ترك برس
أشار تقرير لموقع الحرة الإخباري إلى أن إعادة إحياء اتفاقية "التجارة الحرة" بين تركيا وسوريا ستفتح الباب أمام العديد من "الفرص والمحاذير".
وفي وقت يقول خبراء في الاقتصاد لموقع "الحرة" إن الاتفاقية من شأنها أن تدفع عجلة الاقتصاد والتجارة بين البلدين إلى مستويات عليا، يحذرون، في المقابل، أنه قد يكون لها "جانب سلبي" بناء على الظروف الراهنة. بحسب موقع الحرة.
وذكر التقرير أن هذا الجانب السلبي لا يتعلق في الأساس بالساحة التركية بل ستكون انعكاساته على الساحة السورية على نحو خاص ومحدد. وهي التي تعاني من حالة ترهل كبيرة على صعيد عمليتي الإنتاج والتصنيع.
ووفقا لوزير التجارة التركي، عمر بولاط، توصلت تركيا مع الجانب السوري إلى تفاهم بشأن إحياء اتفاقية "التجارة الحرة". وقال الوزير، الاثنين، إنه تم الاتفاق أيضا على "مراجعة الإدارة الجديدة في دمشق لقرار الرسوم الجمركية".
ما قاله بولاط جاء بعد اجتماع جمع مسؤولين أتراك وسوريين في سوريا، يوم الجمعة.
وأوضح موقع الحرة أن مخرجات هذا الاجتماع عكست رغبة تركية بضرورة إعادة إحياء التجارة على طرفي الحدود إلى مستويات غير مسبوقة، مع رفع الرسوم الجمركية من الجانب السوري على عدة سلع ومنتجات.
وأشار بيان لوزارة التجارة التركية، الجمعة، عقب الاجتماع، إلى أنه "تم الاتفاق على اتباع نهج شراكة اقتصادية أكثر شمولا".
كما أوضحت الوزارة أنه "تم الاتفاق أيضا بين المسؤولين الأتراك والسوريين على التعاون في مجالات مثل تجارة المنتجات الصناعية والزراعية ونقل الترانزيت والنقل الثنائي والمقاولات وغيرها لتنشيط الاقتصاد السوري".
و"أكدت سوريا أن الشركات التركية ستلعب دورا أساسيا في تنمية سوريا وستلعب دورا رائدا في تطوير الصناعة السورية"، بحسب بيان "التجارة التركية".
ما "اتفاقية التجارة الحرة"؟
اتفاقية "التجارة الحرة" التي تقول تركيا الآن إنها تعتزم إعادة تفعيلها مع سوريا يعود تاريخ توقيعها إلى عام 2004. أي عندما كانت العلاقة بين البلدين تمر بـ"شهر عسل".
وكان الهدف الرئيسي من وراء هذه الاتفاقية "تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين"، وهو الأمر الذي تم بالفعل حتى مطلع الثورة السورية في 2011.
بعد اندلاع الثورة وتحول الحراك السلمي إلى مسلح في 2011، وما تلا ذلك من تطورات سياسية، تأثرت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وسوريا بشكل كبير.
ووصل الحال بعد ذلك وفي نهاية المطاف إلى إيقاف العمل بـ"التجارة الحرة".
الاتفاقية كانت بنودها تذهب بعدة اتجاهات، وبينما كانت تضمن أولا إلغاء الرسوم الجمركية نصت في مسارات أخرى على تعزيز انسيابية المنتجات بين البلدين، الزراعية والصناعية وغير ذلك.
استهدفت الاتفاقية تشجيع الاستثمارات المشتركة في المشاريع الاقتصادية بين الشركات السورية والتركية، وتوفير بيئة قانونية مشجعة للمستثمرين، بحسب ما يورده موقع وزارة التجارة التركية.
ويضيف الموقع أيضا أنه وبموجب الاتفاقية تم تسهيل حركة التجارة إلى حد كبير، من خلال تحسين البنية التحتية للنقل والمواصلات بين سوريا وتركيا، بما في ذلك الطرق البرية والموانئ.
ماذا لو أعيد العمل بها؟
من خلال اتفاقية "التجارة الحرة" استهدفت تركيا وسوريا تحقيق حجم تجارة يبلغ 5 مليارات دولار.
وفي حين تجاوز حجم التجارة الخارجية 2 مليار دولار لأول مرة في عام 2010، فإن الحرب التي بدأت في سوريا بعد عام 2011 أدت إلى تأجيل جميع الأهداف الاقتصادية.
يشرح الباحث الاقتصادي السوري، خالد تركاوي، أن "السوق بين سوريا وتركيا كانت مفتوحة من 2017"، ويقول لموقع "الحرة" إن السلع منذ التاريخ المذكور تدفقت بالاتجاهين.
لكن حالة التدفق لم تكن تشمل كل المحافظات السورية، بل كانت المنتجات والسلع تمر فقط من المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة سابقا باتجاه الجانب التركي وبالعكس.
وبحسب وزارة التجارة التركية فإن تركيا وسوريا تنسقان للسماح للشركات التركية، التي تعمل حتى الآن فقط في مناطق شمال سوريا لتوسيع عملياتها في جميع أنحاء البلاد والاستثمار هناك.
وبالإضافة إلى ذلك، اتفق الجانبان على تعزيز التنسيق لإدارة الجمارك على الحدود بشكل أفضل، حيث زادت حركة المرور بشكل كبير منذ الإطاحة بنظام الأسد.
ويوضح تركاوي أنه لإعادة اتفاقية "التجارة الحرة" جانبين، الأول يتعلق "بتجارة الترانزيت" والثاني "بدخول السلع التركية إلى الأسواق السورية".
وفي حال تم إلغاء التعرفة الجمركية والسماح بدخول كل السلع التركية يعتقد الباحث الاقتصادي أنه "سيكون هناك اكتساح تركي للأسواق السورية. وهذا لن يكون مفيدا للاقتصاد السوري".
يقول تركاوي: "يجب أن تنضبط الأمور وأن تكون الخطوات محسوبة مع المحافظة على بقاء رسوم جمركية على مجموعة من السلع مثل النسيج والزراعة".
"حتى نحمي المصانع الصغيرة والمتوسطة والمزارع في سوريا يجب أن يكون هناك تعرفة جمركية من نوع ما"، وفقا لتركاوي.
لكنه يشير في المقابل إلى فرص وإيجابيات تتعلق بإعادة استئناف العمل بـ"التجارة الحرة". وتتعلق هذه الفرص بما يعرف بـ"تجارة الترانزيت".
ويضيف الباحث: "سيكون هناك فوائد لحركة السيارات التجارية القادمة من معبر باب الهوى (شمال سوريا) وصولا إلى نصيب (يربط سوريا بالأردن جنوبا)".
ويتابع: "وتكمن فوائد أخرى أيضا بالحركة التي ستسفر عنها عملية عبور السائقين مع شاحناتهم على طول الطريق الواصل من شمال سوريا وصولا إلى جنوبها".
من "المستفيد الأكبر"؟
وفي وقت سابق من هذا الشهر، رفعت الحكومة السورية الجديدة الرسوم الجمركية على الواردات التركية بنسبة تصل إلى 300 في المئة، بهدف توحيد الأسعار عبر حدودها.
وأثارت هذه الخطوة غضب المصدرين الأتراك وبعض رجال الأعمال السوريين، حيث تبلغ قيمة صادرات تركيا السنوية إلى سوريا ملياري دولار، وفقا لبيانات وزارة التجارة.
وعلى أساس ما سبق عقد اجتماع بين المسؤولين السوريين والأتراك، الجمعة، وانتهى في إحدى جزئياته بالإشارة إلى قرب إعادة إحياء "التجارة الحرة".
ويوضح الباحث الاقتصادي السوري، فراس شعبو، أن "اتفاقيات التجارة الحرة بين الدول هو أمر إيجابي ويساعد في تنشيط الحركة الاقتصادية.. لكن عندما يكون هناك تبادل فعلي بينهما".
وعند النظر إلى حالة سوريا الآن تكاد تختلف الصورة على نحو كبير وعما كانت عليه في 2004.
يقول شعبو لموقع "الحرة": "في سوريا الآن بنى تحتية متهالكة ومعامل متوقفة. لدينا أيضا حركة اقتصادية ضعيفة وعملة متدهورة القيمة".
وفي ظل هذه الظروف "قد تكون تركيا المستفيد الأكبر من اتفاقية التجارة الحرة"، بحسب شعبو، دون أن يستبعد الباحث وجود فوائد أخرى قد تعود على الجانب السوري.
ويضيف: "الاتفاقية قد تكون مقبولة لفترة قصيرة في سوريا، بسبب غياب التصنيع والإنتاج". وقد تكون لازمة أيضا لكي تحدث منافسة داخلية، وتحفز الصناعة المحلية لزيادة الجودة والخدمات، بحسب قول شعبو.
كما يشير إلى ما سبق الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، قائلا لموقع "الحرة" إن اتفاقية التجارة الحرة قد تلعب دورا في دفع عجلة الإنتاج في سوريا.
ويضيف: "وعندما تعود عجلة الإنتاج إلى مسارها الصحيح يمكن العمل بعد ذلك على تعديل نصوص الاتفاقية".
وفي بداية العام الحالي أعلن رئيس مجلس الأعمال التركي- السوري في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي (DEIK)، إبراهيم فؤاد أوزكوركجي أن تركيا تهدف إلى الوصول إلى حجم معاملات ثنائية مع سوريا بقيمة 10 مليارات دولار على المدى القصير والمتوسط.
وأضاف أوزكوركجي أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع من 250-300 مليون دولار قبل عام 2011، إلى 2.5 مليار دولار بحلول عام 2024.
وأوضح أن أهم الصادرات التركية إلى سوريا هي الحديد والصلب والبلاستيك والأدوات المنزلية ومواد البناء والمنتجات الغذائية.
في حين أن أهم صادرات سوريا إلى تركيا هي القطن وزيت الزيتون وزيت عباد الشمس.
"على فترات"
ولن يكون إعادة العمل باتفاقية "التجارة الحرة" أمرا مجحفا، كما يؤكد الباحث الاقتصادي، قضيماتي. ويرتبط ذلك بغياب الصناعيين عن سوريا وتهالك البنى التحتية.
ويوضح الباحث أن "سوريا بحاجة الآن للمواد الأولية وقد تستمر على هذه الحالة حتى يعود الصناعيون إلى البلاد ويبدأون أعمالهم بشكل سلس وفعلي".
ومن وجهة نظر الباحث شعبو فإن "التجارة الحرة" بين سوريا وتركيا سيكون "مقبولا لفترة زمنية معينة".
ويقول إنه "لا يمكن أن تستمر الاتفاقية بالبنود التي عليها منذ 2004 لأن ذلك سيكون كفيلا بقتل الإنتاج السوري. وهو الضعيف بالأساس".
شعبو يشير أيضا إلى أنه يجب العمل على إعادة تعديل بنود الاتفاقية بما يتناسب مع الظروف القائمة في سوريا، على صعيد الاقتصاد وعملية الإنتاج.
وفيما يتعلق بتركيا يرجح أن "هدفها لا يقتصر على السوق السوري فقط بل على الخليجي والخارجي مرورا من الطرقات السورية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!