ترك برس - الأناضول
نادرا ما يغادر الزائر إسطنبول دون أن يقر عيناه بمنطقة السلطان أحمد، التي تحتضن مناطق أثرية عديدة، تجعله يتنسم عبق التاريخ، ويشعر وكأنه يتجول في متاحف مكشوفة.
السلطان أحمد هي قبلة أبناء المدينة، ومقصد عموم الأتراك، وهي أيضا الوجهة الأولى لكل سائح؛ فهي منطقة تأخذ الجميع من كل الأعمار والأعراق والأديان، في رحلة عبر التاريخ، يتعرفون عن كثب على حضارات لا تزال المنطقة شاهدة عليها.
وتقع المنطقة على أولى تلال إسطنبول السبع، وشهدت حضارات ودول عريقة، وتحمل آثار 3 امبراطوريات مزجت بين الحضارة والتاريخ والعمارة؛ ما يجعلها مركزا لتلاقي الثقافات والحضارات والأديان.
ومن أهم الآثار التاريخية التي تحويها المنطقة:
ميدان السلطان أحمد
من أقدم الميادين التي يعود تاريخها للقرن الثاني الميلادي؛ حيث أنشئ في زمن إمبراطورية روما كميدان لسباق الخيل، وكانت تقام فيه أيضا الاحتفالات الموسيقية والرقص، وفعاليات اجتماعية وثقافية أخرى.
يضم الميدان مجموعة من الأعمدة التاريخية منها عمود الأفاعي، والعمود المشبك، والمسلة الفرعونية. و
حافظ الميدان على أهميته خلال الحقب التاريخية اللاحقة.
جامع السلطان أحمد
الجامع بني قبالة متحف آيا صوفيا، وبدء العمل في إنشائه عام 1609 في زمن السلطان أحمد الأول (حكم بين عامي 1603 و1617)، وافتتح في العام 1616، واستكمل في العام 1619.
بني الجامع على شكل كلية تضم مدرسة ومعهد وسوق ومستوصف ومقبرة، وهو الجامع الوحيد في إسطنبول المكون من 6 منارات.
ويطلق عليها الجامع الأزرق؛ لأن جدرانه الداخلية مغطاة ببلاطات خزفية ملونة بالأزرق القاتم والفاتح، ويبلغ قطر قبة الجامع 33.6م، بارتفاع 43م، ويشتهر بعمارته المميزة حيث يعد من أهم وأضخم المساجد في العالم الإسلامي.
متحف آيا صوفيا
يعتبر متحف آيا صوفيا من أهم أماكن التراث العالمي، ويقع قبالة جامع السلطان أحمد، وأنشئ على شكل كنيسة، وبعد الفتح العثماني لاسطنبول في العام 1453، وحتى العام 1935 استخدم كجامع، وبعد هذا التاريخ تحول لمتحف.
والمتحف مبني من الحجر والقرميد، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 537، ويعتبره مؤرخون "ثامن عجائب الدنيا"، وبناه المهندسان المعماريان أنثيميوس، وميلتلي إيسيدوروس.
وحاليا يعتبر متحفا مفتوحا للزائرين، ويضم لوحات فسيفسائية أصلية قديمة، فضلا عن بقايا آثار العثمانيين.
متحف الآثار
يعتبر من أهم المتاحف التاريخية القديمة في تركيا، وتم التأسيس لبنائه عام 1846.
ويضم المتحف تماثيل قديمة تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، ومجموعة من الآثار الأخرى.
قصر توب قابي
كان مقر إقامة سلاطين الدولة العثمانية لأربعة قرون، في نقطة تشرف على البوسفور وخليج القرن الذهبي، وتم بناؤه في الأعوام 1459-1465، من قبل السلطان محمد الفاتح وكان مقر إقامته.
لم يستخدم "توب قابي" من قبل الفاتح كمقر إقامة وحسب؛ حيث كان يضم مدرسة الأندرون للمتميزيين لتنشئة السياسيين والعسكريين.
وبعد انتقال العائلة السلطانية في القرن الثامن عشر لقصر دولما باهتشه، تحول القصر في العام 1924 لمتحف يضم آثارا لمختلف الحقب التاريخية وخاصة الآثار الإسلامية، وفيه قوس وسيف الرسول محمد (خاتم المرسلين)، وشعرات من لحيته، فضلا عن آثار للصحابة والسلاطين ومختلف الحقب الإسلامية.
القصر الغارق
بني خزان مياه إسطنبول الأثري الإمبراطور البيزنطي جستنيان عام 542، ويطلق عليه السكان "القصر الغارق" لفخامته؛ حيث يضم عددا كبيرا من الأعمدة الرخامية.
وتطلق بعض المصادر الأجنبية على الخزان اسم "صهريج البازيليكا"؛ لأن المكان الذي أنشئ به كان يشغله قبل ذلك بازيليكا، وهو نوع من المباني أنشأت في العصر الروماني بالقرب من الطرق الرئيسية لأغراض تجارية، وأصبح يستعمل كدار للقضاء في فترات لاحقة، وبعد انتشار المسيحية بات يستخدم لإقامة الصلوات والشعائر المسيحية.
وتبلغ مساحة الخزان 8 آلاف و678 مترا مربعا، ويمكن الوصول إليه باستخدام 52 درجة تهبط تحت الأرض، ويضم 336 عمودا يبلغ طول كل منها 9 أمتار.
واستخدم الخزان لمئات السنين خلال العهدين البيزنطي والعثماني، لتوفير مياه الشرب للقصور وسكان المنطقة المحيطة، وفتح الخزان أمام الزوار عام 1987 بعد أن أجرت له بلدية إسطنبول عملية صيانة، وأنشأت ممرات للمشاة به.
حديقة غولهانة
على مساحة 100 ألف متر مربع، تمتد حديقة "غولهانة" العثمانية التاريخية بجوار قصر "طوب قابي"، وتحتفظ بأسوار عتيقة، أنشأها السلطان العثماني محمد الفاتح، بعد إنشاء قصر "طوب قابي"، عقب فتح القسطنطينية، وباتت جزءا من القصر، ومتنفسا لراحة السلاطين وأبنائهم لاحقا.
وكانت الحديقة قبل الفتح العثماني منطقة خضراء، يقع تحتها خزان مياه تاريخي قديم غارق تحت الأرض، وفق ما تأكد منه المؤرخون، وتبلغ أبعاده 18×12 مترا.
وبقيت الحديقة خاصة بالسلاطين إلى حين فتحها للعامة في العام 1912، ونظرا لتاريخها وموقعها الجغرافي، تم الحفاظ على موقعها وأهميتها بعد إعلان الجمهورية التركية عام 1923.
حمام آيا صوفيا حُرّم سلطان
رغم أنها لم تستخدمه سوى مرتين، لكن "حُرّم سلطان" زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، كان لها فضل إنشاء "حمّام آيا صوفيا حُرّم سلطان"، ويعود تاريخ إنشائه عندما طلبت "حُرّم سلطان (Hürrem Sultan)" الحمّام، فأصدر السلطان القانوني الأمر في العام 1556، ليتصدى لبنائه "سنان" أشهر معماري في الدولة العثمانية.
وبني الحمّام بطول 75 مترا من قسمين متساويين للنساء والرجال، ومع انتهاء بناءه، ونظرا لتراجع الحالة الصحية لحُرّم سلطان، لم تتمكن من الاستحمام فيه سوى مرتين قبيل وفاتها، لكنه استمر بتقديم خدماته للسلاطين لاحقا، بدءا من السلطان سليمان القانوني.
وخضع الحمّام لعملية ترميم كبيرة في السنوات السابقة، ليفتح أبوابه مجددا عام 2011.
المسلة الفرعونية
وهي مسلة جرى صنعها من قبل الأسرة الفرعونية الـ18 الحاكمة في مصر، عبر تحتمس الثالث بعد فوزه في معاركه بالقارة الآسيوية في العام 1450 قبل الميلاد.
وحاول الإمبراطور الروماني كونستينتينوس الأول جلبها لتزيين ميدان سباق الخيل في القسطنطينية (الاسم السابق لإسطنبول قبل الفتح) عام 361 ميلادي، لكنه لم ينجح بذلك ليتمكن الأمبراطور جوليانوس لاحقا بجلبها من مدينة الإسكندرية (شمالي مصر) في العام 363 بعد بناء سفينة خاصة لحملها، لكن لم توضع في مكانها الحالي إلا في العام 390 ميلادي، ويبلغ طول المسلة 19.59 مترا.
عمود الأفاعي
هو عمود مصنوع من البرونز على شكل ثلاثة أفاعي تلف بعضها البعض، وهو من عصر روما الشرقية، ويقع في ميدان سباق الخيل مع المسلة المصرية، والعمود المشبك، واكتشف في حفريات بالقرن التاسع عشر، وجزء منه في متحف الآثار.
العمود المشبك
وهو موجود في ميدان سباق الخيول من آثار عصر روما الشرقية، ولا يعرف تاريخ بنائه بالضبط، ويقع إلى جانب عمود الأفاعي والمسلة الفرعونية، وبني من الأحجار المكسرة ويبلغ ارتفاعه 20.68 مترا.
متحف الآثار الإسلامية
المتحف يقع في قصر إبراهيم باشا الصدر الأعظم، وبني في القرن السادس عشر الميلادي.
وبعد استخدمه لأغراض عديدة تم تحويله في العام 1914 إلى متحف، ويتواجد فيه آثار تعود لفترات الأتراك والمسلمين والقوقاز وإيران والسلاجقة ومنطقة الأناضول.
وزيادة عن هذه المناطق التي تعد أبرز المعالم الموجودة في منطقة السلطان أحمد بإسطنبول هناك أسواق عديدة قديمة تنتشر في المنطقة، ويفوح من كل ركن فيها عبق التاريخ وحكاياته، كما تتميز المنطقة بسهولة المواصلات فيها، فضلا عن انتشار عدد كبير من الفنادق والمطاعم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!