نيل كوكسال - سي بي سي - ترجمة وتحرير تر ك برس 

كانت وحيدة شفكتلي أوغلو إحدى أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع ليلة المحاولة الانقلابية من أجل الدفاع عن الديمقراطية باعتبارها واجبا مقدسا، رفقة إلهامي سيل. وفي الواقع، كانتا من بين 2500 شخص الذين يحملون الآن لقب "غازي"، أو قدامى المحاربين في تركيا بعد أن قاموا بغمر الشوارع، ليلة 15 يوليو/تموز سنة 2016 للتصدي إلى الثوار والمعارضين الذين حاولوا الانقلاب وعزل حكومة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

وبالنسبة لهما، كانت تلك الليلة تتعلق بواجب تجاه الوطن، وتقرير مصير بلد شهد الكثير من الانقلابات العسكرية. في الحقيقة، ساهمت تلك الليلة في توحيد صفوف الأتراك، الذين عانوا من تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية. فحتى منتقدي الحكومة أوضحوا أنهم يشعرون بالارتياح لفشل الانقلاب.

منذ ذلك الحين، أصبح تعريف الديمقراطية خلال الشهور التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة، يتوقف على طبيعة وهوية من تسأله عنها. وفي 14 يوليو/تموز العام الماضي، كانت وحيدة شيفكتلي أوغلو، التي تبلغ من العمر 41 سنة، قد عادت إلى منزلها للتو، بعد قضائها 11 شهرا في المستشفى. وفي هذا السياق، صرحت شيفكتلي أوغلو أنها لم تستطع التوقف عن البكاء في ذلك اليوم ولم تستطع استيعاب ما يحدث.

بعد فترة قصيرة، توجهت وحيدة إلى مطار أتاتورك رفقة زوجها محمد شفيق شيفكتلي أوغلو، على أمل أن يُساهما في التصدي لمحاولة الانقلاب. وفي هذا الصدد، تقول إحدى جيرانها إنها عندما سألت زوجها عن سبب رغبته الملحة في الذهاب إلى المطار، ردّ عليهم قائلا "من أجل أن أكون شهيدا". وفي تلك الليلة، حاولت إحدى الدبابات دهس الناس الذين يعترضون طريقها من بينهم الزوجان، إلا أنه لم تنجُ من تلك الدبابات سوى الزوجة.

علاوة على ذلك، قالت وحيدة شفكتلي أوغلو، وهي تجلس من شقتها في إسطنبول قبل أسبوع من الاحتفال بالذكرى السنوية للانقلاب إن "ساقي  كانت تتدلى لكنني لم أكن أشعر بالألم". والجدير بالذكر أنه تم بتر ساقها اليسرى فوق الركبة. أما ساقها اليمنى، فكانت مشدودة ببعض القضبان المعدنية، فضلا عن أنها كانت قد خضعت لترقيع جلدي.

في الحقيقة، إن الواجب الوطني الذي استجابت له قد جعلها تفقد والد أطفالها الثلاثة. في السياق ذاته، أضافت وحيدة إن أول شيء خطر ببالها عندما شاهدت الأخبار وعلمت بالأمر، كانت الأوضاع في سوريا، فالكل يعلم ما آلت إليه الأوضاع هناك". وعلى الرغم من خسارتها الكبيرة وظروفها الصعبة، إلا أن وحيدة أكدت أن أهم شيء لديها هو أن تعيش هي وأبنائها "بشرف وكرامة".

بالإضافة إلى ذلك، يتذكر إلهامي سيل ذلك اليوم جيدا، حيث أفاد أنه عندما اقترب من مكان التظاهرات سمع صوت الضباط والجنود المصطفين في إسطنبول وهم يطلبون منه عدم الاقتراب. لكنه رفض الانصياع إلى أوامرهم، فأطلقوا عليه الرصاص وأصابوه في ساقه.

ويعتقد سيل وملايين غيره أن هناك جهات، أو ربما دول أجنبية، كانت المُحرك والعقل المدبر للانقلاب. كما أكد سيل أنه يصدّق تصريحات الحكومة التركية التي اتهمت من خلالها الداعية فتح الله غولن، الذي يعيش في منفاه في بنسلفانيا الأمريكية، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة.

علاوة على ذلك، يعتقد سيل وكثيرون غيره أن رد فعل الحكومة تجاه الانقلاب الفاشل، الذي تمثل في اعتقال المواطنين، وفصل ما يزيد عن 150 ألف من عملهم، كان ضروريا لمنع حدوث ذلك مرة أخرى. وفي يوم الاثنين، تم اعتقال حوالي 72 أكاديميا آخر. كما تم احتجاز العديد من العاملين في المنظمات الحقوقية، وفي منظمة العفو الدولي بتهمة التخطيط لانقلاب آخر.

من جهته، أكد سيل أن السلطات قد تكون أخطأت في بعض الأحيان، ووجهوا الإتهام إلى أبرياء، إلا أن حوالي 90 في المائة ممن اعتقلوا شاركوا بالفعل في محاولة الانقلاب. في الواقع، لم يلتئم جرح سيل حتى اللحظة الراهنة، ومن المقرر أنه سيقوم خلال الأيام المقبلة بعملية جراحية سادسة. ولكن عندما سئل عما إذا كانت تركيا قد شفيت من جروح العام الماضي، أجاب سيل قائلا: "إن نجاح الانقلاب كان سيقضي تماما على تركيا".

في المقابل، ترى إسراء أوزكان أوزاكا أن الخلاف الذي نشب بين جماعتين كبيرتين عملتا مع بعضها البعض لسنوات طويلة، دفع ثمنه 80 مليون شخص، في إشارة منها إلى الخلاف بين أردوغان وغولن. وتجدر الإشارة إلى أن أوزكان وزوجها سميح فُصلا من عملهما، حيث كانا يعملان في مدرسة في جنوب شرق تركيا خلال تلك السنة.

وفي هذا الإطار، قالت إسراء إنه شخصا سيقوم يوم ما بالتخلص منك بتعلة أنك قد أصبحت منبوذا اجتماعيا، ولن يمكنك فعل أي شيء بعد ذلك". وتجدر الإشارة إلى أن سميح أوزاكا والأكاديمي نوري غولمان  مُتهمان بدعم جماعة إرهابية، إلا أنهما يصران على أنهما مستهدفان فقط نظرا لأنهما أعضاء في اتحاد يساري ومعارضون لحكومة أردوغان.

ووفقا لإدعاءات إسراء وزملائها، فإن ما حدث في تركيا بعد 15 يوليو/تموز سنة 2016، كان انقلابا من نوع آخر. لذلك، فهي تقاوم رفقة زوجها، حيث أنهما دخلا في إضراب عن الطعام لمدة 126 يوما في مكان قريب من نصب حقوق الإنسان في إسطنبول، على الرغم من أن ذلك المكان قد أصبح مطوقا بالشرطة، في الوقت الراهن.

فضلا عن ذلك، أفادت الزوجة أن هدفهما ليس الموت جوعا، ولكنه يتمثل في إجبار الحكومة على منحهم وظائفهم مرة أخرى. وعلى الرغم من أن الشهادة لا تمثل مطمعا بالنسبة لهم، إلا أنهم يعتقدون أنهم أصبحوا رموزا مهمة للمعارضة، نظرا لانتشار قضيتهم في جميع أنحاء العالم.

وقد كانت كل من إسراء وزوجها لا يتناولان إلا بعضا من الشاي والماء والقليل من الحلوى في بعض الأحيان. والجدير بالذكر أن إسراء تدعي أن أنصار غولن "ربما يكونون هم المسؤولون عن محاولة الانقلاب. في المقابل، تدعي إسراء أن "السيناريو الثاني" يتمثل في حاجة الحكومة إلى انقلاب حتى تبقى في السلطة.

وأضافت إسراء قائلة: "ليس من الصواب أن نعتبر ما حدث انقلابا مزيفا، ولا يمكننا القول أيضا إنه انقلاب حقيقي، لكننا لا نعرف بالضبط ما حدث فعلا خلال تلك الليلة". وبعد وقت قصير من المقابلة التي أجريناها في أنقرة يوم الخميس الماضي، قام عشرات رجال الشرطة المتمركزين في الشارع الذي يجتمع فيه مؤيديهم يوميا بتنظيم مسيرة احتجاجية لدعم المعلمين. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، احتجزت الشرطة إسراء أوزكان أوزاكا، ليتم الإفراج عنها بعد ثلاثة أيام. ومنذ ذلك اليوم، وضعت الشرطة أوزكان أوزاكا ومؤيديها تحت الإقامة الجبرية.

وفي هذا الصدد، أشارت إسراء إلى أن إطلاق سراح جميع الأبرياء من  الاحتجاز سوف يصبّ في صالح أردوغان فضلا عن أنه سوف يساهم في رفع مكانته وهيبته في جميع أصقاع العالم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس