ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
في غضون أشهر وبما يشبه فيلم هوليودي من أفلام الخيال والعنف والرعب تحولت داعش لقوة عالمية تثير الرعب وتقلب المعادلات وتغير الخرائط وتبدل القيم وطرق التفكير وأساليب المواجهة. هل داعش كائن حقيقي وإن كان غير طبيعي نشأ في ظروف غير طبيعية؟ أم أنه يشبه بعض الجراثيم والأوبئة والتي يتم تصنيعها وتطويرها في مختبرات عسكرية تابعة لقوى عالمية متنفذة لتستخدمها بطرق وأساليب تصب في النهاية في مصالحها وضمن توجهاتها؟ أم ترى أن الأمر مزيج من ذلك وأكثر؟
من الضروري أن نتذكر أن القاعدة ونسختها الأكثر تطرفا داعش لم يكن لها وجود، لا فكر ولا ممارسة لا في العراق ولا في المنطقة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وأن هناك اتهامات جدية لعلي عبد الله صالح باستخدام القاعدة في اليمن كوسيلة سياسية وأكثر للكيد والتمكن والتمكين، وأن شارون في مطلع الآلفية وفي عهد عرفات أصر على أن القاعدة موجودة في غزة وهو ما أنكرته السلطة معتبرة الموضوع ذريعة لضرب غزة واجتياحها عسكريا.
كما ينبغي لنا أن نتذكر أن ثورة سوريا بدأت سلمية بشعارات وطنية وبقيت كذلك ولما تحولت مضطرة للعسكرة حرمت السلاح والذخيرة أمريكيا وغربيا بذريعة أن لا يصل السلاح للمتطرفين لنجد أن أكثر الأسلحة الأمريكية تطورا وصلت لداعش عبر سيطرتها على الموصل وغيرها في عملية تثير كثيرًا من علامات الريبة وإشارات الاستفهام!! وأن كثيرا ممن ذبحتهم وصفتهم داعش في العراق هم من قاوموا الاحتلال الأمريكي، وفي سوريا ممن قارعوا نظام الأسد وأثخنوا فيه. الحديث أيضا عن سقوط تدمر وأسلحتها بيد داعش وإفراغ النظام الأسد السجون من المعتقلين دون الأسلحة كما الرمادي حيث أفرغت البنوك وبقيت الأسلحة المكدسة تنتظر رجالات داعش وهو أمر أكده النائب العام لتدمر والذي أنشق بعد تسليم المدينة لداعش. الأمر اللافت أن أوباما صرح عشية الحملة الدولية صيف 2014 على داعش أن الهدف هو الاحتواء والتحجيم وليس الإنهاء والتدمير، مما يوحي أن الأمريكيين والغربيين يستفيدون من داعش من خلال فرض أجندتهم السياسية والتدخل الفظ في شؤون المنطقة وانتهاك سيادتها وتسويق الخيار الإيراني ونشر الرعب لبيع المزيد من الأسلحة ومشاريع الدمار والإعمار في المنطقة.
من يقود داعش ومن هم رجالاتها؟ وهل يعقل أن مجاهيل جماهيرهم على الأقل يخوضون معركة الأمة ويشيدون خلافتها المزعومة؟ أما في ليبيا فلم تجد داعش التي نبتت فجأة في سيرت معقل القذافي ومخابراته سوى الثوار الإسلاميين في مواجهتها أما قوات حفتر فلم تتصادم معها إلا إعلاميا وفي مواضع محدودة، الغريب أن الإعلام الغربي يسوق أن الكثير من كوادر داعش تنتقل الآن من سوريا والعراق إلى ليبيا، وهو أمر مستغرب كيف لهولاء السفر وقطع البحار والآجواء دون أن يوقفهم أحد!! وفي مصر أيضا لم تظهر داعش إلا بعد اغتيال ثورة مصر وتصفية الإسلاميين المعتدلين والذين شكل مرسي رمزهم الأساسي.
استخدمت داعش وما تزال مشرطا دمويا لتغيير خريطة المنطقة ولغما مفخخا يمزق العرب السنة ويثخن فيهم الجراح ويعمق ماسأتهم، ويحول ملايينهم إلى لاجئين مشردين، ومدنهم إلى ركام، وصورتهم من ضحايا لمشروع إيراني طائفي تطهيري إلى ذباحيين وساديين وقتلة باسأليب همجية ووسائل وحشية! والغريب أن داعش التي ترفع شعار الدفاع عن السنة واستطاعت القيام بعمليات في عدة دول عربية لم تقترب من إيران وحدودها ولم تستهدف مدنها بعلمية واحدة.
من جهة أخرى فإن الاندفاع نحو داعش والالتحاق بها من جموع من الشباب المسلم ومنهم المثقف ومن ولد وترعرع في دول غربية ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة والتأمل. وإن كان جليا أيضا أن عددا ملحوظا من الغربيين حديثي الإسلام وبعض أبناء المسلمين من حملة الجوازات الأجنبية عندهم سجلا إجراميا يريدون التخلص منه من خلال مغامرة ترد على ما يرونه عداء المجتمع وتهميشهم لهم وتدخلهم ما يعتقدون جنات النعيم. وهكذا تشمل داعش –خصوصا في الصفوف الأولى- عناصر أمنية تشمل مخابرات إيرانية وسورية ومن دول المنطقة والعالم بنسبة متفاوتة. فيما جنودها يختلط فيهم المخلص الصادق ممن أعمتهم حماسة الشعارات أو أنزلق به ضعف الوعي وهزالة العلم، أو من الساخطين على مجتمعاتهم الغربية ممن يشعرون بالتهميش وبأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية وقد حرموا جزءا من حقوقهم في العبادة والعلم (حرمان المحجبات من التعلم في فرنسا). كما يشكل الدخول إلى داعش ردة فعل من شباب الثورات ممن كانوا يؤمنون بالسلمية ليجدوا الثورات المضادة قد سرقت أحلامهم وإنساينتهم (من خلال التعذيب كما في مصر السيسي) فجردتهم من مشاعرهم الإنسانية ليجدوا أنفسهم يستمعتون بالقتل وقطع الرؤوس وتمزيق الأشلاء.
أصبحت داعش مثل الطاعون والذي لم يكتف بتمزيق المجتمعات الإسلامية والعربية بالتكفير والتقتيل وقطع الرؤوس بل وتدمير فكر وتفكير قطاع يزداد في المجتمعات الإسلامية والذي أصبح يعتنق هذا الفكر والمدمر ويؤمن به. إننا بحاجة ماسة لمواجهة طاعون داعش وطوفانها والذي تشجعه جهات خارجية وأجهزتها الأمنية وتنفخ في ناره. الفكر الوسطي والالتزام بالإسلام المعتدل والحوار الهادئ وعدم الرد على التكفير بالتكفير ورفض الظلم والاستبداد وتوحد المعتدلين والتعامل مع المغرر بهم في داعش بأسلوب يختلف عن قياداتهم من المجاهيل والقتلة والمجرمين، أبجديات أساسية للتعامل مع هذه الظاهرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس