ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
هناك شعور متزايد داخل تركيا وخارجها بأن تركيا دولة ومكانة ودورا مستهدفة من خلال سوريا، تستطيع أن تقرأ ذلك بوضوح من خلال مقالات الكتاب والمحللين عربا وأتراكا ومن خلال تعليقات الناشطين في مواقع التواصل الإجتماعي. تركيا المشروع الناجح اقتصاديا وديمقراطيا وإنسانيا وحضاريا يشكل نقطة إزعاج وقلق على المستوى الدولي شرقا وغربا. فالتجربة التركية تشكل مصدر إلهام شرقا من أذربيجان إلى تركمانستان وحتى جمهوريات القوقاز المحتلة بالقهر والدماء روسيا، أما غربيا فإن تركيا تنهي لعبة النفاق الغربي في المنطقة حيث تقوم واشنطن وحلفاؤها بدعم الدكتاتوريات في بلادنا لتعيرنا بتلك الدكتاتوريات معلنة أن إسرائيل –دولة الاحتلال والاستيطان- هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، ولترسم تركيا خيارا مميزا أمام شعوب المنطقة حيث النجاح التقني والاقتصادي ينمو مع الاستقلالية والتمسك بالهوية والمعتقد بل والرجوع للجذور والاعتزاز بها.
الكراهية الروسية والكيد المفعم بالحقد على تركيا بدا واضحا من تصريحات الساسة الروس وعلى رأسهم بوتين وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر حين انقلب أردوغان برأي بوتين وخلال أيام معدودات من رجل دولة لداعم للإرهاب وممول له ولمقترف لجريمة محاولة أسلمة تركيا. أما غربيا فقد كانت الحملات الإعلامية المحمومة على أردوغان وحزبه متوازية مع الانتخابات التركية في صيف وخريف 2015 مع اتهامات بائسة لتركيا بدعم داعش، أمور تظهر بوضوح أن الغرب مستاء من تصاعد القوة والمكانة والقدرات التركية. كما بدا واضحا السعي الأمريكي لإحراج أنقرة بمحاولة زجها في صراع عين العرب وكأن أمامها خيارين لا ثالث لهما: إما التماهي مع اللعبة الأمريكية في تشظية المنطقة أو مواجهة حملات سياسية وإعلامية كاذبة فاجرة تتهمها بالإرهاب وتصمها به.
لم تعد قراءة التناغم الأمريكي والروسي في سوريا حكرا على المحللين والمعلقين، بل أصبحت واضحة حتى لرجل الشارع. ولعل قوات سوريا الديمقراطية والتي أسستها أمريكا -لتربط الديمقراطية التي تريدها للمنطقة بالتشظي والتفتيت- ودعمتها روسيا ونسقت وقوات الأسد معها عسكريا توضح الهدف المشترك روسيا وأمريكيا والذي يستهدف ثورة سوريا ووحدتها وسعي شعبها للحرية كما يستهدف تركيا ودورها بل وحتى وحدتها من خلال تشجيع العامل الكردي الانفصالي الإرهابي في خاصرتها.
وإذا كان خير وسيلة للدفاع هي الهجوم فعلى تركيا أن تتحرك لتفرض على الأرض واقعا في عالم لا يعترف إلا بوقائع القوى وموازينها، وكلما تأخرت تركيا بالتحرك كلما تقلصت خياراتها ومساحات الحركة والمناورة أمامها. غير أن على تركيا ومن يقف بجانبها خصوصا قطر والسعودية تجنب الدخول العسكري المباشر في سوريا، فدخول الحرب ليس كالخروج منها وقد يستخدم خصوم تركيا وما أكثرهم تورطها المباشر لاستنزافها وابتزازها. بتقديري أن على تركيا –المتضرر الأكبر- مما يجري في سوريا أن تبادر مع حلفائها كالسعودية وقطر بتشكيل جيش وطني سوري نواته أو حتى قوامه العسكريين السوريين المنشقيين في تركيا والأردن، وأن يشكل الائتلاف السوري الغطاء السياسي لتأسيس هذا الجيش، وأن تتمتع قيادة الجيش من الناحية العسكرية بحرفية عالية من حيث الانضباط والالتزام العسكري والأخلاقي. وعلى أنقرة أن تكون حازمة مع المعارضة السياسية السورية التي تتحرك على أرضها بحيث تحتضن فقط المعارضة الوطنية والبعيدة عن الاستقطاب السياسي الغربي والروسي والعربي المحسوب على أحلاف الثورة المضادة.
وعلى الجيش الوطني السوري أن يتواجد على أرض سوريا الوطن بالسرعة المتاحة لوجستيا وفنيا تحت شعار محاربة داعش وكل أشكال التطرف والإرهاب وحماية جميع المدنيين وتأمينهم بغض النظر عن انتماءاتهم أو مذاهبهم. شتان بين جيش وطني يحارب دفاعا عن أرضه وعرضه وبلاده وبين مرتزقة أفغان وباكستانيين ولبنانيين يحاربون إما من أجل دولارات أو شعارات دينية زائفة فضحتها شعارات بوتين الكنسية الصليبية. الجيش الوطني السوري لن يدافع عن سوريا فحسب بل وسيدفع الضرر والحرائق والطوفان عن تركيا والسعودية والمنطقة. تركيا تحتاج في سوريا لحليف قوي متماسك يساعدها على القيام بدورها الإنساني والأخلاقي في سوريا والمنطقة. ما تستطيعه تركيا اليوم قد لا تقدر عليه غدا، وعلى أنقرة أن تواجه أعداءها وحلفاءها الكاذبين المخادعين باللغة التي يفهمونها ويحترمونها وإن لم يحبونها!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس