ترك برس
ينتقد الكثير من المؤرخين والخبراء السياسيين اتفاقية "لوزان" الخاصة باستقلال تركيا، مدعين أن الاتفاقية لم تحقق لتركيا أهدافها المنشودة في الاستقلال والسيادة، ومؤكدين أنه لم يتم إجراء مفاوضاتها وتوقيعها من قبل هيئة مختصة بل من قبل شخصيات عسكرية لا تفقه كثيرا ً في الدبلوماسية والجيو سياسية.
وبالإضافة إلى ذلك، ظهر في الآونة الأخيرة مجموعة من المؤرخين والسياسيين الذين زعموا بأن مستشار الهيئة كان يهوديا ً، الأمر الذي أضر بشكل كبير بالمصلحة العامة للجمهورية التركية، معللين ذلك بوجود حرب ضمنية شرسة بين اليهود وتركيا، حيث رأى اليهود أن الدولة العثمانية ووريثتها الجمهورية التركية الدولتين الأكثر خطورة على مشروعها في إقامة وطن على الأراضي الفلسطينية، لذا حاولوا بذل قُصارى جهدهم لعزل تركيا عن الساحة.
وفي إطار محاولته لتسليط الضوء بشكل أكبر على حقيقة هذا الادعاء، يتناول المؤرخ السياسي "جلال طاهر" الموضوع في دراسة أكاديمية له بعنوان "حاييم ناحوم؛ الدبلوماسي والحاخام"، نُشرت في مجلة "دارين تاريخ" "التاريخ العميق" في عددها الثامن والعشرين الصادر في أغسطس 2014، حيث يشرع طاهر في دراسته بالإشارة إلى أنه لا داعي قط لإجراء دراسات استقصائية معمقة حول حقيقة كون مستشار الهيئة التركية في اتفاقية لوزان يهوديا ً، لأن ذلك وارد في كافة الوثائق التاريخية الخاصة بتلك الاتفاقية، وهو ليس بالأمر الخفي بل الأمر الظاهر.
ويوضح طاهر أن الحاخام ناحوم هو معلم "طلعت باشا" أحد المخططين والمنفذين للانقلاب العسكري الذي استهدف السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909، ومعلم "عصمت إينونو" الذي قاد الهيئة التركية في محفل لوزان المتعلق باتفاقية لوزان الخاصة باستقلال تركيا، والذي أذاق المواطنين الأتراك الأمرين ما بين عامي 1938 و1950، حيث شنق العديد من العلماء، وحول المساجد التاريخية الكبرى إلى حظائر للحيوانات، وحظر حفظ القرآن أو دراسته، ومنع ذهاب الأتراك إلى بلاد الحجاز لتأدية فريضة الحج، وغيرها الكثير من المحظورات التي عكرت حياة المواطنين الأتراك لفترة زمنية طويلة.
وفي هذا المقام، يتساءل طاهر هل ما قام به طلعت باشا وأنور باشا وعصمت إينونو وغيرهم ضد الدولة العثمانية وضد طقوس الإسلام ومعالمه جاءت بمحض الصدفة ومن دون تأثير الحاخام وغيره من اليهود الذين نشطوا داخل الدولة العثمانية في السنوات الأخيرة من حكمها؟
وفي معرض الرد على تساؤله، يؤكّد طاهر أن لليهود الأثر الكبير في دك ركائز الدولة العثمانية وهدمها، وذلك لاعتقادهم بأن الدولة العثمانية تُشكل عائق ضخم أمام هدفهم في بناء وطن يهودي في فلسطين، لا سيما بعد رفض السلطان عبد الحميد الثاني الموافقة على هجرتهم إلى فلسطين بشكل قاطع، مضيفا ً أن أكثر من وثيقة تاريخية تبيّن أن اليهود أسسوا على يد أبيهم الروحي ثيودر هرتزل مجموعة الانتقام، للانتقام من الدولة العثمانية التي حالت دون تحقيق هدفهم في استعمار فلسطين، وقد تمكنوا بالفعل من تبديد الدولة العثمانية بمساندة جهات داخلية، طلعت باشا وأنور باشا وغيرهم أحد الأمثلة الظاهرة على ذلك، وجهات خارجية مثل روسيا وإنجلترا اللتين قامتا بتفتيت الدولة العثمانية على صعيد الجبهتين البلقانية والعربية.
وبالعودة إلى الحاخام الذي أدى دور الدبلوماسي المستشار في الهيئة التركية، يوضح طاهر أن ناحوم وُلد في مدينة مانيسا عام 1873، ولكن ترعرع منذ عام 1880 في أحضان جمعية "إسرائيليتا أليانس" المتواجدة في باريس، مبينا ً أن الهدف من الجمعية هو حماية حقوق اليهود في كافة أنحاء العالم وتقوية وحدتهم اليهودية، وكانت تحرص الجمعية على استقطاب أكبر عدد ممكن من اليهود الشرقيين، خاصة المتواجدين في إسطنبول، لعلمها بحجمهم الكثيف ولسعيها في تكوين جبهة شرقية تساهم في خدمة اليهود وحقوقهم واستقبالهم في حين حدثت هجرة من روسيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى التي كانت تمارس سياسات الإقصاء ضد اليهود.
ويشير طاهر إلى أن ناحوم عاد عام 1908 إلى إسطنبول بكم هائل من القومية اليهودية، ولإلمامه الكبير باللغة الفرنسية ومادة الحقوق، تم تعيينه على الفور في مدرسة روحاني، وكما سلف ذكره، عاصره بعض الطلاب الذي تلقوا العلوم على يده، وأدوا دورا ً أساسيا ً في تقويض دعائم الدولة العثمانية، مبينا ً أن الخسائر الدبلوماسية والجيو سياسية التي مُنيت بها الجمهورية التركية خلال اتفاقية لوزان، إن دلت فإنما تدل على حجم الضرر الذي أصاب الأتراك على يد اليهود لرفضهم إقامة دولة يهودية في فلسطين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!