ترك برس
سلط تقرير للكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، الضوء على الحملات العنصرية التي تستهدف اللاجئين السوريين والأفغان في تركيا، منتقدا تساهل الحكومة في التعامل مع تلك الحملات.
وتطرق ياشا في تقريره بصحيفة "عربي21" إلى ما شهدته ولاية قيصري التركية قبل أيام من أعمال عنف وتخريب استهدفت اللاجئين السوريين العزّل وبيوتهم ومحلاتهم وممتلكاتهم، بعد أن انتشرت أنباء حول تحرش سوري بطفلة سورية.
وقال الكاتب إن تلك الأحداث المؤسفة أعقبتها اعتداءات على الأعلام التركية والشاحنات التي تحمل اللوحات التركية ومكاتب البريد التركي في المناطق المحررة في سوريا، بدعوى الاحتجاج على ما تعرض له اللاجئون السوريون في تركيا، ثم خرجت مجموعات صغيرة في مدن تركية مختلفة هاجمت اللاجئين السوريين بدعوى الرد على تمزيق الأعلام التركية في الشمال السوري.
وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، أن 474 مواطنا تركيا تم اعتقالهم على خلفية أحداث قيصري وما بعدها، مشيرا إلى أن 285 منهم من ذوي السوابق الجنائية في قضايا مختلفة بينها تعاطي المخدرات، وأعمال السطو، والاغتصاب، والسرقة وتهريب البشر.
كما ذكرت مديرية أمن قيصري أن الذي نقل المعتدين على اللاجئين بشاحنته مواطن تركي سبق أن سُجن بتهمة اغتصاب طفل. وبالتالي، هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها، مثل: "من هو العقل المدبر؟"، و"من الذي جمع كل هؤلاء، وأتى بهم من أحياء مختلفة، ووجههم إلى ضرب السوريين وتخريب ممتلكاتهم وحرقها؟"، و"هل ستتم محاسبتهم كما ينبغي أم سيتم إطلاق سراحهم بعد يوم أو يومين؟".
وأضاف ياشا أن "أحداث قيصري، للأسف الشديد، لا يمكن اعتبارها مفاجئة، بل جاءت معلنة أنها ستأتي عاجلا أم آجلا، في ظل استمرار الحملات العنصرية التي تستهدف اللاجئين السوريين والأفغان، وتساهل الحكومة التركية في التعامل مع تلك الحملات. ووجَّه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان السهام إلى المعارضة، وقال في أول تعليق له على الأحداث، إن "الخطاب المسموم الذي تتبناه المعارضة أحد أسباب الأحداث المحزنة"، إلا أن تحريض المعارضة ضد اللاجئين لأسباب سياسية لا يعفي الحكومة من مسؤولية حماية السوريين الذين يعيشون في البلاد بشكل قانوني. كما أن المسؤولين الذين يمثلون السلطة التنفيذية ليس المطلوب منهم أن يطلقوا تصريحات كمحللين، بل المطلوب منهم أن يقوموا بواجبهم من خلال تنفيذ القوانين وضرب كافة المثيرين للفتنة، والناشرين للإشاعات والأنباء الكاذبة، وقطع الأيدي الممتدة إلى أمن البلاد واستقرارها".
وأردف: "العنصريون الذين يستهدفون اللاجئين السوريين نسبتهم ضئيلة في المجتمع التركي، كما أثبتت نتائج الانتخابات، والأغلبية الساحقة ليست لديها مشاكل مع اللاجئين، حتى وإن رأى كثير منهم أن الحل الأفضل للمشكلة هو عودة اللاجئين إلى بلادهم. إلا أن تلك الشرذمة العنصرية وجدت مساحة تحرك واسعة للتحريض وإثارة الفتن ليصل بهم الأمر إلى القيام بأعمال العنف، بسبب تساهل الحكومة مع جرائم نشر الإشاعات والأنباء الكاذبة والجرائم العنصرية. وبعبارة أخرى، إن أحداث قيصري ما هي إلا ثمرة التقاعس عن ردع الجرائم العنصرية الممنهجة ووأد الحملات المغرضة في مهدها".
وتابع التقرير:
اعتقال المئات من المتورطين في الأحداث الأخيرة خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه لا يكفي، بل لا بد من محاسبة هؤلاء على ما ارتكبوا من جرائم مروعة، واعتبار ما قاموا به "تمردا على النظام العام" و"عملا لصالح أجهزة الاستخبارات الأجنبية لإثارة الفوضى في البلاد"، لتتم محاكمتهم على غرار محاكمة المتورطين في أحداث "غزي باركي" ومحاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016. ومن الضروري أيضا أن تتم محاكمتهم أمام أعين الجميع ليعرف كل من تسول له نفسه العبث بأمن تركيا واستقرارها والقيام بأعمال العنف والشغب ولو باسم القومية أو الوطنية، أنه سيدفع ثمن جرائمه غاليا.
السلطات التركية يجب أن لا تنظر إلى هؤلاء الغوغاء المتورطين في الأحداث الأخيرة على أنهم "مجرد مواطنين غاضبين" لديهم ملاحظات على سياسة الحكومة في الملف السوري، كما يجب أخذ الدعوات التي تطلقها حسابات مشبوهة في مواقع التواصل الاجتماعي للتجمع في أماكن معينة من أجل استهداف اللاجئين، على محمل الجد، والتعامل مع أصحابها بحزم. أما إن تم اعتقال مرتكبي الجرائم العنصرية اليوم وتم إطلاق سراحهم غدا، فمن المؤكد أن أمثال أحداث قيصري ستتكرر في مدن أخرى.
الحكومة التركية تملك أدوات قانونية وإعلامية واجتماعية كافية لردع العنصريين، وقطع دابر حملات التحريض ضد اللاجئين، ودحض خطاب المعارضة المسموم. وإن لم يتم الآن استخدام تلك الأدوات، ونشر خطاب التآخي والتراحم بين المواطنين واللاجئين عن طريق المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الإسلامية، فيا ترى متى سيتم ذلك؟ كما يجب على الحكومة التخلي عن تكرار القول بأن اللاجئين السوريين ضيوف سيعودون إلى بلادهم، لأن هذه المقولة تشكل تبريرا لدعوى العنصريين الذين يزعمون أن مدة الضيافة قد طالت، وأن الوقت قد حان لعودة الضيوف إلى بلادهم بأي طريقة. وأرى أن الحل الأمثل هو منح اللاجئين السوريين الجنسية التركية، لتحويلهم من لاجئين إلى مواطنين، بالتوازي مع برامج الاندماج، وأنهم حتى وإن عادوا إلى سوريا مستقبلا يعودون كمزدوجي الجنسية.
أردوغان في إحدى كلماته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة قال: "هذا البلد وراءه دعوات مئات الملايين من إخواننا حول العالم، بالإضافة إلى دعوات مواطنينا، وأؤمن بأننا سنتغلب على جميع العوائق بفضل دعوات المظلومين". وقال أيضا، أمس الثلاثاء بعد اجتماع الحكومة: "نعلم كيف نكسر الأيادي القذرة التي تطال علمنا، ونعلم أيضا كيف نكسر تلك التي تمتد إلى المظلومين اللاجئين في بلادنا". وعلى الحكومة التركية أن تنتقل من مرحلة العلم إلى مرحلة العمل، لتكسر الأيادي القذرة التي امتدّت بالفعل إلى اللاجئين السوريين، كيلا تتحول دعوات المظلومين لتركيا إلى دعوات عليها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!