ترك برس
قرر محافظ القاهرة عاطف عبد الحميد، تغيير اسم شارع "سليم الأول" في حي الزيتون، بعد وصف أكاديمي مصري السلطان العثماني البارز بـ"أول مستعمر للبلاد"، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا.
وقال الإعلام المصري إن القرار جاء بناء على ما تقدم به أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان محمد صبري الدالي، بحسب شبكة الجزيرة القطرية.
وأكد الدالي أنه "لا يصح إطلاق اسم أول مستعمر للبلاد أفقدها استقلالها وحوّلها لمجرد ولاية من ولايات الدولة العثمانية على شارع بمصر".
ويسجل المؤرخون للسلطان العثماني سليم الأول أنه استطاع القضاء على تلال القمامة في العاصمة المصرية القاهرة بعد أيام قليلة من دخوله مصر فاتحا قبل خمسة قرون.
دخل سليم الأول القاهرة يوم 23 يناير/كانون الثاني 1517 في موكب حافل محاطًا بجنوده حاملين الرايات الحمر - شعار الدولة العثمانية - لكنه راعه مشهد تلال القمامة المنتشرة في الطرقات، إذ كانت مصر تعاني صراع المماليك، الذي ألقى بظلاله على البلاد والعباد، فتدهور الوضع وكان لا بد من تغييره.
وأمام هول المشهد وكآبته، أمر سليم الأول بأن تستخدم تلك القمامة وقودا للحمامات العامة، وأن يضع باعة الفول والحمص والعدس قدورهم في مستوقدات الحمامات مجانا، فرخصت أجرة الحمامات وكذلك قوت القوم عقب تطبيق ما أمر به السلطان الذي عفّ عن "حديث الإنجازات".
وقالت "الجزيرة" إنه بعد مرور 500 سنة على دخوله مصر، اكتشفت السلطات المصرية أن سليم كان غازيا قاتلا لا يستحق أن يحمل أحد شوارع القاهرة اسمه، مقارنة بأجانب آخرين مثل طومان باي المملوكي أو شامبليون الفرنسي، أو مصدق الإيراني، أو سيمون بوليفار الكولومبي، أو البارون البلجيكي، أو سانت فاتيما.. وغيرهم الكثير في أحياء وشوارع القاهرة وكبريات المدن المصرية.
واكبت القرار تحذيرات مصر لتركيا من المساس بحقوقها الاقتصادية في منطقة شرق البحر المتوسط بموجب اتفاقية أبرمتها مع قبرص لترسيم الحدود البحرية عام 2013 تسمح بالتنقيب عن الغاز في المنطقة.
كما تزامن مع "اللقاء الرومانسي" بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في أحد مطاعم العاصمة الإماراتية حيث تجمع الاثنين عداوة لتركيا التي يتعاملان معها باعتبارها وريثة الدولة العثمانية، بحسب الجزيرة.
ويحسب للإمارات أنها كانت صاحبة السبق في إثارة هذا النوع من أشكال استثارة أنقرة بالنبش العشوائي الانتقائي لتشويه حقائق التاريخ، إذ سبق لوزير خارجيتها عبد الله بن زايد إعادة نشر تغريدة في موقع تويتر تتهم الوالي العثماني على المدينة المنورة فخر الدين باشا بارتكاب جريمة ضد سكان المدينة وسرقة أموالهم ونقلها إلى الشام وإسطنبول مطلع القرن العشرين.
وأثارت التغريدة موجة غضب كبيرة في تركيا، ودفعت الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مخاطبة الوزير الإماراتي دون أن يسميه "حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟".
كما قررت بلدية العاصمة التركية أنقرة تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه السفارة الإماراتية إلى شارع فخر الدين باشا، تيمّنا بالقائد العثماني الذي دافع عن المدينة المنورة في وجه القوات البريطانية إبان الحرب العالمية الأولى.
وهاجمت وسائل الإعلام التركية الإمارات، واتهمتها بـ"إساءة الأدب والتجني على التاريخ ومحاولة التأليب بين الشعب العربي والتركي".
ويذكّر أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بجامعة قطر ماهر أبو منشار بأن السلطان العثماني سليم الأول أنقذ مصر من فوضى وظلم المماليك، استجابة لطلب علمائها وشعبها.
أما الباحث المصري في التاريخ والحضارة الإٍسلامية محمد إلهامي فينبه إلى أن مفهوم الاحتلال حاليا يخالف تماما مفهوم الاحتلال قبل مئتي سنة، إذ سادت الهوية الإسلامية قبل فكرة الدولة القومية في ذلك التوقيت.
كما ينبه أيضا إلى أن علماء مصر في عهد الممالك كانوا على تواصل مع الدولة العثمانية، مشيرا إلى وجود وثائق ومخطوطات لرسائل منهم تطالب الدولة العثمانية بإنقاذهم.
ويشدد إلهامي على أن سليم الأول مثله مثل صلاح الدين الأيوبي والحكام العباسيين والأمويين، فجميعهم امتداد للفتح الإسلامي وتعبير عنه، وتغيرهم هو مجرد تغير في النظام السياسي الحاكم.
أما فخر الدين باشا -الذي لقبه الإنجليز بنمر الصحراء التركي- فاشتُهِر بدفاعه عن مدينة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام جنبا إلى جنب مع سكانها المحليين طوال سنتين وسبعة أشهر (خلال الفترة بين 1916 و1919) رغم إمكانياته المحدودة في مواجهة البريطانيين إبان الحرب الكونية الأولى.
ورغم الأوامر من إسطنبول، والضغط من الإنجليز بشأن مغادرة المدينة المنورة، رفض فخر الدين باشا ترك مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمر في المقاومة حتى اعتُقِل أسير حرب وأُرسِل إلى مالطا لثلاث سنوات.
وبفضل جهود حكومة أنقرة جرى إطلاق سراحه عام 1921، ثم تعيينه لاحقا سفيرا لدى أفغانستان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!