علي الصاوي - خاص ترك برس
في عام 1740 توفي الأمير تشارلز السادس ملك النمسا، وتولّت زوجته ماريا تريزا مقاليد الحكم في البلاد، وبحكم أنها امرأة فقد أغرى ذلك فرنسا وإسبانيا وبروسيا (ألمانيا حالياً) للهجوم على النمسا، وفى تلك الفترة كان على سدّة الحكم في الدولة العثمانية، السلطان "محمود الأول" فأرادت فرنسا أن تُغري السلطان محمود أن يشارك معهم في غزو النمسا ويفتح جبهة شرقية في الاشتباك، من أجل تشتيت القوات النمساوية، وتسهيل المهمة على دول أوروبا، في مقابل أن تأحذ الدولة العثمانية ما شاءت من الأراضي النمساوية، لتكون تحت سيطرتها، فماذا حدث؟.
أرسل إليهم السلطان "محمود الأول" قائلا: "نحن لسنا انتهازيين ولسنا كالغربان نهجم على الجيف، نحن دولة تحترم العهود والمواثيق، وإن كان لنا حق نأخذه بسيفنا، لكن ليس بطريقتكم هذه". نال هذا الموقف النبيل احترام وتقدير النمسا، مع أن روح العداء بينها وبين الدولة العثمانية وقتها كانت في ذروتها، خاصة قبل موت الأمير تشارلز.
تذكرت هذا الموقف التاريخي والإنساني للدولة العثمانية، وأنا أقرأ تصريحات رئيس الوزراء النمساوي "سبستيان كروز" اليميني المتطرف المعروف بمواقفه العدائية ضد تركيا، فقد دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف تدفق الأموال إلى تركيا وتجميد مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبي، على أن يتم إجراء عقد اتفاق بينها وبين الاتحاد، على التزام سياسة حسن الجوار وفقط، إضافة إلى وصفه الرئيس أردوغان "بالديكتاتور لأنه زج بكثير من مواطنيه في السجون، وهذا ما يخالف مبادئ الاتحاد الأوروبي".
فما أشبه اليوم بالبارحة، ما زالت روح العداء الأوروبي تتوارثها الأجيال تجاه الدولة التركية وتفوح رائحتها مع كل حراك سياسي بالداخل التركي، في صورة لا تليق ولا تتسق مع الشعارات التي تتغنّى بها تلك الدول، على أنها واحة من الديمقراطية والحرية والمساواة، في حين أن الواقع يقول غير ذلك، ففي الوقت الذي ينعت فيه سبستيان أردوغان بالديكتاتور، نرى بلاده تنتهج سياسات عدائية تجاه الحريات الدينية، بإغلاق المساجد وطرد الأئمة ومنع الحجاب، وتفرض على المهاجرين سياسات الاندماج القسري مع ثقافة المجتمع النمساوي، بما لا يتفق مع ثقافتهم الدينية ونشأتهم المحافظة.
ولا أحد ينسى فضيحة التلاعب بتقارير الروضات الإسلامية وتغيير بعض أجزائها لتشويه صورة المسلمين، وتهييج الرأي العام عليهم عبر ما ذكروه في التقرير، "أن تلك الروضات تنشيء جيلا متشددا لا يتبنى قيم الدولة، وأن المسلمين لا يريدون الانسجام مع الحياة الاجتماعية وأنهم مخالفون للنظام". في واقعة تبيّن تدليس هذا الرجل وحزبه وكراهيته للإسلام والمسلمين خاصة مع انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا المنتشرة في أوروبا هذه الأيام، وكالعادة تكون تركيا هي المستهدفة فتنال القسط الأكبر من تلك الهجمات باعتبارها دولة مسلمة وقريبة من الاتحاد الأوروبي، لكن حكمة وذكاء السياسة الخارجية لتركيا في التعامل مع تلك الأزمات التي يفتعلها الساسة المتعصبون لتحقيق مكاسب انتخابية، دائما تتسم بالهدوء والرد المنطقي لفضح ديمقراطية الغرب وتعريته أمام العالم.
لقد باتت تركيا كابوسا مزعجا لدول أوروبا، فلا يمرّ يوم إلا وتجد تصريحا هجوميا من بعض الساسيين ينتقد سياستها الجديدة، في السير نحو تبنّي كثير من الحقائق الإسلامية، لكن المضحك أن يخرج أحد الساسة الألمان وهو "جيم أوزدمير" اليميني المتطرف ومؤسس حزب ألمانيا الخضراء، ويقول معلقا على خروج ألمانيا من كأس العالم: “إن الصورة الملتقطة لأردوغان مع مسعود أوزيل والكاي غوندوغان قبل كأس العالم، أثرت سلبا على معنويات لاعبي الفريق الألماني مما جعلهم لا يقدمون المستوى المأمول للتأهل في المونديال!”. أخشى أن تستيقظ أوروبا يوماً على عاصفة رياح قوية فيقولوا سلّطها علينا أردوغان!.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس