ترك برس
عاد التوتر بين السودان ومصر ليطفو على السطح من جديد بإعلان الخارجية السودانية أول من أمس استدعاء سفيرها في القاهرة للتشاور. وجاء ذلك بعد بضعة أيام من زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للسودان، وتوصله إلى عدد من الاتفاقيات مع الجانب السوداني، أبرزها منح تركيا حق إدارة جزيرة سواكن السودانية لفترة غير محددة، وهو ما أثار عاصفة غضب في الإعلام المصري المعبر عن النظام، لما تمثله هذه الجزيرة من أهمية استراتيجية في البحر الأحمر.
ويؤكد المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، في تصريحات لمحطة دويتش فيله العربية أن التقارب الحاصل بين أردوغان وعمر البشير يقلق أكثر نظام عبد الفتاح السيسي الذي يجمعه عداء واضح مع أنقرة.
ورأى أوغلو أن القاهرة مقتنعة بأن الوجود التركي في السودان سيضر بأمنها الاستراتيجي، سواء كان ذلك في إفريقيا، أو حتى داخل مصر، إذ تتخوف القاهرة من دعم تركي لما تبقى من الإخوان المسلمين داخل ترابها.
وترجع الباحثة المصرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أماني الطويل، أسباب التقارب التركي مع السودان إلى العامل الاقتصادي، وترى أن السودان يعد محطة استراتيجية مهمة لتركيا، فهو من جهة يمثل سوقا لصادراتها، وأرضا زراعية تستفيد منها في وارداتها الغذائية، ومن جهة ثانية نقطة ارتكاز لدعم نفوذها الإقليمي، خاصة بوصفها بوابة لدخول مناطق وسط إفريقيا.
وأوضحت الباحثة أن تركيا أصبحت مهتمة في الآونة الأخيرة بإفريقيا ليس لأسباب استراتيجية فقط، بل كذلك رغبة من أردوغان بملاحقة نفوذ فتح الله غولن، وإغلاق المدارس التابعة له.
ويتفق رضوان أوغلو مع الجانب الاقتصادي لهذا التقارب بين الخرطوم وأنقرة، إذ يقول "هناك مبدأ الكل رابح بين الطرفين، فأنقرة ستستفيد من الثروات الباطنية والزراعية للسودان، فيما تحتاج الخرطوم الإمكانيات المالية التركية لاستغلال هذه الثروات". ويوضح أن تركيا ترى في السودان أرضا خاما تحتاج إلى من يطورها، ومساحة زراعية ستمكّن من خفض مستوى المعيشة في تركيا، فيما ترغب السودان بالتحرّر من شروط الدول العربية المحيطة بها عبر علاقة مع فاعل سياسي قوي بحجم تركيا.
ويؤكد رضوان أوغلو أن القاهرة لا تنظر بعين الود لهذه الطموحات السودانية، مشيراً إلى أن مصر لا ترغب في أن يتحوّل السودان إلى قوة اقتصادية كبيرة تنافسها بالمنطقة، لسببين، أولهما أن الدعم المالي يأتي من تركيا، والثاني أن الطموح السوداني يأتي في ظل ظروف جد صعبة يجتازها الاقتصاد المصري.
وأضاف أن جزيرة سواكن التي ترغب أنقرة في تطويرها قد تساهم في تقارب اقتصادي بين تركيا والسعودية، وهو ما ترفضه مصر التي حاولت بناء حلف قوي مع الرياض، ظهر مؤخراً في الأزمة الخليجية. كما أن تخوّفات مصر تصل حتى إلى الجانب العسكري، إذ ترى في القواعد التركية داخل قطر والصومال، مع إمكانية قبول السودان لقواعد مشابهة مستقبلاً، تحدياً كبيراً.
ولا تعتقد أماني الطويل أن الوجود التركي في السودان وإفريقيا سيتطور لدرجة الحديث عن تهديد لمصر، فالقاهرة تمتلك وفق قولها الكثير من عناصر القوة في المنطقة، زيادة على أن أفريقيا تبقى ملعباً للكثير من القوى العالمية ولن تخلو الساحة فيها لصالح تركيا، فـ"مصالح قوى استعمارية تاريخية لا تزال حاضرة بقوة، كما توجد بالقارة قوى اقتصادية دخلت مؤخرا كالصين، زيادة على أن قدرات قارة شاسعة فيها 54 دولة قد تكون أكبر من قدرات كل هذه القوى التي ترى في إفريقيا مجرّد ملعب لها".
كما تعطي الطويل سببين آخرين لعدم وجود تهديد لمصر، الأول هو كثرة التقلبات التي يشهدها النظام السوداني، فقد تقارب نهاية التسعينيات مع إيران، فيما طوّر علاقاته مع السعودية مؤخراً، ولا تستبعد الطويل أن تنقلب الخرطوم على أنقرة لصالح قوى أخرى.
أما الثاني فيخصّ تركيا، إذ تقول الطويل "لن تغامر أنقرة بتحويل السودان إلى منصة عدائية ضد مصر، ولن ترغب بتجاوز التراشق الإعلامي مع مصر إلى حدّ تبني مشروع الإخوان في المنطقة، لأنها تعلم الضريبة السياسية الباهظة الناجمة عن ذلك."
من جانبه، يعطي رضوان أوغلو تفسيراً اقتصادياً آخر لعدم إمكانية وقوع تصعيد خطير بين أنقرة والقاهرة فيقول: "صحيح أن تركيا ترى في نظام السيسي نظاماً انقلابياً، لكنها لا تمانع إقامة علاقات اقتصاديه معه، وقد قامت مؤخراً بعدة خطوات في هذا الاتجاه كإنشاء مجالس اقتصادية مع أطراف مصرية، لأنها تعلم أن السوق المصري ضخم ومُفيد لصادراتها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!