ترك برس
تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي علي أسمر، المباحثات التي تجريها الأحزاب السياسية التركية من أجل التوصل إلى اتفاق لتعديل الدستور الحالي للبلاد والذي يعتبره البعض "دستور الانقلابات العسكرية".
وقال أسمر في مقاله بموقع تلفزيون سوريا إن الانتخابات المحلية التركية انتهت وأغلقت خلفها كثيرا من التوقعات والصراعات والاحتمالات، فقد سبق أن فاز تحالف الشعب بقيادة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكنه تعثر في الانتخابات المحلية، وهذا ما شكل صدمة عند البعض وتفاؤلا عند البعض الآخر.
وأضاف: يبدو أن المواطن التركي قرر أن يوازن الصلاحيات بين الحزب الحاكم والمعارضة، خوفا منه من انفراد جهة واحدة بالمشهد السياسي التركي، وهذا ما يزيد المشهد ضبابية بموضوع تغيير الدستور التركي الذي يعمل عليه حزب العدالة والتنمية منذ مدة طويلة مع حلفائه من الأحزاب الأخرى.
وبحسب الكاتب، يحاول حزب العدالة والتنمية إقناع الأحزاب المعارضة بضرورة تغيير الدستور التركي، الذي يعده الحزب الحاكم بدستور الانقلابات العسكرية الذي أُعِدّ عام 1982 وغير ملائم للمرحلة الحالية التي تمر بها تركيا، فقد عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة مرات، وفي عدة مناسبات عن ضرورة تغيير هذا الدستور الذي لا يتماشى مع رؤية القرن التركي الجديد حيث قال: إن "الدستور الحالي تم تعديله أكثر من 20 مرة حتى أصبح مترهلاً".
ورأى أسمر أن كل الأحزاب تريد تغيير الدستور التركي، ولكن الخلاف هو حول نوعية هذه التغيرات، فنحن نعلم أن الأحزاب التركية متنوعة وذات أيديولوجيات مختلفة، وهذا ما سيصعب مهمة تغيير هذا الدستور.
ويعتقد أن الثقة المتزعزعة بين الأحزاب السياسية أيضاً ستزيد صعوبة الأمر، فمثال على ذلك الأحزاب متفقة على ضرورة تضمين حرية اللباس والمعتقد في الدستور، ولكن هناك خلاف بشأن "صيغة الجملة المتعلقة بالحجاب" فحزب الشعب الجمهوري مثلا يريد بأن تكون العبارة "بما في ذلك تغطية رأسها أو عدمه".
وهناك من يرى أن تكون الصيغة: "تغطية رأسها، بسبب معتقدها الديني"، وبالنسبة إلى وظائف الدولة فهناك مقترح بأن تكون العبارة "أخذ الاحتياطات اللازمة على ألا تمنع المرأة من تغطية رأسها". يقول أسمر.
وتابع المقال:
كما يريد الحزب الحاكم إعداد مواد دستورية تقلل من الممارسات العنصرية إن كانت من حيث اللون أو الدين أو القومية، ولا سيما بعد الربيع العربي التي رافقها موجات لجوء جماعية إلى تركيا، حيث شهدنا تنامي تيار عنصري وإنشاء أحزاب سياسية تقوم على العنصرية كحزب الظفر بقيادة أوميت أوزداغ (داغستاني الأصل)، بالإضافة إلى ذلك يريد الحزب الحاكم ضمان التنوع الديني والثقافي والعرقي في تركيا.
حسب القانون التركي، تغيير الدستور يتطلب موافقة 360 نائباً برلمانياً تركياً من أصل 600 نائب، وهم الموجودون في مجلس الأمة التركية، ولكن المشكلة أن عدد أعضاء تحالف الشعب بقيادة الحزب الحاكم 321 نائباً فقط، وبهذا لا يستطيع حزب العدالة والتنمية تغيير الدستور إلا إذا أقنع 39 نائباً برلمانياً معارضاً بهذا التغيير.
ولهذا نرى تحركات وزيارات متبادلة بين الأحزاب التركية، حيث استقبل الرئيس أردوغان زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل للتباحث بكثير من الملفات، ولعل أهم ملف كان موضوع تغيير الدستور التركي، ووصفت أجواء اللقاء بالإيجابية مع عدم ذكر التفاصيل، إلا أني لا أعتقد أن يتفق حزب الشعب الجمهوري مع حزب العدالة والتنمية بخصوص التغيرات الجديدة لأن حزب الشعب الجمهوري المعارض قويت شوكته كثيراً بعد فوزه بالانتخابات المحلية للبلديات في تركيا ولم يعد يشكل معارضة ضعيفة كالسابق.
وقد التقى أوزغور أوزيل بزعيم الحركة القومية دولت بهجلي أيضاً، حيث أن كل الأحزاب التركية الآن تحاول جس نبض بعضها بعضا لكي تأخذ قرارها الأخير بالقبول أو الرفض، فإذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية إقناع حزب الشعب الجمهوري المعارض، سيتحتم عليه الجلوس والتفاوض مع الحزب الجيد، ولكن المشكلة أن رئيس حزب الجيد ميرال أكشينار قد استقالت، ولا ندري النوايا الحقيقية للرئيس الجديد مساوات درويش أوغلو تجاه حزب العدالة والتنمية وحلفائه، ولكن ما نعلمه أنه ذو خلفية قومية، واستقال من حزب الحركة القومية سابقاً، وهذا ما ينذر بصعوبة الاتفاق معه حالياً.
الأحزاب التركية ستناقش كل بنود الدستور باستثناء المواد الأربع الأولى من الدستور القديم، التي تتضمن، "شكل الدولة"، وتنص على أن "تركيا دولة جمهورية"، ومادة "خصائص الجمهورية" التي تنص على أن "جمهورية تركيا دولة قانون ديمقراطية علمانية واجتماعية، تقوم على المبادئ الأساسية المنصوص عليها فيما يخص سلام المجتمع والتضامن الوطني ومفهوم العدالة، وتحترم حقوق الإنسان ومخلصة لقومية أتاتورك".
يٌضاف إليها المادة الثالثة "وحدة الدولة ولغتها الرسمية وعلمها ونشيدها الوطني وعاصمتها"، وتنص على "دولة تركيا بشعبها وأرضها وحدةٌ لا تتجزأ، لغتها هي التركية، وشكل علمها محدد في القانون، وهو علم أحمر بهلال أبيض ونجمة، نشيدها الوطني هو (نشيد الاستقلال)، وعاصمتها أنقرة".
أما المادة الرابعة، فتتعلق بـ"أحكام لا يمكن تغييرها"، وتنص على أن "الأحكام الواردة في المادة 1 من الدستور التي تنص على الشكل الجمهوري للدولة، والمادة 2 التي تشرح خصائص الجمهورية بالإضافة إلى المادة 3، هي أحكام لا يمكن تعديلها، ولا يمكن اقتراح تغييرها".
من الممكن أن تكون معركة تغيير الدستور هي معركة أردوغان الأخيرة، ومن الممكن أن ينجح بتغيير الدستور، ويحل البرلمان، ويترشح للرئاسة مرة أخرى حسب الدستور التركي الجديد، كل الاحتمالات واردة، وكما قال الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل إن "24 ساعة في السياسة التركية مدة طويلة جداً".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!