توران قشلاقجي - القدس العربي
في كلمة لافتة ألقاها خلال حفل توزيع جوائز مارتن فييرو السينمائي، عبّر الممثل الأرجنتيني الشهير من أصل يهودي نورمان بريسكي، عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، قائلا: «غزة، غزة، غزة، غزة لن تُهزم أبدا، لا يهم إذا صفقت لي أكثر أو أقل، لكنني أشعر بذلك في دمي، أنا أدافع عن شعب غزة الذي يقتل». ووسط تصفيق هائل من الحضور، أكد بريسكي على مشاكل السينما الأرجنتينية قائلا: «انتبهوا لما أقول، لقد تعطرت كثيرا اليوم، هناك أيضا أشخاص يصمتون الآن إلى جانب الذين يصفقون لنا، نحن لسنا صناع السينما، بل على العكس نحن أبطالها».
بريسكي الذي حصل على جائزة خلال الحفل، هو واحد من شخصيات يهودية كثيرة ترى أن إسرائيل ستهزم أمام سكان غزة، الذين يقاومون، على الرغم من أنهم لا يملكون شيئا، وعلى الرغم من الإبادة الجماعية التي ترتكبها منذ أكثر من عام. قبل أشهر قليلة، كان دايفيد غولدمان، حتى الشهر الماضي، ينشر مقالات يتحدث فيها متباهيا عن انتصارات إسرائيل، ويقول إن «المستقبل أصبح لإسرائيل. وسيتم تصميم الشرق الأوسط بالشكل الذي تريده إسرائيل. وإسرائيل هي التي ستهيمن على المنطقة من الآن فصاعدا، وليس تركيا أو إيران»، لكن يبدو أن أحلامه سرعان ما تحولت إلى كابوس.
في مقاله الأخير تحت عنوان «إسرائيل لا تستطيع هزيمة حماس»، أطلق غولدمان على الولايات المتحدة سهاما مغموسة في سموم خيبة الأمل التي يشعر بها. غولدمان، الذي تم تسويقه للعالم على أنه «محلل استراتيجي اقتصادي بارز» في الولايات المتحدة وآسيا، اضطر مؤخرا للتعبير عن الحقيقة، بسبب اليأس الناجم عن ضعفه في التنبؤات الجيوسياسية؛ «إسرائيل لا تستطيع أن تنتصر في حرب غزة. وبعبارة أخرى، لا يمكنها أن تحقق حلا سياسيا مستقرا ومرضيا للمنطقة من خلال القضاء على حماس. لأن التحالف الأمريكي يجعل النصر بعيد المنال».
في الواقع، قامت الولايات المتحدة – بعد أن منيت بالهزيمة والفشل عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 – بإعادة تفعيل خطتها الخاصة بتصميم الشرق الأوسط عبر إسرائيل هذه المرة، لكنها فشلت مجددا، لأن دول المنطقة والقوى العالمية الأخرى تدرك أن هذه الحرب الجديدة ليست حرب إسرائيل مع حماس، أو حزب الله أو إيران، بل على العكس من ذلك، هي حرب إسرائيل والولايات المتحدة (الصهيونية – الإنجيلية) مع العالم الجديد. ولذلك سوف تُهزم الجبهة الصليبية الصهيونية في غزة ولبنان، كما حدث في العراق وأفغانستان وأوكرانيا. هؤلاء الصهاينة الشرسون والمتوحشون أصبحوا يخافون من اقتراب نهايتهم، فهم يرون الهزيمة الوشيكة التي تنتظرهم. لكن الخوف لا يمنع الموت ولن يمنع مهما فعلوا.
عندما تراجعت قوة بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لجأ الصهاينة إلى الولايات المتحدة، وعرضوا عليها أن يكونوا كلاب حراسة للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالفعل، قبل الأمريكيون عرضهم. وفي عام 1947 ظهرت إسرائيل الصهيونية كدولة تتحكم بها الولايات المتحدة، ثم حولتها الإمبريالية الأمريكية إلى مشروع لا يقتصر هدفه على استعباد فلسطين وحدها، بل يشمل استعباد الشرق الأوسط بأكمله، و»فلسطنة» العالم الإسلامي. لذلك، إذا أردنا أن نفهم «الديناميكية اليهودية» للإمبريالية الأمريكية ما بعد الاستعمار، فيجب علينا أن نأخذ في الاعتبار أن الصهيونية وعقيدة السياسة الخارجية الأمريكية هما واحد ولا ينفصلان عن بعضهما بعضا، ومن الضروري ألا ننسى العلاقة التكافلية بينهما.
خلاصة القول؛ أصبحت الصهيونية العنصرية التي ترتكب الإبادة الجماعية اليوم كبش فداء للأعمال القذرة التي تمارسها الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط وبمثابة كلب حراسة لمصالحها. لكن الكلب وصاحبه أصبحا الآن يعانيان من الضعف ويفتقران إلى القوة التي كانا يتمتعان بها من قبل. كما أنهما باتا يعيقان بعضهما بعضا. ويبدو أن أسس نظامهما سوف تهتز إذا استمر الأمر على هذا المنوال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس