تقرير أحمد عايش - القدس العربي
يزدحم الهواء في مدينة اسطنبول التركية بالعديد من الإذاعات السورية التي تعمل على مدار الساعة وينفق البعض منها مبالغ مالية كبيرة، في الوقت الذي يتساءل فيه الزائر لشوارع المدينة التركية إن كان هذا الصوت العربي يصل الى آذان من يفهمون هذه اللغة، وفي الوقت الذي ينحصر بث هذه الإذاعات في موجات الــ(FM) أو عبر الانترنت.
ورغم أن مدينة اسطنبول تعج باللاجئين السوريين والسياح العرب، إلا أن الغالبية الساحقة لسكان هذه المدينة العملاقة البالغ تعدادهم 14 مليوناً هم من المواطنين الأتراك، فيما لا تجيد الغالبية الكبرى من الأتراك اللغة العربية وبعضهم لا يتحدث الانكليزية أيضاً وسط حالة الاعتزاز بلغتهم وثقافتهم المحلية التي حرمت كثيرين منهم على الانفتاح على اللغات الأخرى.
وتحولت الإذاعات السورية في تركيا الى ظاهرة لافتة بعد أن تمكنت العديد منها من الصمود والاستمرار، فيما ظل التساؤل المفتوح يتعلق بما اذا كانت هذه الإذاعات تصل الى السوريين أم لا، وما اذا كانت أصلاً تهدف الى الوصول للسوريين في الداخل أم أنها تقدم خدماتها للاجئين السوريين المتناثرين على الأراضي التركية، والذين يعيش الكثير منهم في اسطنبول بصورة غير شرعية.
ويتجاوز عدد الإذاعات السورية المسموعة في تركيا العشر، إضافة الى قناة تلفزيونية واحدة على الأقل، تبث في النطاق الأرضي وليس الفضائي، وتصل هذه القناة اضافة الى الإذاعات المختلفة الى عدد محدود من السوريين في مدن الشمال القريبة من تركيا.
وبحسب المعلومات التي جمعتها «القدس العربي» من إعلاميين عرب في اسطنبول فإن الإذاعات السورية جميعها مؤيدة للثورة ومعارضة للنظام بطبيعة الحال، إلا أنها تتوزع الى قسمين، الأول في مدينة اسطنبول وهذه بعيدة عن الأراضي السورية، وتهدف لتقديم خدماتها الى اللاجئين داخل تركيا، اضافة الى أنها تبث عبر مواقع الكترونية على الانترنت.
أما المجموعة الثانية من الإذاعات السورية فهي التي تبث من مدينة «غازي عنتاب» مثل إذاعة «هوا سمارت» التي يصل بثها الى مدن الشمال السوري وأريافه مثل أدلب وحلب والقرى المحيطة بهذه المدن، وهي مدن خارج سيطرة النظام أصلاً، وظهرت فيها أيضاً مجموعة من وسائل الإعلام البديل وإن كانت لا تزال ذات إمكانات محدودة.
ويقول صحافي عربي يقيم في اسطنبول إن «تأثير هذه الإذاعات محدود بالتأكيد، حيث من المؤكد أنها لا تصل الى شرائح واسعة من الشعب السوري، سواء داخل الأراضي السورية أو في أوساط اللاجئين الذين يعيشون على الأراضي التركية» مشيراً الى أن غالبية هذه الإذاعات ليست مؤسسات كبيرة الحجم وإنما هي مبادرات فردية من نشطاء سوريين هربوا من بلادهم وأبدوا رغبة في متابعة ما يجري والتأثير في الحديث ولو بشيء يسير.
وبحسب الصحافي فان الإذاعات السورية المحدودة في تركيا وإن كانت ذات تأثير متواضع، فانها في الوقت ذاته ليست ذات موازنات ضخمة، وأغلب من يعملون فيها مجرد متطوعين ونشطاء سوريين، وبعضهم أصلاً لم يكونوا صحافيين، وإنما دخلوا عالم الإعلام من باب الثورة وليس من أي باب آخر.
عدد كبير
ورصدت «القدس العربي» العديد من الإذاعات السورية في هواء مدينة اسطنبول، في الوقت الذي يدور فيه الحديث عن عدد أكبر من الإذاعات في مدينة «غازي عنتاب» القريبة من الحدود السورية والتي يصل بثها الى داخل الأراضي السورية.
ومن بين الإذاعات السورية في تركيا والتي تمكنا من إحصائها: هوا سمارت، راية، راديو الكل، روزانة، إضافة الى العديد من الإذاعات الأخرى، ومن بينها إذاعات تكتفي بالبث عبر الانترنت دون أن تستخدم أجهزة البث التقليدية.
ويقول الخبراء والمراقبون إن انخفاض تكلفة تأسيس الإذاعات المحلية، وعدم الحاجة الى إمكانات كبيرة، سواء على الصعيد المالي أو التقني أو البشري، هو الذي يشجع النشطاء على تأسيس الإذاعات وإن كانت لا تصل الى شريحة كبيرة من الجمهور.
وبحسب صحافي عربي يقيم في اسطنبول فأن التكلفة المالية لتأسيس إذاعات «الاف أم» وإذاعات الانترنت لا تتجاوز الثلاث آلاف دولار في بعض الأحيان، ويمكن أن يتم الأمر بأقل من ذلك أو أكثر بقليل، مشيراً الى أن العامل الأهم من التكلفة المادية يظل التسهيلات القانونية ومناخ الحرية المتوفر في تركيا والذي لا يفرض أي قيود تذكر على هذه الأنشطة خاصة بالنسبة لإذاعات ناطقة بالعربية ومحدودة الإنتشار، وبعضها يعمل دون الحصول على أي تراخيص حكومية أو موافقات مسبقة.
يشار الى أن تركيا تتبنى موقفاً مؤيداً بالكامل للثورة السورية التي تقاتل منذ العام 2011 أملاً في اسقاط النظام السوري، وإنهاء حكم عائلة الأسد، فيما يتهم النظام تركيا بأنها الداعم والممول للمجموعات المسلحة التي تقاتل فيسوريا ضد قواته. ويوجد في تركيا حالياً أكثر من 700 ألف لاجئ سوري هربوا من بلادهم خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بحسب تقرير لمجلة «تايم» الأمريكية في شهر أيار/مايو الماضي، وهو التقرير الذي أشار الى أن 200 ألف لاجئ فقط كانوا في تركيا بداية العام 2013، أي أن عددهم تضاعف أكثر من ثلاث مرات خلال عام واحد فقط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!