محمد عمر زيدان - خاص ترك برس 

في خضم الأحداث المأساوية التي يعيشها الشعب السوري من آلام الغربة والقتل والتشريد وآمال إزاحة طاغية دمشق عن سدة الحكم تدخل الثورة عامها الخامس ولا بصيص أمل في إيجاد حل عسكري، وليس هناك أي بارقة يمكن للمتتبع من خلالها أن يحدد ما سوف يؤول إليه المستقبل في سوريا بعد أن كثرت أيدي العابثين وتعددت الفصائل وتنوعت أهدافها، ففي بداية الأزمة كان هناك فريقان: فريق المعارضة ممثلة بالجيش الحر، والنظام ممثلًا بجيش الأسد ولكن سرعان ما تغيرت المعادلة وتغير اللاعبون فبعد أن كانوا طرفين أصبحوا أطرافًا متعددةً وكثرت الخيوط التي تحرك الدمية السورية وبعد أن كان الجيش الحر مدعومًا عالميًا وإن كان الدعم إعلاميًا إلا أن هذا الدعم كان يعطيه شرعية وتشكلت من أجله جبهة أصدقاء الشعب السوري إلا أن المعادلة بقيت على حالها لأن اللاعبين الأساسيين لم يريدوا حلها إلا على طريقتهم.

وبالمقابل وقفت جهات متعددة مع نظام الأسد في وقوف ظالم متجاهلين إرادة الشعب السوري  في التغيير وكان أول هذه الجهات الجمهورية الفارسية والميليشيات الشيعية التي جاءت من كل حدب وصوب بناء على تعليمات من دولة فارس المجوسية وعلى الرغم من عدم وجود  قواسم مشتركة بينهم إلا المصالح، لا كما يفهمها البعض بأن عنصر المذهب ما يجمعهم.

وفي ظل احتدام الموقف في سوريا دخلت على مضمار الثورة أيادي جديدة وهذا مما أفرز فصائل جديدة دعمت ماليًا وعسكريًا من قبل من مولها وهذا مما أحدث شرخًا في مكون الجيش الحر وبالتالي تغير الهدف وإن كان الكل مجمعين على مقاتلة بشار الأسد إلا أن الأهداف غير المعلنة كانت كثيرة وللأسف كل هذه الفصائل كانت إما بمسميات إسلامية أو بشعارات إسلامية والإسلام منهم براء وهذا مما صدقه الواقع من ممارسات هذه الفصائل من أعمال منافية للإسلام والأخلاق لا مجال لسردها الآن.

عداك عن ظهور بعض الفصائل التي تمتعت بقوة وشوكة معينة فعدت نفسها حامية الحمى الأولى وأنها صاحبة القول الفصل ويحق لها ما يحق لغيرها وظهر جليًا من خلال شعاراتها تغير الهدف فبعد أن كان الهدف إسقاط طاغية دمشق أصبح الهدف قتال العالم الكافر المتذبذب وهذا مما حذا بكثير من الدول الداعمة إلى الكف عن إرسال دعمها لفصيل الجيش الحر وخاصة العسكرية مخافة أن تسقط هذه المساعدات بأيدي الجماعات المتطرفة على حد قولهم.

وهذا ما دفع روسيا إلى إعلان الوصاية على مكون من مكونات الشعب السوري (المكون النصيري) وعلى زعيمه بشار الأسد لكونه قاصرًا لم يبلغ سن الحلم من جهة ومن جهة أخرى وصية أبيه المقبور للروس بالحفاظ على الإرث التاريخي للعائلة الكريمة التي أفنت نفسها ومقدرات بلدها في خدمة الروس ولعق أحذيتهم، ولهذا جاء التدخل الروسي السافر لسورية بحجج واهية منها محاربة الإرهاب وعدم سقوط رئيسها والحفاظ على مصالحها وأن تدخلها شرعيًا بطلب من رئيس الدولة ولكن سرعان ما بدأ الروس يتصرفون بسورية على أن البلد بلدهم والحرب حربهم ومضوا بقتل السوريين بحجة قصف الجماعات التكفيرية.

كل هذه الأمور التي يمكن تصورها هي أن روسيا بتدخلها تحافظ على أمنها القومي وتحمي مصالحها الاستراتجية ولكن الأمر غير المتصور وغير المفهوم هو كمية الإهانات التي وجهتها روسيا لوصيها قاصر سورية عبر وسائل إعلامها أو مسؤوليها وبدأت أولى هذه الإهانات من خلال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عندما قال: "إن ما يدلي به بشار من تصريحات لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد وإن ما ينبغي التركيز عليه هو ما سيقوم به بشار في نهاية المطاف"، وأضاف  قائلا: "إن السلطات السورية ينبغي أن تحذو حذو روسيا وإن الشعارات التي يطلقها بشار هي شعارات للاستهلاك المحلي". هذه التصريحات تعطي صورة واضحة للعالم بأن القرار السوري أصبح بيد الروس وقاصر سوريا لا يملك من الأمر شيئًا. وتوالت الإهانات عبر صحيفة روسية على لسان رئيس مركز كارنيغي في روسيا أليكسي مالاشينكو عندما وصف الأسد بذيل الكلب، هل يوجد في التاريخ إهانة أكبر من تلك الإهانة؟ ومن قبل كان يتغنى الإعلام السوري كل يوم بصداقتهم ومحبتهم.

وها هو الإعلام الروسي الناطق باللغة العربية يمعن في إهانة الأسد ولكن هذه المرة عن طريق زياد سبسبي نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفدرالية الروسي وهذا الرجل من أصول سورية حتى لا يقال بأن الإعلام الروسي متجنٍّ على الأسد، فقد قام زياد بنشر مقالته "فزلكة مصطلحات أم مصير شعب"، وفي هذا المقال من أوله إلى آخره تهكم على بشار الأسد وتصرفاته وتلاعبه بالألفاظ وهذا مما يؤيد نظرية إمعان الروس في إهانة وصيهم، ومما زاد الطين بلة ما تناقلته وسائل الإعلام بأن الزيارة الأخيرة لبشار إلى روسيا كانت على متن طائرة شحن روسية وهذا يعني تعامل الروس مع الأسد على أنه صفقة تجارية، ظنوا بداية أنها رابحة ولكن ما لبثوا أن اكتشفوا بأنهم خدعوا وما رهانهم إلى على حمار كسرت رجله لا يستطيع اللحاق بالأصائل في الميدان ولهذا أسرف الروس  بإهانة الأسد وخاصة في الفترة السابقة عندما استدعي بشار إلى قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا وهو لا يعلم من سيقابل وفجأة يظهر أمامه وزير الدفاع الروسي  الذي أجلسه في قاعة ولم يسمح بالدخول معه إلا مترجم في انتهاك واضح للأعراف الدبلوماسية والعادات السياسية فبدل من أن يستقبل رئيس الدولة من هو أصغر منه في قصر الشعب أو المؤتمرات تنقلب الآية ويستدعى للتحقيق معه في قاعدة عسكرية وما عليه إلا تلقى الأوامر والانصياع لها. كل هذا فقط ليثبت الروس للعالم أنهم اللاعب الأساسي الذي لا غنى عنه في سورية وأنه لا يوجد أي حل سواء عسكري أو سياسي إلا عن طريقهم.

وبعد كل هذا الذل والهون من يتجرأ على وصف هذا الإمعة برئيس دولة والحقيقة الجلية ما هو إلا زعيم عصابة أو قاطع طريق ولهذا إن كانت روسيا جادة في المضي في دعم صبيهم فسيكون اختيارهم خاطئ وستندحر كما اندحر من قبل في أفغانستان  وما إن أبصرت النور المستقبلي واقتنعت بأن صبيهم وسخة علقت بثوبهم بالخطأ ويمكن لأي منظف بسيط أن يزيله فستكون شريكة في رسم خارطة للدولة السورية الحديثة  ومن ثم تعود سوريا لكل السوريين بعيدة عن المحاصصات الطائفية والأقوى للكفاءات والنخب العلمية المثقفة التي سوف تبني تاريخ سوريا الجديد.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس