حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
أوصلتنا الأزمات التي نشهدها بين تركيا وأمريكا إلى نتيجتين، الأولى هي عدم وجود نهاية لهذه الأزمات، والثانية هي أن الأزمات قابلة للإدارة، يجب علينا إدراك أن المشاكل التي تواجهها أنقرة مع واشنطن لا تنبع من ارتكاب أخطاء عمليّة في بعض المجالات، وكذلك لا تنبع من اختلاف وجهات النظر بين الدولتين، أي إن المسألة ليست عبارة عن رد أمريكا على خطأ ارتكتبه تركيا، كما أن أمريكا لا تضغط على تركيا بسبب مسألة معينة، على العكس تماماً إن الأزمة التركية-الأمريكية هي واحدة فقط من الأزمات التي تواجهها الأخيرة مع جميع حلفائها، وبذلك يمكن القول إن مواقف واشنطن المتهوّرة والقبيحة في إطار السياسة العالمية تنعكس على تركيا أيضاً، إذ تحاول أمريكا إجبار تركيا على تقديم بعض التنازلات من خلال التهديد والابتزاز، إضافةً إلى أنها تضغط على تركيا وتدفعها لقبول أولوية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
في بعض الأحيان تعتقد أمريكا أنها تستطيع معاقبة تركيا، وتغض الطرف عن بعض المسائل في أحيان أخرى، لكن عن النظر إلى التطورات الأخيرة من منظور عام يمكن القول إن تركيا وأمريكا قد دخلتا في أزمة طويلة الأمد، وستستمر الدولتان في مواجهة بعض المشاكل في إطار الأزمة المذكورة، ويجدر بالذكر أن مسألة تأشيرة الدخول كانت جزءاً من هذه الفترة أيضاً، وقد تصوّرت على أنها مشكلة كبيرة، وقد انتهت مع إيجاد حل مشترك لها، لكن إن إيجاد حل للمشكلة لا يعني أن العلاقات الأمريكية-التركية ستعود لمجراها الطبيعي كما كانت في السابق، وفي هذا السياق نذكر مسألة منبج، إذ تم الوصول إلى حل في هذا الخصوص أيضاً، والآن جاء الدور لقضية القس الأمريكي "أندرو برونسون" المعتقل لدى الحكومة التركية، يتم البحث عن حل لهذه المسألة أيضاً، لكن ذلك لا يغيّر حقيقة أن أمريكا حاولت إخضاع تركيا من خلال أسلوب التهديد، وعندما قاومت الأخيرة لم تستطع إدارة ترمب الاستمرار في تهديد تركيا.
عندما ردّت تركيا على أمريكا بالمثل أدركت الأخيرة أنها لن تستطيع إخضاع تركيا بالتهديد والابتزاز، وتركت هذه التهديدات مكانها لتصريحات أمريكية تشير إلى إصابتها بخيبة الأمل تجاه تصرّفات تركيا، أي إن المشكلة ستنتهي بعد فترة لتترك مكانها لأزمة جديدة، وغالباً ستكون المسائل التالية حول "هالك بنك" و "هاكان أتيلا" وطائرات F-35 وصواريخ S-400، والأهم من جميع ما ذُكر هي المتعلّقة بتنظيم الكيان الموازي والساحة السورية، وسنشهد على استمرار المشاكل بين تركيا وأمريكا في إطار المسائل المذكورة، لأن الأخيرة ستستمر في تجاهل القلق التركي تجاه الساحة السورية وتنظيم الكيان الموازي.
لا ترغب أمريكا في إدارك أن قلق تركيا هو السبب الذي يدفعها لشراء صواريخ S-400، وسترد على شراء تركيا لهذه الصواريخ بعدم بيعها طائرات F-35، وبذلك يتوضّح أن المشاكل لن تنتهي لطالما تظهر مشاكل جديدة باستمرار، لكن تعلّمنا من خلال هذه الأزمات أنه يتوجّب علينا عدم الانخداع بأجواء الهزيمة والهلاك، لأن دخول تركيا في أزمة مع أمريكا لا تعني نهاية العالم، قد تكون أمريكا دولة قوية جداً ولكن تركيا ليست المشكلة الوحيدة بالنسبة لها، وخصوصاً أن تركيا أظهرت للعالم بأجمعه أنها لن تخضع للتهديدات والابتزاز، وأثبتت أنها تستطيع مواجهة أمريكا والرد عليها بأسلوب السن بالسن والعين بالعين، ولذلك أعتقد أن حالة اعتقال الراهب برونسون ستستمر إلى إيجاد حل لمسألة هالك بنك، وقد تستغرق أمريكا بعضاً من الوقت لإدراك هذه الواقع ولكنها ستدركه في نهاية المطاف، لذلك ليس هناك أي داع للقلق، إذ يمكن لأمريكا ان تستهدف تركيا بسبب هذه المسائل، ولكنها لا تستطيع الاستمرار في ابتزاز الأخيرة إلى النهاية.
إن الخطوات التي يمكن لأمريكا اتخاذها ضد تركيا -بينما تعاني أمريكا من أزمات مع الصين وروسيا وإيران وألمانيا- محدودة جداً، ورأينا ذلك خلال الفترة الأخيرة، ولذلك يجب أن لا نولي الاهتمام للمعارضة الداخلية التي تحاول تبهير المشاكل والظروف.
لن تنتهي هذه الأزمات ولكن يجب علينا تعلّم إدراتها والتعايش معها، لأن كل أزمة تؤدي إلى بعض الخسائر في تركيا، لكن في الوقت نفسه تؤدي إلى خسائر أكبر بالنسبة إلى أمريكا، ولا داع للخوف بعد رؤية الشعب التركي الذي يدعم حكومته على الرغم من وجود احتمال نشأة أزمة اقتصادية، إذ زاد حماس الشعب التركي عندما وصل الدولار الأمريكي الواحد لقيمة سبعة ليرات تركية، ومع استمرار هذه الإرادة الشعبية ستبقى الدولة التركية صامدة وثابتة، وستتحوّل الأزمات لفرص جديدة لصالح تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس