ترك برس
دخلت العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل حقبة جديدة مؤخراً مع إعلان أنقرة تعليق نشاطها التجاري مع تل أبيب بسبب الحرب على غزة، وذلك بعد أن صمدت في وجه عواصف دبلوماسية كثيرة على مر سنوات.
وتسود خشية بين الإسرائيليين في الوقت الحالي من أن التجارة مع تركيا قد لا تنجو من أحدث خلاف حول الحرب في غزة، لا سيما وأنها بلغت مليارات الدولارات قبل المقاطعة التركية.
إلى ذلك، أوقفت تركيا في مايو/ أيار الماضي جميع أشكال التجارة الثنائية مع إسرائيل، حتى تنتهي الحرب وتتدفق المساعدات من دون عوائق إلى غزة، في المقابل قالت إسرائيل إن الخطوة التركية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية.
وسارع المستوردون الإسرائيليون إلى إيجاد مصادر بديلة لسلع تمتد من المواد الغذائية إلى الإسمنت والسيارات، رداً على قرار تركيا الذي يقول اقتصاديون إنه قد يؤدي إلى عجز على المدى القريب، لكنه لن يؤثر سلباً على الأرجح في اقتصاد إسرائيل البالغ حجمه 500 مليار دولار، بحسب تقرير لـ "إندبندت".
وعن ذلك قال كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية شموئيل أبرامزون إلى "رويترز"، إن "تركيا شريك تجاري مهم لإسرائيل"، مستدركاً "لكننا لا نعتمد حصرياً، ولو من بعيد، على تركيا".
وأضاف "بعض البدائل قد تؤدي إلى كلفة أعلى، لكننا لا نتوقع حدوث اضطراب كبير أو مستمر في الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة تصرفات تركيا".
تجارة عبر دولة ثالث
يعتقد كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية أن النمو الاقتصادي الإسرائيلي لعام 2024 سيتجاوز توقعاته الحالية البالغة 1.6 في المئة.
في الأثناء، تظهر بيانات الحكومة الإسرائيلية أن التجارة الثنائية بين أنقرة وتل أبيب تراجعت نحو 23 في المئة إلى 6.2 مليار دولار في 2023، ومثلت الواردات الإسرائيلية نحو ثلاثة أرباع هذا الرقم.
وبعد خطوة أنقرة، قال عدد من شركات التصدير التركية إلى "رويترز" إنها تبحث عن سبل لإرسال بضائع إلى إسرائيل عبر دولة ثالثة، لكن المصدرين والمستوردين في كل من تركيا وإسرائيل قالوا منذ ذلك الحين إنه لا يوجد ما يشير إلى إحراز نجاح.
في غضون ذلك، يقول مسؤولون تجاريون إن اليونان وإيطاليا ودولاً أخرى مستعدة لملء الفراغ الذي خلفته تركيا، وإن الصفقات قريبة، لكن المشكلة الرئيسة ستكون إيجاد وجهات بديلة لأكثر من 1.5 مليار دولار من الصادرات الإسرائيلية ومعظمها من الوقود والمواد الكيماوية وأشباه الموصلات.
عن ذلك قال مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد في تل أبيب روي فيشر، إنني "لا أعتقد أن الاقتصاد يجب أن يعتمد على دولة تقول في يوم ما نريد التجارة معكم، وفي يوم آخر تقول لا نريد التجارة معكم"، مضيفاً "التجارة يجب أن تكون موثوقة وقادرة على الاستمرار"، مؤكداً "لذا نشعر أن هدفنا هو إيجاد مصادر موثوقة على المدى الطويل".
فتور العلاقات
وانتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشدة الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ووصف أردوغان "حماس" بأنها "حركة تحرير" واستضاف إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في إسطنبول نيسان/ أبريل الفائت.
وبدأت الحرب بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الذي تمخض عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية، في المقابل قالت وزارة الصحة في غزة إن نحو 36 ألف فلسطيني قتلوا في الهجوم الإسرائيلي.
وقبل وقت قصير من اندلاع الحرب، اجتمع أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً، وسط تحسن بطيء في العلاقات التي ظلت متوترة لفترة طويلة بسبب القضية الفلسطينية، لكن خططهما لتبادل الزيارات تأجلت بعد ذلك.
واستدعت تركيا سفيرها لدى إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للتشاور قبل أن تتوقف الرحلات الجوية بين البلدين.
ورداً على الحظر التجاري، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنه سيلغي اتفاق التجارة الحرة مع تركيا، في الأقل حتى يتنحى أردوغان ويحل محله "زعيم رصين وليس كارهاً لإسرائيل"، مضيفاً أن الخطة ستعرض على مجلس الوزراء لإقرارها.
وتركيا هي الشريك التجاري الأول والوحيد حتى الآن، لإسرائيل الذي يعلق التجارة بسبب حرب غزة، إذ تحتل المرتبة الخامسة كأكبر شريك تجاري لإسرائيل، لكنها ما زالت تمثل أقل من خمسة في المئة من إجمالي وارداتها.
ليست كارثة
على الجانب الآخر، قال نائب المدير العام لجمعية "بناة إسرائيل" شاي بوزنر، إن "تركيا تمد إسرائيل بنحو 40 في المئة من الإسمنت الذي تستورده"، مضيفاً أن "الصناعة تتجه نحو الموردين الأوروبيين"، مستدركاً "لكنها ستكون أغلى بكثير من تركيا المعروفة بالمنتجات الصناعية الرخيصة"، قائلاً "مشكلة وليست كارثة".
وفي الوقت نفسه قال اثنان من مستوردي السيارات الرئيسين في إسرائيل إن طرزاً معينة من سيارات تويوتا وهيونداي عالقة في الموانئ التركية بسبب الحظر التجاري، في حين قالت شركة "يونيون موتورز" التي تستورد سيارات تويوتا في إسرائيل إن الحظر أثر في تسليم طرازي "كورولا" و"سي أتش آر" وإنها تبحث عن حلول.
وقالت شركة "كولموبيل" التي تستورد سيارات هيونداي من تركيا إنها ستعلق طلبات بعض الطرز وتعمل مع الشركة المصنعة على حلول التوريد.
وبالمثل، قالت شركة "دبلومات غلوبال" وهي واحدة من أكبر المستوردين في إسرائيل، إنها تحاول العثور على بدائل لتركيا لجلب مجموعة من المنتجات الاستهلاكية التي تتضمن علامات تجارية مثل "هاينز" و"جيليت" و"براون" و"بامبرز".
في الأثناء، يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يخططون لزيادة الإنتاج المحلي لتجنب العجز، إذ وجد استطلاع أجرته جمعية "المصنعين الإسرائيليين" الأسبوع الماضي أن 80 في المئة من المصنعين لديهم بدائل لتركيا، بينما قال 60 في المئة إن لديهم مخزوناً يكفي لمدة ثلاثة أشهر.
وتعليقاً على ذلك، قال رئيس الجمعية رون تومر رئيس "على رغم أننا أصبحنا مدمنين على الواردات الرخيصة من تركيا لكن من الممكن أن نتدبر أمرنا من دونها كدولة، ويتعين علينا تقليص الاعتماد على الدول المعادية قدر الإمكان وتعزيز استقلالنا الإنتاجي".
تباطؤ اقتصاد تل أبيب في أبريل
في غضون ذلك، أظهرت بيانات بنك إسرائيل (البنك المركزي) أول من أمس الثلاثاء أن الاقتصاد تباطأ في أبريل (نيسان) بعد تحقيق نمو في الربع الأول من العام الحالي عقب هزة عنيفة في أواخر 2023 جراء اندلاع الحرب على "حماس" في قطاع غزة.
وجاء في بيان لبنك إسرائيل أن مؤشر حالة الاقتصاد المركب الصادر عن البنك تراجع بنحو 0.15 في المئة الشهر الماضي، مما يعكس "بعض التباطؤ في النشاط الاقتصادي" بعد "عدد من الأشهر التي تحسن فيها النشاط الاقتصادي مقارنة بالمستوى المنخفض الذي بلغه نتيجة بدء الحرب".
وعقب اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر الماضي، انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بما يعادل 21.7 في المئة على أساس سنوي في الربع الأخير من العام الماضي، قبل أن ينتعش مجدداً لينمو بنحو 14.1 في المئة في الربع الأول من العام الحالي.
وأبقت لجنة السياسة النقدية بالبنك الإثنين الماضي سعر الفائدة عند 4.5 في المئة للاجتماع الثالث على التوالي بعد خفضه بواقع 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) 2024، وعزت ذلك إلى ارتفاع وتيرة التضخم و"استمرار التحسن التدريجي في النشاط الاقتصادي وسوق العمل".
وتعليقاً على ذلك، قال محافظ بنك إسرائيل أمير يارون إلى "رويترز" في وقت لاحق إن إجراء المزيد من الخفوضات في أسعار الفائدة غير مطروح في الوقت الحالي.
وذكر بيان البنك المركزي أن المؤشر تأثر في أبريل الماضي بزيادات في بنود منها صادرات السلع ومعدل الوظائف الشاغرة ومشتريات بطاقات الائتمان، والتي قابلتها انخفاضات في الإنتاج الصناعي وواردات السلع الاستهلاكية ومدخلات الإنتاج باستثناء الوقود.
وعدل البنك بيانات شهر مارس 2024 إلى ارتفاع بنحو 0.18 في المئة من انخفاض يعادل 0.05 في المئة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!