ماكسيم ترودوليوبوف - مركز كينان - ترجمة وتحرير ترك برس
يجب أن يكون هناك شيء كبير وهام في جوهر العلاقة التي يكون فيها كل من تركيا وروسيا قادرين على التغلب على الألم الذي يتسببان به لبعضهما مرارًا وتكراراً. روسيا وتركيا تاريخيًا خصمان وحديثًا حليفان فاعلان.
في حين ترسل الولايات المتحدة إشارات متضاربة بشأن سياستها في سوريا، تتفاوض كل من تركيا وروسيا وإيران على الإطار العملي للتعايش السلمي في المنطقة التي تمزقها الصراعات الدولية والطائفية. يبدو أن روسيا وتركيا على وجه الخصوص قد وجدتا وسيلة لتعقب أهداف أكبر في حين تتفقا على ألا تتفقا على العديد من المصالح المتباينة التي من شأنها أن تفرق بين البلدين.
التاريخ المشترك بين البلدين قاس وعنيف. حيث اشتبك البلدان باستمرار وشنا حربًا على بعضهما البعض مرة كل ربع قرن عندما كانتا لا تزالان إمبراطوريتين. وقد انجذبت روسيا وتركيا تجاه بعضهما البعض خلال الأوقات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وكان ذلك لأسباب اقتصادية، ولكن ابتعدا عن بعضهما البعض عدة مرات في السنوات الأخيرة. حيث تدعم روسيا وتركيا قوى متعارضة في سوريا. ورغم ذلك قربتهما بعض القوى الكبرى مرة أخرى.
في يوم الخميس قصفت قاذفة روسية - تعمل في المنطقة في مدينة الباب السورية، التي يُقال أنها تستهدف جهاديين - المبنى الذي تنتشر فيه قوات تركية. أدى الهجوم إلى مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة 11 جنديًا. وكانت هذه أحدث حلقة في سلسلة وقوع حوادث "النيران الصديقة" التي توجب على الجانبين استيعابها.
في محادثة هاتفية مع نظيره التركي، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن "حزنه وتعازيه" على الحادثة. وقال إن الجانبين بدءا تحقيقًا في الحادثة.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، هاجم ضابط شرطة تركي متطرف بالرصاص وقتل أندريه كارلوف السفير الروسي إلى تركيا. كان كارلوف السفير الروسي الرابع الذي قُتِلَ أثناء أداء واجبه. ومع ذلك، تجنب البلدان حتى صدعًا طفيفًا. قال المتحدث باسم بوتين: "ربما كانت الحادثة محاولة للوقيعة بين روسيا وتركيا. ولكن ستتعاون بلدانا بطريقة أوثق وأكثر فاعلية ضد أولئك الذين نفذوا هذا الاستفزاز".
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أسقطت تركيا القاذفة المقاتلة الروسية التي دخلت مجال تركيا الجوي. وقد حدث شيء مشابه بين روسيا وعضو حلف شمال الأطلسي في خمسة عقود مضت على الأقل. ودعا بوتين حادثة إسقاط الطائرة المقاتلة بـ "طعنة في الظهر"، وتوقف الزعيمان عن الحديث مع بعضهما البعض، عندما ردت روسيا- التي تعد سوقًا رئيسيًا للسلع والخدمات التركية - بفرض عقوبات اقتصادية على جارتها الجنوبية. واستغرق الأمر ما لا يقل عن عام ونصف العام من الدبلوماسية بين البلدين لإصلاح العلاقة.
اعتذر الرئيس رجب طيب أردوغان عن الحادثة التي وقعت في حزيران/ يونيو عام 2016. وفي الشهر التالي، أصبحت تركيا مسرحًا لمحاولة انقلاب عسكري، اتخذ خلالها الكرملين موقف الحكومة الجالسة بشكل لا لبس فيه. وذكرت تقارير أن الاستخبارات العسكرية الروسية قد مررت إلى الجانب التركي تحذيرًا بخصوص الانقلاب الذي وقع، وهو الأمر الذي لم يتم تأكيده أو نفيه. في أعقاب الانقلاب الفاشل أصبحت العلاقة بين البلدين أوثق وأقوى: خلافًا لشركاء تركيا الغربيين، لم يشكك ويرتاب الكرملين أبدًا من حملة أردوغان الواسعة في التطهير في وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية وغيرها من مؤسسات المجتمع التركي التي اعتبرتها أنقرة متواطئة مع الانقلاب.
وأطلع ألكسندر دوغين، الكاتب السياسي الروسي المحافظ المتشدد وزعيم ما يسمى حركة أوراسيا الدولية "بلومبيرغ" مؤخرًا أنه قد لعب دورًا رئيسيًا في إعادة التقارب الروسي التركي. وكتب دوغين في "بلومبيرغ": "عن سعادته لمشاهدة روسيا وتركيا تمسكا بزمام الأمور في حل الأزمة السورية، وفي تنحية الولايات المتحدة عن المشهد".
ربما تتراجع الولايات المتحدة أو لا تتراجع عما تفعله في المنطقة، ولكن التعاون الروسي التركي على الأرض في سوريا تطورًا كبيرًا ونذيرًا ممكنًا لتعليم القوى الإقليمية كيفية بناء علاقات مع الولايات المتحدة أو إرسال رسائل متضاربة لشركائها الدوليين.
وقد أشار ترامب أنه سيركز على محاربة داعش في حين يكون أكثر استيعابًا لروسيا، وبالتالي لدعم روسيا للديكتاتور السوري بشار الأسد. لكن قال الرئيس الأمريكي أيضًا إنه مصر على احتواء إيران - الحليف المفضل لسوريا وروسيا في المنطقة. وأفادت تقارير إخبارية: تتحرى حاليًا إدارة ترامب طرق إبعاد روسيا عن إيران، ولكن لا يبدو ذلك رهانًا سهلًا. ولتعقيد الأمور أكثر، تحالفت الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية YPG.
في كانون الأول/ ديسمبر، أعادت تركيا - التي هي في الأصل معارضة لبشار الأسد - الكفة لصالح النظام السوري من خلال تمكين قواته المسلحة السورية المدعومة من قبل القوات الجوية الروسية، من استعادة حلب. والمحطة التالية هي مدينة الباب شمال سوريا التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش.
أبرمت روسيا وتركيا على ما يبدو صفقة ليست واضحةً تمامًا، حيث قالت صحيفة نيويورك تايمز: "اتفقت روسيا وتركيا أن القوات الموالية للحكومة، وليس الثوار، ستدخل المدينة". وذكرت صحيفة فيدوموستي الروسية: بينما القوات السورية المدعومة من روسيا تقترب من الجنوب، من المرجح أن تسيطر القوات المدعومة من تركيا على المدينة. وتقول الصحيفة في مادة بعنوان: "روسيا وتركيا تنحتان في شمال سوريا". هذه هي الصفقة الروسية - التركية.
وتقود روسيا أيضًا جهودًا دبلوماسيةً دوليةً للتوفيق بين مصالح المتاهة لوكلاء وجماعات متعارضة تقاتل على الأرض. وبكل وضوح تنوي روسيا البقاء في المنطقة. وهذا هو أحد الأسباب في أنها ستعمل بشكل أوثق مع تركيا وليس مع الولايات المتحدة. ويبدو أن الأسباب في معظمها واقعية وسلبية في طبيعتها. فحتى أنظمتهما السياسية تتقارب: حيث يبدو أن أردوغان يتعلم الكثير من بوتين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس