
ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتبة والباحثة صالحة علام، الأسباب الحقيقية وراء الزيارة المفاجئة لرئيس المرحلة الانتقالية بسوريا أحمد الشرع لإسطنبول، والاجتماع الذي عقده بالرئيس رجب طيب أردوغان.
وأشارت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر إلى الأسئلة وعلامات الاستفهام بشأن الأسباب التي دفعت الشرع إلى هذه الزيارة غير المدرجة على جدول أعمال الرئيسين، ولم يسبق الإعلان عنها بروتوكوليا كما جرت عليه العادة.
ورأت أنه لتحديد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الزيارة، ولمعرفة الملفات التي تم بحثها بين الجانبين، ولوضع تصور عن ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تطورات في المنطقة عموما، والداخل السوري على وجه الخصوص، يجب إمعان النظر بدقة في هوية المسؤولين الذين حضروا اللقاء من قادة أمنيين وعسكريين، إضافة إلى كل من وزراء الخارجية والدفاع، ومسؤولي جهازي الاستخبارات بالبلدين، إلى جانب التطورات التي شهدها الملف السوري دوليا، وإقليميا قبلها بأيام قليلة، وربما ساعات معدودة، وكانت دافعا إلى هذا التحرك السريع من جانب الشرع.
وقالت إن من هذه التطورات إعلان كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي على التوالي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وهو ما يعد تحولا كبيرا في نهج الغرب عموما اتجاه دمشق، لكن تنفيذ هذه الخطوة له شروط محددة تم وضعها أمام القيادة السورية، منها ضمان أمن إسرائيل، ومنع أية تهديدات يمكن أن تتعرض لها سواء من جانب الدولة السورية نفسها، أو من بعض المنتمين للتنظيمات الجهادية داخل سوريا.
وتابع المقال:
مع عدم الاستعانة بأي عنصر من المقاتلين الأجانب الذين سبق لهم التعاون مع هيئة تحرير الشام، أو تعيينهم في مناصب قيادية داخل الإدارة السورية الجديدة، والمطالبة بتدمير جميع مخازن الأسلحة الكيميائية الباقية في سوريا، والتعاون بجدية في مكافحة الإرهاب.
وهي الشروط التي يبدو أن الإدارة السورية قد قررت القبول بها، والبدء في تنفيذها بمساعدة تركيا، حتى يتسنى لها المضي قدما في عملية إعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب، وإصلاح هيكل الاقتصاد، وتحديث البنية التحتية، لجذب الاستثمارات الأجنبية وإنعاش الأسواق، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها تناولت وسائل إعلام دولية وإقليمية معلومات عن وجود لقاءات مباشرة بين مسؤولين سوريين وآخرين إسرائيليين تحت رعاية تركية، في باكو عاصمة أذربيجان، وهو ما ألمح إليه جدعون ساعر وزير خارجية دولة الاحتلال، الذي ثمن هذه الخطوة وأثنى عليها، لكونها تهدف إلى التوصل لاتفاق يحقق الاستقرار الأمني والسياسي للطرفين على حد زعمه.
وقد استدل البعض على صحة هذه المعلومات غير المؤكدة حتى الآن بموافقة أحمد الشرع على تحقيق رغبة إسرائيل، وتسليمها متعلقات الجاسوس الإسرائيلي إيلى كوهين، كبادرة حسن نية اتجاهها واتجاه ساكن البيت الأبيض.
كما أعلنت القيادة السورية عدم رغبتها في امتلاك أي أسلحة كيميائية، وتعهدت رسميا في اجتماع للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي بتدمير كافة المخزون الذي احتفظ به نظام الأسد سنوات.
العقبة الوحيدة الآن التي يحتاج فيها الشرع بشدة لحنكة أنقرة، وتحركها دبلوماسيا لرفع الحرج عنه أمام واشنطن تحديدا، وتنفيذ وعدها برفع العقوبات عن بلاده، تكمن في معضلة المقاتلين الأجانب الذين شاركوا معه في معركة تحرير سوريا من نظام الأسد.
خاصة أنه قام فعلا بتعيين عدد من هؤلاء الأجانب في مناصب قيادية بوزارة الدفاع، أبرزهم قائد الحرس الجمهوري عبد الرحمن الخطيب وهو أردني الجنسية، وقائد فرقة دمشق العسكرية عمر محمد جفتشي المعروف باسم “مختار التركي”، وهو تركي الجنسية، وتراجعه عن هذه التعيينات، وإقصاؤهم من مناصبهم يمكن أن يسبب له مشكلة يصعب حلها أو معالجة تداعياتها في الوقت الراهن، خاصة بين أولئك الذين يدينون بالولاء لهؤلاء القادة.
إلى جانب هذه التطورات، كان قيام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بتوسيع نطاق خريطة تحركاتها العسكرية في مناطق دير الزور، دافعا لتوجه الشرع صوب إسطنبول، خاصة بعد أن قامت قسد بإرسال المزيد من العناصر المسلحة، والمعدات العسكرية إلى المناطق الأكثر حساسية قرب حقول النفط، وعلى ضفاف نهر الفرات، إلى جانب التصعيد الأمني، وهو التحرك الذي يخالف الاتفاق الذي سبق توقيعه في مارس/آذار الماضي بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.
كما كان للمباحثات التي أجراها إبراهيم كالن رئيس جهاز الاستخبارات التركي مع المسؤولين في دمشق دور في قرار القيام بهذه الزيارة، بعد أن تم بحث العديد من الملفات الأمنية ذات الحساسية بالنسبة لتركيا، لارتباطها بتطورات القضية الكردية لديها، وعملية السلام التي تقودها الحكومة مع عناصر حزب العمال الكردستاني، وانعكاسات هذا الأمر على وضع قسد، وآليات تسليم هذه العناصر لسلاحها، ودمجها ضمن وحدات الجيش والقوات الأمنية السورية.
إضافة إلى عودة الحديث مجددا عن مصير مقاتلي داعش وأسرهم المحتجزين في مخيم الهول، الذي يضم وفق تقارير لعدد من منظمات حقوق الإنسان أكثر من 35 ألف شخص، معظمهم من زوجات وأبناء مقاتلي التنظيم الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، إلى جانب منطقة السجون والمعتقلات التي تضم ما يقارب 9 آلاف من المشتبه في كونهم من عناصر داعش، حيث لا يزال وضع هؤلاء وأولئك، والجهة التي ستتولى إدارة هذا الملف في المرحلة اللاحقة غير واضح.
في ظل التصريحات التي تصدر عن قيادات بقسد تؤكد أن الاتفاق مع حكومة دمشق يخص فقط آلية إجلاء المواطنين السوريين إلى المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الكردية، وليس تسليم إدارة المخيم لدمشق، وهو ما يتعارض مع المقترح التركي الذي تم إبلاغه لواشنطن، والخاص بضرورة تسليم المخيم والسجون الملحقة به للحكومة السورية مع إمكانية تقديم أنقرة المساعدة اللازمة عند الاحتياج إليها.
ولوضع حل نهائي لهذه المسألة التي تقلق بال دمشق خشية عودة تهديد داعش، وعدم القدرة على مواجهة تهديدات التنظيم كان لا بد من التفاوض المباشر مع أنقرة لوضع آليات محددة للترتيبات الأمنية لكونها المعنية بصورة خاصة بمسألة تمكين دمشق من تولي المسؤولية الأمنية عن حدود الدولة السورية، خاصة في ظل رغبة واشنطن في سحب قواتها من الأراضي السورية.
تشمل هذه الترتيبات تسليم سجون داعش ومعسكرات الاحتجاز للجهات الأمنية المعنية، وتحديد المهام التي ستوكل إلى اللجنة التي تم تشكيلها، وتضم إلى جانب تركيا الولايات المتحدة وسوريا والعراق لبحث مصير مقاتلي داعش في معسكرات الاعتقال التي تديرها قسد منذ سنوات.
مع وضع الخطط الكفيلة بإدماج المكون الكردي السوري في المجتمع، بما يضمن إغلاق الحديث نهائيا عن طبيعة الحكم في سوريا سواء كان مركزيا أو لا مركزيا، والإسراع في عملية نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية، وضمها ضمن وحدات الجيش السوري، لضرب عصفورين بحجر واحد، ضمان وحدة الأراضي السورية، وحماية أمن تركيا القومي، وتبديد مخاوفها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!