متين غورجان - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس

يزور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون تركيا، وهو يحمل حقيبة مليئة بملفات ثقيلة تتعلق بالقضايا الرئيسة التي تسعى الولايات المتحدة وتركيا سعيا حثيثا للتوصل إلى تسوية لها.

زيارة تيلرسون ولقاؤه المسؤولين الأتراك أول لقاء يعقد على مستوى عال بين مسؤولي البلدين منذ أن انتقل الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني، ومن المؤكد أن الزيارة هيمنت عليها ثلاث قضايا رئيسة تشكل حاليا الديناميات السياسية في الشرق الأوسط:

أولا على الرغم من أن المعركة ضد تنظيم الدولة (داعش) وصلت إلى مرحلتها النهائية، فإنها أبعد ما تكون عن الانتهاء، وبدأت جميع الأطراف العالمية والإقليمية وحتى المحلية في الشرق الأوسط تراجع مواقفها، وتوضح أنها لا تريد عودة تنظيم داعش إلى الوضع السابق.

ثانيا، أصبحت إيران لاعبا أمنيا قويا جدا في الشرق الأوسط، حيث قامت بسد الثغرات في قدراتها الردعية العسكرية التقليدية بوسائل غير تقليدية، مثل دعم الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن والحفاظ على برامجها الطموحة للتسليح.

ثالثا، فإن الولايات المتحدة تنسحب تدريجيا من الشرق الأوسطـ ولاسيما في مجال الأمن والدفاع ، وهذا الانسحاب يسمح لروسيا بتعزيز مكانتها في المنطقة.

ويمكننا أن نفترض أن تناقش هذه القضايا الثلاث خلال زيارة تيلرسون لتركيا. ولكن نتيجة هذه الزيارة المهمة ستشكلها قمة أولويات واشنطن. وعلى ذلك دعونا نغوص في الحقيبة التي أعدها تيلرسون لزيارته تركيا، ونحاول فهم أي من هذه القضايا الثلاث الرئيسة سيكون له الأولوية في جدول الأعمال الأمريكي.

تحديد العدو الرئيس في المنطقة

تود تركيا أن تعرف، أولا وقبل كل شيء، هل سيركز تيلرسون على مكافحة داعش أم أن الولايات المتحدة تخطط لاحتواء النفوذ الإقليمي لإيران. هذا السؤال مهم للغاية لأنقرة؛ لأنه إذا قررت إدارة ترامب إعطاء الأولوية لمواجهة إيران في المنطقة، باستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر، فإن تركيا ستكون، بلا شك، واحدة من حلفائها الرئيسيين في هذه المعركة، وبالتالي ستزدهر العلاقات التركية الأمريكية.

لكن اذا قررت الولايات المتحدة اتباع نهج "داعش أولا" في الشرق الأوسط ، وظهر تيلرسون في أنقرة بحقيبة مليئة بخطط "القضاء على الإسلام الراديكالي" مهما كانت التكلفة، فإن العلاقات التركية الأمريكية قد تتعرض لمزيد من التوتر.

حدث تصدع واضح في الآونة الأخيرة بين الولايات المتحدة وتركيا نتيجة لدعم واشنطن الواضح لوحدات حماية الشعب في الحرب ضد داعش. وترغب تركيا في أن تتخلى الولايات المتحدة عن علاقاتها مع وحدات حماية الشعب تماما، لأن وحدات حماية الشعب مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تدرجه الخارجية الأمريكية ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وقاد تمردا دمويا طويلا دام أربعة عقود في داخل تركيا.

وقد أوضحت تركيا مرارا وتكرارا أنها لن تسمح لوحدات حماية الشعب بقيادة الهجوم المتوقع على الرقة ضد تنظيم الدولة. غير أن جميع الدلائل على الأرض تشير إلى أن أنقرة لم تتمكن من تزويد واشنطن بخطة عملية تستثني وحدات حماية الشعب من المعركة المتوقعة في الرقة.

وبالتالي فإن زيارة تيلرسون ستكون الفرصة الأخيرة لأنقرة لإقناع الولايات المتحدة باستبعاد وحدات حماية الشعب، والتركيز على العمل على خطة بديلة لهزيمة تنظيم داعش تضم  مشاركين مختلفين وحلفاء محليين ترضى بهم تركيا.

تحالف تركيا غير المتوقع مع روسيا

ملف آخر يتوقع أن يناقشه تيلرسون ويثير قلق أنقرة، وهو الملف المتعلق بروسيا، فهل سترحب إدارة ترامب بالهيمنة الروسية في المنطقة أم أنه لا يمكن تجنب المواجهة بين القوتين؟

تسعى أنقرة، نتيجة لزيادة عدم الثقة في حلفائها الغربيين التقليديين، إلى إضفاء الطابع المؤسسي على "تحالفها غير المتوقع" مع روسيا. لكن موسكو قد تطلب من أنقرة من أجل تعزيز هذا التحالف الهش تغيير توجهها الجيوسياسي التقليدي (الناتو) والجغرافيا الاقتصادية. ومن شأن هذا التغيير الجذري في موقف تركيا الدولي أن يدفع الاتحاد الأوروبي والناتو إلى أزمة تتسم بعدم اليقين، وتدرك واشنطن بوضوح هذا الخطر.

السؤال المهم هو إلى متى ستتمكن تركيا من إدارة المصالح المتباينة للولايات المتحدة وروسيا؟ وسواء اختارت تركيا التعاون الوثيق مع روسيا أو الولايات المتحدة في شمال سوريا، فهذا ليس قرارا روتينيا في السياسة الخارجية، ولكنه قرار كبير من شأنه أن يحدد بالتأكيد المسار الذي ستتبعه تركيا في السنوات القادمة.

توافق صعب

وبشكل عام، يبدو أن أنقرة وواشنطن تركزان فقط على مصالحهما المباشرة، وتتجاهلان إلى حد ما التغييرات الهائلة التي تجري حاليا في الشرق الأوسط. وبحسب ما نرى فإن أنقرة وواشنطن لا تعملان على تشكيل آلية مشتركة لإدارة وتنسيق الواقع الجديد في المنطقة على أساس الإجراءات على أرض الواقع بدلا من الكلمات.

هذا التجاهل سيسبب بطبيعة الحال المزيد من الأزمات، والمزيد من الارتباك، وربما سيسبب الأسوأ تفكك كامل للثقة في العلاقات الأمريكية التركية. 

إن النموذج القائم في الشرق الأوسط الأوسع حاليا أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، حيث تعمل جهات فاعلة متعددة على مستويات متعددة، استنادا إلى مصالحها المتضاربة. وهذا يسبب حيرة ومشاكل للولايات المتحدة وتركيا في تحديد المحاور المناسبة.

وأعتقد أنه لا تيلرسون، ولا نظيره التركي، أعدا ملفا عن "كيفية تحديد محاور صحيح؟" لاجتماعهم القادم. ويبدو أن الطرفين يفقدان ببطء شهيتهما للعمل من أجل التوصل إلى حل توفيقي يرضي المصالح الأمريكية والتركية في المنطقة.

لذلك فإن كل ما يمكننا القيام به في الوقت الراهن هو أن نأمل أن يحمل تيلرسون قبل مجيئه إلى تركيا حبوبا مشهية في حقيبته، إلى جانب الملفات الإشكالية والمعقدة عن داعش وإيران وروسيا. والأمر متروك لتيلرسون في تحفيز شهية حليفه التركي للتعاون، لأنني متأكد أن أنقرة لم يعد لديها حبوب محفزة تقدمها للولايات المتحدة.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس