ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
بعد أن قرأ فنان كوميدي الماني يدعى يان بومرمان قصيدة ساخرة تضمنت إشارات جنسية لأردوغان عبر شاشة القناة الثانية بالتلفزيون الألماني، رصدت المجلة البريطانية "سبيكتاتور" جائزة مالية لمؤلف أشد قصيدة مسيئة عن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان. الحدثان ليسا في معزل عن حملات كراهية وحقد محمومة ومسمومة غربيا وروسيا ضد تركيا وأردوغان وصلت لحد التحريض السافر على الانقلاب العسكري كما فعل السيناتور الأمريكي مايكل روبن، والمسؤول السابق بوزارة الدفاع من خلال مقال له في موقع إنتربرايز للأبحاث السياسية العامة شهر آذار/ مارس الماضي جاء فيه أن "جهات سياسية أمريكية مستعدة بالاعتراف بأي انقلاب يستطيع الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
التدخل في الشأن التركي والحقد على أردوغان كان سافرا بل وسافلا في وسائل إعلام غربية خلال الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في صيف وخريف العام الماضي، بل إن تلك الحملات المحمومة على الرجل وحزبه وصلت لوسائل إعلام عربية اللسان، ليكودية الهوى والبيان. الطريف أن وسائل الإعلام العربية تلك والتي تمولها أنظمة مغرقة بالفساد والاستبداد والتبعية كانت تتهم الرئيس المنتخب بالاستبداد والفساد. لماذا هذا الحقد على تركيا؟ وهل يهاجم الغرب الزعيم التركي فعلا لإنه يضيق على الحريات لمجرد محاكمة صحفيين يثيرون القلاقل أو مقاضاة وسائل إعلام ممولة من الخارج وتحرض على مواجهة الدولة خارج الأدوات الديمقراطية والقانونية؟ الإجابة بالتأكيد لا، وإلا لماذا تنال تركيا هذا الهجوم فيما تقيم دول غربية علاقات وثيقة مع أنظمة انقلابية متورطة بالقمع والقتل والتعذيب والذي تجاوز حدود مواطنيها ليقع على باحث إيطالي شاب كما حدث في مصر السيسي.
حين رفعت العقوبات الدولية على القذافي بعد تسوية قضية الإرهاب على حساب أموال الشعب الليبي، تقاطر إلى طرابلس زعماء غربيون لعقد الصفقات التجارية بل إن بعضهم بالغ بالإشادة والمديح في القذافي، حتى أن توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وقتها وصف القذافي بالشجاعة والحكمة. وحين مات الدكتاتور حافظ الأسد سفاح حماة 1982 نعاه كثير من زعماء العالم والغرب وبكوه وشارك في جنازته مسؤولون غربيون كثر منهم وزيرة خارجية الولايات المتحدة حينها مادلين أولبرايت والتي أعربت عن إعجابها بسلاسة انتقال السلطة من خلال توريث الهزلي وكأن سوريا مزرعة لعائلة الأسد.
الغرب الذي تغزل بالقذافي -والذي وضع ليبيا في دهاليز التاريخ- بعد مقايضاة تهم الإرهاب بالمال الليبي، ونعى السفاح الأسد واصفا إياه بالحكمة والمقدرة الدبلوماسية وهو من دمر مستقبل سوريا وأجيال من أبنائها، هو نفسه من يهاجم أردوغان وحزبه واللذان صنع المعجزة التركية محولان تركيا وخلال عقد من الزمان من دول تتخبط بالفشل والفساد إلى قوة إقليمة ناهضة، ومن دولة مدينة إلى دولة تقدم الديون والمساعدات وتتبوء موقعا متقدما في اقتصاديات العالم.
الحقد الغربي على أردوغان سببه أن تركيا في عهده برهنت على إن الإسلام ليس نقيض الحرية والتقدم بل على العكس، تشكل القيم الإسلامية حافزا وموجها للنهضة والتطور والارتقاء. بل إن تركيا نجحت في الاختبار الإنساني في اللجوء السوري حين فشلت وسقطت أوربا والعالم، وتفوقت في القيم والديمقراطية على الغرب إذ تمسكت بها في حالة انقلاب السيسي الدموي فيما أظهر الغرب سقوطا ونفاقا وانهيارا أخلاقيا فاضحا وواضحا. الغرب الذي يدعم الدكتاتوريات في بلادنا ثم يعيرنا فيها ليزعم أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، مستاء من النموذج التركي الذي يفضح نفاقهم ويظهر أن الديمقراطية الوحيدة والحقيقية في المنطقة هي تركيا والتي لا تحتل أرضا ولا تنتهك للإنسان كرامة، سواء كان من مواطنيها أو من غيرهم كما تفعل إسرائيل مع الفلسطنيين الأبرياء.
كراهية الغرب لأردوغان مرده نجاح الرجل وبلاده ووقوفه بكرامة وإباء في الدفاع عن مواطنيه وكرامتهم وعن مصالح بلاده، فأنقرة اليوم تفاوض الإتحاد الأوربي، مفاوضة الند للند. الغرب يريد لبلادنا زعماء مستبدين يحققون مصالحه الاقتصادية والعسكرية وتفوقه الأخلاقي علينا من خلال معاملة أولئك الطغاة لمواطنيهم باستبداد وامتهان واستعلاء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس