أمين بازارجي – صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
من الصعب جدا تفهمهم، فالظروف التي عايشوها مختلفة كليا عن تصوراتنا، يقول أحدهم أمام عدسة الكاميرا: هذه تجربتنا الثالثة، في محاولتنا الأولى فقدت زوجتي وفي محاولتنا الثانية توفي ابني وهذه المرة نجحت في الوصول إلى أوروبا مع ابني المتبقي.
هذا هو الشيء الذي لم تراه أوروبا، فهذا الرجل فقد أهم ما في الحياة وقدم عزيزين عليه في سبيل الوصول إلى أبواب الاتحاد الأوروبي، ما هي القوة التي ستحول دون وصول هؤلاء الناس؟ إذا لم تقف تركيا مع أوروبا كيف سيستطيعون كبح جماح موجة الهجرة هذه؟ لقد ارتكبت أوروبا خطأً فادحًا فقد تأخرت جدًا... أوروبا الآن عاجزة بلا حول ولا قوة.
* * *
ما هي القيم العليا التي يرتكز عليها الاتحاد الأوروبي؟
أليست "الديمقراطية، الحرية وحقوق الانسان."
في الحقيقة أن مدى صدق وإخلاص الأوروبيين لهذه القيم موضوع للنقاش لكن فوق الورق نرى أوروبا تقف صفا واحدا في سبيل الدفاع عن هذه القيم ونراهم يجرون من اجتماع لآخر لمناقشة سبل حماية هذه القيم، بنفس السرعة يجري هؤلاء اللاجئين خلف ذات التطلعات والأمل والقيم التي يجري من أجلها الأوروبيين ولسان حال هؤلاء الثكلى يقول "نحن بشر ونريد الحياة" لقد هربنا من الموت ووقفنا ببابك يا أوروبا، ويوضحون للعالم أنهم يسعون إلى حياة كريمة مفعمة بالحرية داخل مجتمع ديمقراطي. فالسوريون يقولون للعالم نحن نريد لأبنائنا أن يحيوا في رفاه وطمأنينة بدلًا من حياة تحت ظل الموت وسيف الظلم. فنحن نهاجر إلى أوروبا من أجل مستقبل واعد لأطفالنا.
هل سيقفل الأوروبيون أبوابهم أمام نداء الإنسانية هذا وهل سيقولون "لا" لهذه الأحلام بالحرية والعدالة. أوروبا اليوم تمر في لحظات حرجة فعلا، "إذا ما بصقت إلى الأعلى هناك شارب وإذا ما بصقت إلى الأسفل هناك لحية".
* * *
لعل ألمانيا بقيادة ميركل وهولندا الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي أكثر الدول الأوربية وعيًا وإدراكًا لما يحصل، فهم يسعون جيئة وذهابا في سبيل التوصل إلى حل للمعضلة. لكن دولا مثل إيطاليا والمجر ليست على ذلك المستوى من الإدراك. ففي حين أن الرئيس الإيطالي رينزي لديه بعض الشروط والإملاءات لقبول العرض التركي أو بمعنى آخر يحاول البحث عن حجج واهية للتنصل من العرض نرى أن لسان حال الرئيس المجري أوربان يقول: "إذا وقعت وقبلت بهذا العرض التركي فعلقوني على حبال المشانق". ويبدو أنه لا يعي أن عدم التعاون مع تركيا والقبول بعرضها سيدفع دولته إلى وحل من المشاكل المستعصية خصوصا أن المجر من أكثر الدول حساسية وتأثرا من قضية اللاجئين لكونها تشكل ممرا في درب اللجوء.
فتركيا لو قالت "ما دامت الأمور كذلك فلتكن النتائج هكذا"... ولو قالت "لقد عانيت بما فيه الكفاية" وأفلتت الحبل وفتحت الأبواب أمام هجرة اللاجئين إلى أوروبا... ما الذي سيحصل؟
خصوصا وأن رئيس الجمهورية رجب أردوغان قد أفاد بهذا صراحة في إحدى خطاباته التي ألقاها منذ أيام إذ قال: "نحن بدورنا سنفتح الأبواب على مشرعيها وسنتمنى لهم طريق السلامة"... فعلا لو فعلت تركيا هذا ماذا سيكون موقف أوروبا وماذا ستفعل؟
ستقوم أوروبا عاجزة ومجبرة بقبول هؤلاء اللاجئين. ألم يصرح مجلس الأمم المتحدة في الأمس القريب "أن على تركيا ان تفتح أبوابها وتستقبل اللاجئين السوريين"، ألا ينطبق الشيء ذاته على الأوروبيين، أم أن الاتحاد الأوروبي سينسى مواعظه في الإنسانية وسيعطي ظهره لقوانين حقوق الإنسان، هل سيقدم على تجميع هؤلاء المهاجرين وإلقائهم في البحر مثلا...
نعم تمر تركيا في أزمة ولكن محنة وأزمة الاتحاد الأوروبي أكبر وأعظم.
* * *
لم تنجح محادثات بروكسل ولم تتمكن من إنتاج اتفاقية مع الأوروبيين، لكن تركيا لم تخسر شيئًا، ووضعنا الحالي على ما هو عليه لم يتغير.
لكن نواقيس الخطر تدق من أجل الأوروبيين الذين لم يسمعوا لنداءات تركيا إذ قالت: "انظروا، إن حزب الاتحاد الديمقراطي يمارس مجازر تطهير عرقي بحق التركمان والعرب في المناطق التي يسيطر عليها" بل إنهم وبدل تلبية النداء وإيقاف جرائم الحزب رأيناهم يرسلون السلاح والذخيرة للحزب الإرهابي. لقد ذاب لسان تركيا من كثر النداءات والطلبات التي قدمتها في سبيل إنشاء منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة ليتمكن السوريين من العيش دون شبح الموت داخل وطنهم، لكن هذه النداءات دخلت من أذن وخرجت من أخرى دون أن تحدث أي تأثير عند الغربيين.
تجمد ردات الفعل، والتجاهل والجبن هو الذي أوصل الوضع السوري إلى هذه الحالة الصعبة. ولكن الآن فوهة البنادق في فم الأوروبيين. هذه الحالة والوضع الصعب الذي تعانيه وستعانيه أوروبا لن تتمكن من مقاومته ووقفه بستة مليار أو حتى خمسين مليار يورو دون مساعدة الأتراك، فالصافرة والطبول لن تقرع لمن يمنح أموالًا أكثر، الأوروبيون وبمحض إرادتهم وقبولهم دخلوا كشريك في معمعة هذا الخطر.
مع مرور الأيام والتفكر، سيتضح للأوروبيين واقع الحال، ما زال امام أوروبا حتى السابع عشر من آذار/ مارس الجاري حتى يعيدوا التفكير وغالبا ستتضح الرؤية لديهم وستتمكن ألمانيا الدينامو المحرك في الاتحاد الأوروبي من إقناع المجر وإيطاليا وسيقابلون العرض التركي بالكثير من الإيجابية وسيوافقون على أغلب البنود وسيتم توقيع الاتفاقية.
إذا لم يحدث هذا؟
لا شيء هناك ليفقده الأتراك، فلا شيء يقض مضاجعنا ولا هم يقلقنا، أوروبا هي التي سترى ما الذي سيحصل لو لم يتم توقيع الاتفاقية...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس