محمد حسن القدو - خاص ترك برس
توارث الأتراك منذ القدم الاحتفاء بضيوفهم بطرق مبتكرة يغلب عليها الطابع البروتوكولي، ويضفي عليها طابع اجتماعي أسري لتشكل في النهاية مهرجانًا جميلًا يعطي للضيف كامل حقوق الضيافة.
أثارت مشاركة رئيس جهاز الاستخبارات القومي التركي "هاكان فيدان"، في استقبال ومرافقة الأمير تميم أمير دولة قطر الكثير من التساؤلات في وسائل الإعلام والصحافة التركية عند زيارته العاصمة التركية أنقرة، التي اعتبرتها المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس الاستخبارات بمرافقة رئيس دولة زائر إلى تركيا بالرغم من حضور عدد من الوزراء ومنهم وزير الدفاع لاستقبال الأمير الضيف.
وإذا اعتبرنا أن استقبال ومرافقة رئيس الاستخبارات التركية للأمير الضيف نوعا من التكريم الخاص للضيف العزيز فإننا سنعتبر حضور رئيس الاستخبارات والمقرب جدا من الرئيس أردوغان في الاجتماعات المغلقة بين زعيمي البلدين وبحضور رئيس الوزراء أحمد داود اوغلو حدثًا مميزا وفريدا في تاريخ العلاقات التركية مع الدول.
ومن حيث ما بدأنا ففي قراءتنا لعلاقة تركيا مع قطر نرى أن السمات الظاهرة في هذه العلاقات توحي بأنها أخوية بالتمام، فالصداقة الحقيقية والتاريخ المشرف الخالي من أية تعقيدات ومشاكل ثنائية وأهداف وتطلعات مشتركة ورؤيا موحدة للأحداث التي تدور في المنطقة.
فقطر لها دور فعال وتأثير كبير في المنطقة، حيث أن التضامن والتفاعل مع القضايا والأحداث هي من أولويات السياسة القطرية الخارجية، والمتتبع للسياسة القطرية الخارجية يلاحظ القرارات الصائبة والتوقيتات المناسبة في التفاعل مع القضايا المستجدة وكل هذا بفضل القيادة القطرية الرشيدة والحضور القوي للشيخ تميم أمير الدولة بشخصيته الكارزمية وفكره الصائب. وعلى الرغم من صغر مساحتها، وقلة عدد سكانها فإنها تلعب دورا أكبر بكثير من الدول التي تزيد عليها مساحة ونفوسا.
ومنذ البداية شكلت زيارة الأمير تميم إلى العاصمة التركية أنقرة وضع حجر الأساس لبناء علاقات متينة واستراتيجية بين البلدين دعائمها المصالح المشتركة الثابتة والأهداف الثابتة المصيرية مع الرغبة الصادقة في جعلها نموذجية ودائمة مستمرة بين الدولتين.
خلال الزيارة المذكورة يوم 19 كانون الأول/ ديسمبر 2014، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر على مذكرة تفاهم بشأن تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، على أن تتولى اللجنة دعم التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والاتصالات.
وقام الشيخ تميم بإصدار المرسوم رقم 29 لسنة 2015 م بالتصديق على اتفاق مشترك بشأن لجنة استراتيجية عليا بين دولة قطر وجمهورية تركيا وذلك خلال الاتفاق الموقّع في مدينة أنقرة، وأن تكون له قوة القانون وفقا للمادة 68 من الدستور القطري.
أعقبت هذه الزيارة الكريمة زيارة قام بها الرئيس أردوغان إلى العاصمة القطرية الدوحة وكانت زيارة عمل رسمية وإن غلبت عليها الطابع الحميمي الأخوي العائلي وذلك عندما استقبل الأمير الأب وعائلته الكريمة الرئيس أردوغان وعقيلته في قصرهما بالدوحة.
وتمت في هذه الزيارة التوقيع على خمسة عشر اتفاقية بين البلدين تشمل مختلف اوجه النشاط الاقتصادي وفي حينها صرح الرئيس اردوغان بأن أهمية الاجتماع لم تكن لأنه الأول من نوعه فقط بل كانت بسبب الخطوات الكبيرة التي قطعتها في تطوير العلاقات الثنائية أثناء هذه الزيارة. وأن الاتصالات ستستمر بين وزراء تركيا وقطر بعد الآن. وأن البلدين عازمان على الحفاظ على التواصل للوصول إلى الأهداف المنشودة.
وفي أثناء الزيارة تكفلت قطر بتأمين احتياج تركيا من الغاز الطبيعي إذا ما أقدمت روسيا على تقليل أو قطع إمدادات الغاز الروسي عنها. وتجلت العلاقات بين البلدين بتوقيعهما على اتفاق عسكري يسمح لتركيا ببناء قاعدة عسكرية في قطر وكانت قد سبقت هذه الاتفاقية العسكرية اتفاقية تدريب الجيش القطري من قبل خبراء عسكريين أتراك. وأيضا كانت إقامة معرض "التكنولوجيا المتقدمة" والصناعات الدفاعية من قبل رجال الأعمال الأتراك المستقلين "الموصياد" حيث جمعت لفيفًا من رجال العمال الصناعيين العسكريين من البلدين مع 67 شركة تركية متخصصة في الصناعات الدفاعية في العاصمة القطرية الدوحة. وفي أثناء المعرض صرح وزير الدفاع التركي بأن المعرض أقيم لأول مرة خارج تركيا وحصريا للأخوة القطريين.
أعطى هذا التوافق السياسي الرسمي بين قادة البلدين ضوءا أخضر لكافة القطاعات للعمل بمنهجية واضحة وشفافة لتقوية أواصر التعاون في المجال الصناعي والزراعي والثقافي والعسكري وباقي القطاعات الخدمية.
وأخيرا إن الحديث عن الحكمة أو الضرورة في إقامة العلاقات بين البلدين وبهذا المستوى المتقدم فكانت بسبب المشاكل والصعوبات التي تعانيها دول العالم الإسلامي وإن نجاح المساعي التركية في التغلب على هذه المشاكل يتطلب تعاونا استراتيجيا نموذجيا مع دولة تملك نفس الرؤيا وأن التعاون التركي القطري يحقق الأهداف التي وضعتها القيادة التركية أمام نصب عينيها وهذا ما صرح به الرئيس التركي أثناء زيارته إلى الدوحة، وهذا بالضبط ما تراه القيادة القطرية وأميرها المفدى.
والسؤال هنا هل هذه العلاقات هي بداية مرحلة جديدة من التفاهمات لحل مشاكل المنطقة المستعصية عبر تقوية أواصر الأخوة الحقيقية، أنا اتمنى ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس