خبراء ومحللون أتراك أن نتائج الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا يوم الأحد الماضي تمثل تحذيرا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وأن الفوز الذي حققته المعارضة كان مدعوما بشكل كبير بتحالفات إستراتيجية غير معلنة.
وفي تحليلها للمشهد السياسي التركي، تؤكد الصحفية التركية ملك أفجي، في حديث لموقع الجزيرة نت، أن النتائج المفاجئة التي شهدتها الانتخابات، ينبغي أن تُفهم كإشارة تحذيرية للحزب الحاكم أكثر منها انتصارا مباشرا لحزب الشعب الجمهوري.
وقالت إن الامتناع اللافت لناخبي العدالة والتنمية عن المشاركة في الانتخابات يمثل رد فعل تلقائي على جملة من السياسات التي نُفذت في الأعوام الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية ومعدلات التضخم المتزايدة.
كما كان للاستياء من الزيادات النسبية البسيطة التي أُقرت لرواتب المتقاعدين -برأي الصحفية أفجي- دور بارز في هذا التراجع الواضح في دعم الحزب، الأمر الذي يكتسب أهمية خاصة في ضوء تجاوز عدد المتقاعدين في البلاد 15 مليون نسمة.
وتضيف "الانتخابات البلدية، بطبيعتها، تمتلك تأثيرا محدودا نسبيا على الحياة السياسية العامة مقارنة بالرئاسية والبرلمانية. وهذا قد يفسر لماذا نرى انخفاضا في حماس الناخبين للمشاركة فيها والتصويت وفق الولاءات الحزبية التقليدية".
وتتابع "وبالنظر إلى النتائج، فمن الواضح أن العدالة والتنمية قد تعرض لخسارة كبيرة، لكنها لا ترقى إلى مستوى تهديد الاستقرار السياسي في البلاد، فالرئيس أردوغان ما زال في منصبه، والتحالف الحاكم يحتفظ بأغلبية برلمانية، مما يعني أن النظام السياسي العام لم يتأثر بشكل جذري جراء هذه الانتخابات".
وترى أفجي، أن حزب العدالة والتنمية بات جاهزا للاستعداد لمرحلة تجديد وإصلاح شاملة تجهيزا للانتخابات الرئاسية عام 2028.
كما أن الأنباء الواعدة عن توقعات تحسن الوضع الاقتصادي خلال السنوات المقبلة، وبداية اتخاذ خطوات جادة نحو تنفيذ رؤية تركيا المئوية، يبشر بأثر إيجابي مباشر على حياة المواطنين، مما قد يمنح الحزب دفعة قوية ويعيد ترتيب أوراقه بما يخدم أهدافه الإستراتيجية ويعزز من موقفه في الساحة السياسية التركية، تضيف الصحفية.
وأظهرت نتائج الانتخابات المحلية التركية التي جرت، الأحد، في 81 ولاية، تقدم حزب الشعب الجمهوري في عموم البلاد بنسبة 37.7% مسجلا بذلك إنجازا لم يحققه منذ انتخابات عام 1997.
وحل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية بنيله 35.5% من إجمالي الأصوات، وكان المركز الثالث من نصيب حزب الرفاه مجددا بنسبة 6.19%. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 78.5%، ويعد أدنى معدل مشاركة منذ عام 2004.
ونجح حزب الشعب الجمهوري المعارِض الأكبر، في توسيع نطاق نفوذه المحلي بشكل ملحوظ، إذ فاز بإدارة 35 بلدية، بعد أن كان يسيطر على 21 فقط، في المقابل، تراجع العدالة والتنمية الحاكم، إلى 24 بلدية من أصل 39 كان قد فاز بها في الانتخابات الماضية.
وتمكن الشعب الجمهوري من الإبقاء على قبضته على بلديات المدن الرئيسية في إسطنبول وأنقرة وإزمير، في خطوة تشكل ضربة لطموحات العدالة والتنمية الذي كان يأمل في استعادة نفوذه في هذه المدن الكبرى.
وحصل مرشح المعارضة في إسطنبول ورئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو على 51.9% من الأصوات مقابل 39.6% لمرشح تحالف الشعب مراد قوروم. وفي أنقرة، نال مرشح الشعب الجمهوري منصور يافاش 60.3% من أصوات الناخبين، مقابل 31.6% لتورغوت ألتينوك مرشح تحالف الشعب.
كما تمكنت المعارضة من السيطرة على الأغلبية داخل المجالس البلدية لكل من أنقرة وإسطنبول، مما يشير إلى تغيير ملموس في المشهد السياسي التركي، خاصة أن هذين المجلسين كانا تحت إدارة تحالف الجمهور الحاكم خلال الفترات الانتخابية السابقة.
وشهدت الانتخابات تقدما ملحوظا لبعض الأحزاب الصغيرة، حيث فاز حزب مساواة وديمقراطية الشعوب بـ 10 ولايات، والرفاه مجددا بولايتين والجيد بولاية واحدة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -في خطاب ألقاه من شرفة المقر الرئيسي للعدالة والتنمية في أنقرة- إن النتيجة تشكل "نقطة تحول"، وتعهد بمراجعة أداء الحزب في الفترة القادمة، وبتحليل نتائج الاقتراع، مؤكدا أن حزبه سيجري بكل شفافية وشجاعة النقد الذاتي ويعمل على إصلاح الأخطاء.
من جهته يرى المحلل السياسي أورهان كيان أن الفوز الذي حققه حزب الشعب الجمهوري كان مدعوما بشكل كبير بتحالفات إستراتيجية غير معلنة، وبإستراتيجيات انتخابية مدروسة تلامس احتياجات الناخبين بدقة، كما أن حملات الحزب تميزت بتركيزها على هموم الناس وأزماتهم اليومية بدلا من الإفراط في الاحتفاء بإنجازاته.
ويضيف أن إستراتيجية العدالة والتنمية الحاكم في الاقتصار على تحالفه مع حزب الحركة القومية وعدم التوسع في التحالفات، أثرت سلبا على نتائجه الانتخابية.
وبالإشارة إلى إسطنبول، يرى المحلل كيان أن اختيار مراد قوروم كمرشح للتحالف كان "خطأ إستراتيجيا نظرا لافتقاره للكاريزما والتواصل الفعال مع الجمهور، مما أضعف فرص الحزب"، معتقدا أنه لو تم ترشيح أحد الأسماء الأخرى المعروفة لكانت النتائج ربما اختلفت إلى حد ما.
وتوقع أن يعمل الشعب الجمهوري على إعادة تنظيم صفوفه وبناء جسور الثقة مع المواطنين في الأقاليم التي حقق فيها مكاسب جديدة، مكثفا جهوده استعدادا للحملات الانتخابية المقبلة لتعزيز موقعه وتحقيق الأغلبية اللازمة للوصول إلى سدة الحكم في تركيا.
شهدت تركيا قبيل الانتخابات حملات ضغط شعبي تدعو الحكومة إلى قطع التبادل التجاري مع إسرائيل بشكل فوري والتدخل بكافة الوسائل الممكنة لدعم أهالي قطاع غزة.
غير أن عدم تفاعل الحكومة مع المطالب بشكل مرضي، دفع محللين لاعتبار امتناع بعض المواطنين عن المشاركة في الانتخابات أو التصويت لأحزاب أخرى، سببا من أسباب خسارة الحزب الحاكم للعديد من المدن التي كانت تتبع لسيطرته.
ويعتقد المحلل السياسي محمود يازجي أن عدم استجابة الحكومة التركية بفاعلية وسرعة لمطالب المواطنين بشأن الوضع في غزة قد دفع الناخبين إلى التعبير عن استيائهم من خلال الاقتراع، وهو ما تجسد في انتشار صور عبر منصات التواصل الاجتماعي تعكس استياء الجمهور من موقف تركيا تجاه القطاع.
ويضيف أن بعض الأحزاب ذات التوجهات المحافظة مثل الرفاه مجددا وهدى بار استغلت هذه القضية لجذب الأصوات، رغم أن الحزب الحاكم كان بإمكانه إغلاق هذا المجال أمامهم من خلال اتخاذ إجراءات أكثر حزما بشأن القضية الفلسطينية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!