أندريس مورينزا - البايس الإسبانية - ترجمة وتحرير ترك برس
على الرغم من معارضة البلدان الأوروبية للرئيس التركي، إلا أنه لا يمكن إنكار الدعم الذي يحظى به أردوغان والقاعدة الجماهيرية العريضة التي تسانده، إذ أن حوالي نصف الشعب يكن حبا جما للزعيم التركي. علاوة على ذلك، فإن جزءا كبيرا من الأتراك، يدعم الإصلاح الدستوري بقيادة أردوغان، الذي من المؤكد أن يحقق نجاحا باهرا في يوم 16 نيسان/ أبريل الجاري. فمن يدعم أردوغان؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، قامت صحيفة البايس بجولة في تركيا، لفهم سر هذا الدعم، الذي يحظى به الزعيم التركي.
الجذور: القرية التي لم ينساها الرئيس التركي
بين الجبال ومزارع الشاي، تتمركز قرية دومانكايا، أرض أجداد أردوغان. وفي هذا المكان، بحثنا عن جذور والأصول المتواضعة لشهرة الرئيس التركي.
فوق صخرة وبين عدة أكواخ في قرية دومانكايا التابعة لمحافظة ريزه، المحاطة بمزارع الشاي التي تنتشر في أسفل سفح التلة؛ توجد مقبرة عائلية صغيرة، تحمل شواهد القبور فيها اللقب الأكثر شهرة في تركيا. وفي هذه المقبرة، هناك أمر لافت للانتباه: وهو قبر يحمل اسم "الطيب أردوغان". وعند التثبت في التواريخ "1884-1908"، فسيتبين للمشاهد أن المتوفى ليس الرئيس التركي، بل هو جده... ومن هنا، تبدأ ملحمة الشخص الذي يحكم تركيا بقبضة من حديد، ويحدد مصير البلاد الأوراسية.
بين هذه المنازل المتواضعة، يعيش رجلان، يعرفان بحسن الضيافة ويقدمان الشاي لجميع الزوار. وعند الحديث معهما، لم يخفي الرجلان إعجابهما بالصفات الحسنة التي يتمتع بها رجب الطيب أردوغان. وخلال الحديث مع عصمت أردوغان، أحد أقارب الرئيس التركي الحالي، قال إنه "لا يوجد رجل آخر مثل الطيب رجب أردوغان. ويتمثل الفرق بيننا وبينه في أن بإمكاننا ارتكاب أخطاء، أما هو، فلا يخطئ. كما أننا لم نر على الإطلاق حاكما مثله في تركيا. إن حبه لهذا البلد، مثل حب الأب لأبنائه".
ومن جهته، قال السيد يونس، عم أردوغان، "أنا فخور جدا بالرئيس التركي. أتمنى أن يطيل الله عمره". وبعد أن عاد من المهجر في ألمانيا، حيث عمل كثيرا في مصانعها، كرس هذا الرجل المتقاعد حياته للعناية بالمقبرة. كما يواصل كلا الرجلان العيش بتواضع في هذه المنطقة، بنفس طريقة عيش أسلافهم، وأضاف عصمت: "بقدر ما تقدمه لنا الدولة من اهتمام، سنواصل العيش هنا". وخلال هذا الحوار لم يخف الرجلان حبهما الصادق لزعيم البلاد، الذي ينتمي إلى عائلتهما.
وفي الإجمال، فإن شهرة الرئيس التركي وحب الناس له، ينتشران حتى في المدن المجاورة للقرية. وامتد صيته أيضا في المناطق القريبة من بلدة "جيونيسو"، التابعة إداريا لدومانكايا، مسقط رأس والدة أردوغان، تنزيل. وفي كل مكان من هذه القرى، تُلمح صورة واسم أردوغان، وكذلك اسم والديه. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الصور لا تنتشر فقط في الجامعات، مثل جامعة "الطيب رجب أردوغان" في ريزه، أو المؤسسات الرسمية؛ وإنما تعلق أيضا في منازل المتساكنين، التي ترفع أيضا في شرفها أعلام تركيا. وفي هذا الصدد، علق رئيس بلدية جيونيسو، خليل توران، قائلا: "أنا متأكد أن نصف متساكني كيونيسو على استعداد لتقديم أرواحهم لأردوغان، إذا تطلب الأمر القيام بذلك".
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو "ما السر في ذلك؟". يزعم الكثيرون أن الدعاية الحكومية تسعى دائما إلى تلميع صورة أردوغان، لكن في واقع الأمر، تقف وراء نجاح وشهرة الرئيس التركي، أصوله المتواضعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أردوغان نشأ وترعرع في حي قاسم باشا. وهو حي شعبي في إسطنبول، بعيد جدا من الناحية الاقتصادية عن الأماكن التي ينتمي إليها أولئك الذين كانوا يحكمون قبضتهم على مقاليد الحكم في البلاد، قبل قدوم أردوغان.
أما والد أردوغان، فينحدر من قرية دومانكايا، التي تمتد بالقرب من جبال محافظة ريزه، وهي منطقة تشبّه بمدينة غاليسيا الإسبانية. كما تشتهر هذه البلدة بالطابع الموسيقى الخاص بها، ومخازن الحبوب. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المنطقة هي من القرى الفقيرة والمحافظة، التي لا زال سكانها متشبثون بأساطيرها ومحافظين على عاداتهم.
وفي ذلك الوقت، هاجر أحمد أردوغان إلى إسطنبول هربا من البؤس والفقر، في هذه الفترة التي لا زالت لم تزدهر فيها زراعة الشاي، التي تؤمّن اليوم حياة سكان منطقة ريزه. وفي المقابل، فإن بعض الباحثين تحدثوا عن إمكانية مشاركة أب أردوغان في انتفاضة الأئمة ورجال الدين سنة 1925 ضد الإصلاحات العلمانية الأولى للجمهورية التركية. وفي ذلك الوقت، سحقت أنقرة هذه التحركات، أما اليوم، فإن شيوخ القرية لا يحبذون الحديث عن تلك الأحداث القديمة.
وروى رئيس بلدية جيونيسو، خليل توران، أنه "على الرغم من انتقال أحمد أردوغان إلى إسطنبول، إلا أنه لم يقطع العلاقة التي تجمع بينه وبين القرية. وبصفة دورية، كان الطيب أردوغان يزور مسقط رأسه خلال العطل المدرسية ويتردد على مساجدها ويشارك في دورات تدريس القرآن".
وبالإضافة إلى ذلك، كان أحمد أردوغان يساعد شقيقة الذي يكبره بحوالي ثلاثين سنة، في مشروعه الذي افتتحه في جيونيسو في إسطنبول. كما كان يبيع الخبز المحمص والمشروبات الغازية في الشارع، كي يتمكن من تلبية متطلبات عائلته. وعموما، فإن هذه الظروف والمشاهد، كونت صورة حول الرئيس التركي، تظهره في شكل الرجل الذي يعرف قسوة الحياة وقسوة العمل؛ مقابل زعماء آخرين، ينحدرون من أُسَر غَنيّة وعُرفوا بالخمول والتقاعس.
ومن جهة أخرى، كشف صاحب مقهى في جيونيسو، نوري جولر، أن "أردوغان رجل يحب الجميع، لأنه لم يقطع علاقته بالقرية. كما أنه لا يتردد على الجلوس مع الجيران لشرب كأس من الشاي. بالإضافة إلى ذلك، فهو يستمع إليهم، ويوصي مستشاريه أن يأخذوا شكاوي الناس بعين الاعتبار ويُدَوّنوها". وعموما فإن هذه الصورة تتناقض مع تلك الصور التي تروج لها الكثير من وسائل الإعلام في العالم. وغالبا ما تشير هذه المصادر إلى أن أردوغان يتعامل بقسوة مع من يخالفه الرأي أو يعتبر مسألة خروجه من القصر الرئاسي، ضرورة ملحة.
وفي الإجمال، خلال فترة حكمه التي يعود تاريخها إلى 15 سنة، قاد أردوغان تغييرات جذرية في تركيا أنتجت تحسينات في البنية الاقتصادية وغيرها من الإنجازات. وعلى الرغم من بقائه في السلطة إلى وقت طويل، لا زال أردوغان يطرح خطابات تقارن في جوهرها بين النخب العلمانية وفسادهم، والناس العاديين المواظبين على العمل الدؤوب والمخلص.
ومن جهتها، أشارت الكاتبة أسلي أردوغان، التي على الرغم من أنها تحمل نفس اللقب، إلا أنها لا تربطها بالرئيس التركي أي علاقة أسرية، إلى أن "أردوغان يشعر بالراحة عند استعمال هذه الحجة البسيطة، ويعمل إلى تطويرها في خطاباته... وعموما، فإن القائد التركي يضع نفسه في صف الفقراء والمظلومين، حتى بعد تخلصه من الفقر بعد وصوله للسلطة...".
وعلى الطريق المؤدية إلى قمة جبل "كيبلداج"، أين أمر أردوغان ببناء مسجد منذ عامين، والذي تظهر منارته لكامل قرى جيونيسو، كان لطاقم الصحيفة لقاء مع الإمام محمد علي أزاكلي. وخلال الحديث معه، أكد الإمام أنه لا يساند كل التحاليل التي تصور أردوغان في شكل الرئيس المتسلط، أو الدكتاتوري؛ مؤكدا أنه من متابعي أردوغان. وأضاف في حديثه أن "هناك من يحب أردوغان لأنه متدين، ويعجب البعض الآخر بطريقة كلامه. كما أن هناك من يسانده لأنه يوفر مواطن شغل ويحسن من البنية التحتية. أما نحن، فنحبه أكثر من أية مجموعة أخرى، لأنه ينتمي إلينا، من منطقة ريزه".
مفتاح النجاح: الحزب الحاكم، في خدمة الشعب
لقد ساهم الثلاثي: حزب العدالة والتنمية، والحكومة، والدولة التركية في تغذية الولاء إلى الدولة وحبها. ومن جانب آخر، فإن الاستثمارات والامتيازات التي يحظى بها شرق الأناضول جعلت الغالبية العظمى من متساكني المنطقة يدعمون الحزب الحاكم.
تحيط الثلوج ببلدة "بازاريولو"، كما لو أنها جيش العدو، الأمر الذي اضطر سكّان المنطقة إلى الدخول في سبات شتوي ممل، إلا أن هذا الحصار لا يمكن أن يتواصل أيام الجمعة، التي يخرج فيها سكان المنطقة، أغلبهم من المتقاعدين، إلى المقاهي منتظرين نداء صلاة الجمعة.
وعلى العموم، لا يجد السكان أعمالا للقيام بها في هذا الطقس البارد، فرعاة المواشي في انتظار اخضرار الأرض من جديد، أما في باقي القطاعات فتصبح الوظائف نادرة، وبالنسبة للمدن التركية الأخرى ذات الخصائص المتشابهة، فهي تبدو متداعية ومتهالكة، منتظرة موتا محققا قبل هجرة السكان منها. لكن الحال مختلف تماما بالنسبة لبلدة بازاريولو.
في الآونة الأخيرة، زينت جدران شوارع بازاريولو بالرسومات، كما علقت إطارات لامعة وثبتت أسقف خشبية في أعلى المباني العامة والخاصة أيضا. بالإضافة إلى ذلك، تم توسعة الطريق المؤدية إلى المدينة وتعبيدها، في هذه الربوع الفاخرة التي تمتد في شرق الأناضول، حيث يستمر فصل الشتاء حتى إلى مدة تتجاوز نصف السنة.
في هذا السياق، يقول أحمد أوفانو، أحد الشيوخ القابعين في المقهى، إن "حزب العدالة والتنمية قد ساهم في تحسين الشوارع والطرقات. أما الآن فهو يخطط لبناء نفق يربط هذه المدينة بعاصمة الولاية". ومن جهته، يشير حسان، أحد سكّان القرية، أنه "في الوقت الحالي، يلاقي المزارعون والفلاحون دعما من الدولة. كما تمنح الدولة معاشات إلى الأرامل والمسنين والمحتاجين...". وفي هذه الأثناء، عبّر أحد ذوي الاحتياجات الخصوصية عن حبه لرئيسه قائلا: "إن الطيب أردوغان يقدم لنا المساعدات ولا يبخل في مساعدتنا".
ومن جانب آخر، لا يُعرف في تركيا بالتحديد من هي الجهة المسؤولة عن دعم الاستثمارات والتحسينات في البلاد. ولا يعرف الأتراك ما إذا كانت هذه الجهة هي الدولة، أو الحكومة، أو البلدية، أو الحزب أو الرئيس. أما حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ سنة 2002، فلا يهتم كثيرا لهذه الهوامش. وفي الواقع يوجد مبنى حزب العدالة والتنمية في نفس مبنى بلدية بازاريولو.
وعلى العموم، فإن الفصل بين السلطات، ليس من الأسباب التي تدعو إلى القلق في هذه البلدة التي يعد سكانها من الناخبين الأكثر ولاء في جميع أنحاء البلاد. وفي هذا الصدد، منحت هذه المنطقة نسبة 87 بالمائة من أصواتها الانتخابية لصالح حزب العدالة والتنمية. فما هو سر هذا النجاح؟
وبحسب أحد سكّان البلدة، فإن "السر في ذلك، هي الخدمات التي يوفرها حزب العدالة والتنمية للشعب. كما أنه في السابق، وعند التصويت لأحزاب أخرى، لم تف هذه الأخيرة بأي وعد من وعودها". "في السابق، كانت الأحزاب الأخرى ترتكب تجاوزات وتستولي على كافة أموال الدولة، دون تقسيمها بين الشعب".
وفي المقابل، منذ فوزه في سنة 2002، عمل حزب العدالة والتنمية على تحسين الخدمات العمومية بشكل ملحوظ، خاصة فيما يتعلق بالنقل الحضري والرعاية الصحية. وفي الإجمال، كانت هذه العوامل هي سر نجاح حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى الحكم. ولذلك، عمل حزب العدالة والتنمية على تطوير هذه الجوانب عند فوزه برئاسة عدة بلديات في البلاد منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.
من جهة أخرى، علقت إحدى جارات أردوغان في حي قاسم باشا، قائلة: "عندما جاء الطيب رجب أردوغان إلى رئاسة بلدية إسطنبول في سنة 1994، كانت رائحة شبه جزيرة القرن الذهبي مقرفة للغاية، فقام هو بتنظيفها، كما نظف الشوارع من القمامة، ودعم المنطقة بشبكة مياه، حيث كان السكان يجلبون المياه بأنفسهم إلى منازلهم".
ومن الواضح أنه بمجرد وصوله إلى رئاسة البلديات، جعل حزب العدالة والتنمية من الخدمات الأساسية، أساس نجاحه وهيمنته الحالية. ومنذ ذلك الوقت، عمل الحزب على زيادة ميزانية الخدمات العمومية وتحسين إدارتها. وكنتيجة لذلك، كسب تعاطف ودعم الفئات قليلة الموارد في تركيا، التي ظلت إلى ذلك الحين مهمشة من قبل الدولة.
علاوة على ذلك، أرسل حزب العدالة والتنمية مسؤوليه وقادته ليقوموا بجولة بين المنازل، للاقتراب من حاجيات المواطنين، والعمل على تلبية أي خدمات يكون السكان في حاجة إليها. وفي هذا الإطار، قال إرول أكسكال، الرئيس الإقليمي لاتحاد نقابات العمال الأتراك، إن "حزب العدالة والتنمية لم يستثمر في الصناعة كما يجب، لكن لا يمكن إنكار أن منطقة أرضروم قد شهدت تطورات ملحوظة. وبالإضافة إلى ذلك، قاد الحزب الكثير من الخطوات من أجل تثبيت دعائم دولة الرفاه".
ومن جانب آخر، فإن ما يقوم به الحزب من حل لمشاكل المواطنين، يعتبر ذا أهمية بالغة، وهو ما ساعد على دعم القاعدة الشعبية للحزب. وعلاوة على ذلك، فإن المساعدات الخيرية في شهر رمضان، جعلت الكثيرون يتفاءلون خيرا في حزب العدالة والتنمية. ولذلك، فليس من المستغرب أن يسجل تسعة ملايين مواطن تركي عضويتهم في الحزب، وهو رقم يمثل حوالي 11 بالمائة من مجمل الشعب التركي.
وفي المقابل، يلاحظ فرق كبير بين المناطق الموالية للحزب والمناطق المعارضة، من حيث التنمية. ومن الواضح أيضا أن الحزب يكافئ المناطق الموالية له، بالاستثمارات ويعاقب مناطق أخرى مثل إزمير (ثالث أكبر مدينة) بسبب التزامها الثابت بالمعارضة. كما أنه في الوقت الذي زودت فيه وزارة النقل عواصم الولايات الرئيسية بخطوط ميترو خفيف وخطوط قطارات، فقد رفضت الحكومة المركزية دعم مدينة سميرنا، بمشاريع مماثلة.
وفي السياق نفسه، يحذر ممثل جمعية حقوق الإنسان في أرضروم، ميديني أيغول، من مشكلة عدم التساوي في توزيع المنح والمساعدات. وأشار في هذا الصدد، إلى أن "هناك الكثير من الفساد في توزيع الأموال والمساعدات على الشعب التركي. وعلاوة على ذلك، فإن الممثلين المحليين للحكومة، يهددون المستفيدين، بحرمانهم في المرات القادمة من هذه المساعدات إذا لم يصوتوا للحزب".
من جانب آخر، يخصص الحزب الحاكم مبادرة يشرف عليها المندوبون الجهويون في بعض المحافظات، من أجل الاستماع إلى شكاوي واقتراحات المواطنين. وفي هذا الصدد، عقد منذ غرة أذار/ مارس اجتماعًا في ولاية أرضروم. وفي الإجمال، فإن كل صوت له وزنه في تركيا...
الأهداف: أردوغان، أب تركيا الجديد
في صباح أحد أيام السبت، لا يزال مراد يعمل في فرنه الحجري من أجل توفير الكعك وأرغفة الخبز لجيرانه القاطنين في مدينة بايبورت. وتقع هذه البلدة على الحدود، بين منطقة الأناضول الوسطى والبحر الأسود وتضم حوالي 40 ألف نسمة. وتعرف بأنها مدينة محافظة وقومية، تمكن أردوغان بفضلها من ضم نسبة 80 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في سنة 2014. وفي هذا الإطار، أردف الخباز قائلا: "بابا طيب قد شيد طرقاتنا ومستشفياتنا، بفضله تحسن اقتصاد المنطقة، فهو يعمل بشكل جيد... إنه رجل قوي حقا".
ومنذ سنوات عديدة، أطلق أتباع الرئيس التركي على رجب طيب أردوغان لقب الأب الحنون، طيب بابا، أو بابا الطيب. وفي هذا السياق، قال أحد سائقي سيارة الأجرة في مدينة ملاطية في كانون الثاني/ يناير الماضي: "لقد قدم لي بابا طيب 30 ألف ليرة، وإلى ذلك الشخص الجالس هناك 50 ألف ليرة". وكان ذلك على إثر التسهيلات التي قدمتها الحكومة التركية لمواطنيها لشراء سيارات جديدة وخفض أسعارها، بغية جذب مزيد من التصويت للاستفتاء المنتظر وتنظيمه في منتصف شهر نيسان/ أبريل الجاري.
إلى جانب ذلك، فإن الرئيس الذي اعتاد في خطاباته أن يقارن عمل الحكومة بوظيفة قبطان سفينة، ليس سوى إشارة ضمنية لغاية الرئيس إلى تقمص دور رب العائلة. ومن وجهة نظر تقليدية، فإن التحكم بأفراد الأسرة لا يكون بتوافق الآراء وإنما عن طريق أوامر من رب الأسرة، وهو المنهج الذي يعتزم أردوغان المضي قدما فيه. فهو زعيم صارم، لكنه في الوقت نفسه، أب قادر على التصرف بشكل جيد ويعرف كيف يكافئ كل شخص أحسن التصرف ويعاقب الأشخاص السيئين والأشرار.
في المقابل صرح وجدي، وهو رجل من مدينة إسطنبول ويبلغ من العمر خمسين سنة، وهو كذلك أحد المؤيدين لـجبهة المعارضة في تركيا أن: "الناخبين في حزب العدالة والتنمية قد نشأوا في عائلات كان الوالد يتسم فيها بالقوة. إضافة إلى ذلك درسوا في مدارس يتصرف فيها المعلمون بسيطرة وقوة، ومن ثَم انتقلوا إلى الجيش تحت تصرف القائد القوي لينتهي بهم المطاف بالعمل في شركة رئيسها قوي ومهيمن كذلك".
في الحقيقة، أثبتت استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات أن الأتراك عادة ما يفضلون القادة الأقوياء، أو الآباء الأقوياء، الذين يحسنون التصرف في شؤون الدولة. كما يحبذون القادة الذين يتصرفون برحابة صدر وبثبات في نفس الوقت. وهكذا فإن معظم الأحزاب السياسية التركية تحوم حول القائد الكاريزماتي، بدلا من أن ترتبط بأيديولوجية محددة. وتجدر الإشارة إلى أن الأتراك، إلى حد هذه اللحظة، لم يقدسوا أي شخص مثلما قدسوا مؤسس الجمهورية السابق، مصطفى كمال. وقد حصل مصطفى كمال بفضل هذه المرتبة، على لقب أتاتورك: أي أبو الأتراك.
لم يتغير شيء في البلاد، فإذا ما اطلعنا إلى الصور الموجودة في مقرات الأحزاب، فإنه من السهل أن نرى كيف تجتاح صورة الرئيس أردوغان الجدران، لتقف إلى جانب صورة أتاتورك، ولتكون الرسالة هنا واضحة: كلاهما أبوين للبلاد.
ومن هذا المنطلق، وعلى سبيل المثال، نلاحظ في الطريق السريع للبحر الأسود والطرقات المؤدية إلى مدينة الأناضول المحافظة، اكتساحا بارزا للافتات الممجدة لأردوغان. وقد وقع تثبيت هذه اللافتات من قبل السلطات المحلية للمنطقة، والتي تضاعفت خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في السنة الماضية.
وعلى وجه التحديد، وبفضل أداء أردوغان المميز خلال محاولة الانقلاب العسكري، تم إرسال مقترح للبرلمان التركي بمنحه لقب عثمان غازي حارس الحدود العالي الجاه، وهي جائزة من شأنها أن تضعه في مستوى مماثل لأتاتورك. وتجدر الإشارة إلى أن عثمان غازي تمكن من الحصول على هذه الجائزة بفضل دوره البارز في حرب الاستقلال بين سنتي 1919 و1923. ومن جهته، عوّل أردوغان، في ليلة الانقلاب، على دعوة أتباعه إلى مواجهة قادة الانقلاب في الشارع، ونجح في ذلك.
ومن جهة أخرى، ليس هناك أدنى شك في أن الرئيس التركي كان رمزا للاعب الماهر وكان أيضا قادرا على الجمع بين التيارات العلمانية والمحافظة. فعلى سبيل المثال، كان أردوغان يعتمد على شعار الأصابع الأربعة المفتوحة والإبهام المغلق، التي تعتبر إشارة من إشارات جماعة الإخوان المسلمين في مصر. وفي الوقت نفسه، يجمع الشعار الأخير خلال خطاباته مع شعار القوميين الأتراك الذين كان معظمهم من العلمانيين، والذي يقول: "وطن واحد، أمة واحدة، علم واحد، دولة واحدة".
بالإضافة إلى ذلك، فإن طريقة أردوغان ومهاراته الخطابية دليل على أن أساليبه مباشرة وصريحة بالنسبة لمعارضيه المألوفين. والجدير بالذكر أن أردوغان قد تعلم هذا الأسلوب في شوارع المنطقة التي كان يقيم فيها منذ ولادته، حيث كان الشرف أساس كل شيء.
وفي هذه الأحياء أيضا، كان الأطفال يحلمون بأن يكونوا مثل سلطان ديدي دميرجان، الذي كان يعشقه الجميع. وعلى الرغم من شغب هذه الشخص وأعماله غير المشروعة، إلا أنه كان يسعى إلى تلبية احتياجات جيرانه الفقراء. وفي هذا السياق، أورد خليل توران، رئيس بلدية مدينة جيونيسو التركية أن "هذا الشخص كان دائما يقول كل ما يفكر به، ولا يهمه إن كان قد تخطى قواعد البروتوكولات أم لا".
ومن جهة أخرى، قال أرسلان كوشكبار، وهو رجل متقدم في السن، ولد في نفس القرية التي ولد فيها والد أردوغان إن "دم البحر الأسود يجري في عروقه وهو سر عناده. لذلك لم تكن شخصيته مماثلة للآخرين". مضيفا: "ولعل الأجيال الشابة لا تعرف ما مررنا به. لقد تعرضنا في الماضي إلى الظلم والخضوع وطلبنا المساعدة من أوروبا. لكن في الوقت الحالي، أصبح بإمكاننا أن نتحدث على قدم المساواة مع قادة ألمانيا والولايات المتحدة".
بالإضافة إلى ذلك، في ذلك الوقت لم يكن يحق لأي تركي بعمر أقل من 36 سنة أبدا التصويت في الانتخابات، التي فازت على إثرها أحزاب أخرى غير حزب أردوغان. فضلا عن ذلك، فإن الاقتصاد التركي في هذه الفترة وسمعة البلاد على الساحة الدولية، قد شهدا نموا وتطورا لم يكن لهما مثيل على الإطلاق.
ومن المؤكد أن في حزب العدالة والتنمية سياسيين، مثل الرئيس السابق عبد الله غُل أو رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، عبروا عن عدم اقتناعهما بالطريقة التي يقود من خلالها أردوغان البلاد. إلا أن انتقاداتهم المستترة، قد واجهت انتقادات لاذعة من قبل الصحافة التي تتنافس مع بعضها البعض لتستعرض قوتها في تأييدها لأردوغان، حتى أكثر من أردوغان نفسه. وفي هذا السياق، يقول مدني أيغول، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، إن "الجميع خائفون من التعبير عن حقيقة ما يدور بخواطرهم، خوفا من العقاب".
وفي الختام، وحسب ما نقلته الصحافة التركية عن مستشاري الرئيس، فإن هدف أردوغان لا يقتصر فقط على الفوز في الاستفتاء؛ وإنما يتعدى ذلك، ليصل إلى حد قيادة مخطط خلق دولة قوية قادرة على رفع صوتها في العالم. تحت إشراف قائد عظيم أو بتعبير آخر، تحت قيادة "أبو الأتراك". وسيتمكن الرئيس التركي من تحقيق أهدافه، على إثر القضاء على العقبات التي يواجهها في البرلمان وحسم الجدل حول قضية الفصل بين السلطات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس