بيريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
اجتمع الرئيس التركي أردوغان بنظرائه الروسي بوتين والفرنسي ماكرون ورئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل في ولاية إسطنبول التركية للتفاوض في خصوص مستقبل سوريا، في الواقع إن السعي من أجل تحقيق نظام دائم في سوريا يحتاج لاجتماع تركيا وروسيا وأمريكا وإيران، لأن الدول المذكورة ذات علاقة مباشرة بالمسألة منذ البداية، لكن توجد عوائق عديدة أمام الفكرة المطروحة، والعائق الأبرز في هذا السياق هو أن اجتماع الرئيس الأمريكي ترمب بإيران ضمن أي اجتماع يبدو أمراً صعباً جداً.
أمريكا كانت تتمكّن من الدفاع عن حقها في سياستها تجاه إيران من خلال بعض الافتراضات المطروحة خلال الماضي القريب، وتمثّل زيادة النفوذ الإيراني مؤخراً في المنطقة واستمرار العلاقات الإيرانية-الأوروبية رغماً عن أمريكا أحد المبررات التي تزيد من حق أمريكا في سياستها المذكورة، وبما أن أمريكا كانت تتوقع من الدول الأوروبية أن تبايعها فإن مسألة إيران تُعتبر عقوبة لأوروبا في الوقت نفسه.
ومن جهة أخرى إن استمرار أمريكا في تسليح السعودية من أجل إيقاف إيران أدى إلى زيادة احتمال نشوب حرب جديدة في المنطقة، وبما أن ترمب قد أفصح عن الجهة التي سيدعمها في حال نشوب الحرب فلا يمكن له أن يجلس مع إيران على طاولة المفاوضات رغماً عن السعوديين.
لقد تضرّرت العلاقات الأمريكية-السعودية مؤخراً بسبب مسألة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وتقريباً يمكن القول إن العالم بأكمله اتخذ موقفاً معارضاً للسعودية، وهذا الواقع أدى إلى إضعاف ترمب أمام إيران، وبالتالي الأوضاع المذكورة دفعت العالم إلى التساؤل عن طبيعة سلسلة العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط، كما أنها جعلت باقي دول العالم تفضّل عدم جلوس أمريكا على طاولة المفاوضات.
أما السبب الثاني لعدم وجود أمريكا في القمّة الرباعية فهو قيام ترمب بإخراج باقي الدول من المعادلة وسعيه لإيجاد حل للمسألة من خلال التفاوض مع بوتين، ربما كان يمكن أن تتحول هذه التوقعات إلى واقع ملموس، ولكن أدى ضغط ترمب على بوتين في المسائل المتعلّقة بإيران وأوروبا إلى تحويل التفاوض العام في سوريا إلى تسوية تكتيكية، وعندما أصبح الأمر كذلك بدأت روسيا بالبحث عن دول من خارج المنقطة لتحقيق التوازن في سوريا، وبالتالي وجّهت روسيا اهتمامها نحو أوروبا في الصدد ذاته.
انعكس اجتماع بوتين مع ميركل وماكرون على طاولة واحدة في خصوص القضية السورية على العالم وكأنه تحالف جديد للقوى الغاضبة من أمريكا، وهذا الأمر يشير إلى استمرار العلاقات الاقتصادية بين الدول المشاركة في القمة الرباعية رغماً عن جميع المحاولات الأمريكية لمنع ذلك، ولكن الأهم من ذلك هو أن روسيا تشير إلى أنها تستطيع فتح الباب الذي أغلقه ترمب أمام الدول الأوروبية في الشرق الأوسط.
قد لا تصدر نتائج مؤكدة ودائمة عن القمة الرباعية فيما يتعلّق بالقضية السورية، ولكن من الواضح أن عقد القمة المذكورة سيلد بعض النتائج الهامّة في هذا الصدد، وضمن الإطار المذكور توضّح تركيا عن موقفها أمام أطراف القمة، وروسيا تؤيد وتشارك تركيا في موقفها، والموقف هو عبارة عن محاولة لتوجيه رسالة للرئيس الأمريكي ترمب، ومضمون الرسالة هو: "توقّف عن اتخاذ خطوات تكتيكية تشير إلى عداوة أمريكا للدول الأخرى، ونحن نرغب في الحفاظ على صداقاتنا مع أمريكا"، ويمكن توضيح الموقف بتعبير آخر: "أنت السبب في عدم مشاركة أمريكا في هذه القمة".
وفي سياق آخر تعاود موسكو وأنقرة تذكير أوروبا بأن تركيا هي المفتاح الرئيس لتأسيس ممر يمنح للدول الأوروبية فرصةً لكي تكون بناءةً في سوريا وبالتالي في الشرق الأوسط بشكل عام، ويمكن القول إن توقعات روسيا من هذا الأمر هو ألّا يكون الاتحاد الأوروبي الطرف المبايع للآخر في إطار العلاقات بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، فيما أن توقعات تركيا من الخصوص المذكور هو عودة علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي إلى مجراها الطبيعي.
يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي أدركت أنها لن تستطيع المشاركة في هذه المرحلة من دون تحمّل المسؤولية والمساهمة الماليّة، وهذا هو السبب في مشاركة اثنان من الدول الأوروبية في القمّة الرباعية، وبما أن القضية السورية لا تتعلّق بسوريا فقط فيمكن قراءة القمّة على أنها مرحلة تقييم الدول لبعضها البعض فيما يتعلّق بما يمكن القيام به في أوراسيا، ولا شك في أن التقييم لن يقتصر على الكلام والوعود فقط، بل سيتم بناء على الخطوات الملموسة الذي ستُتخّذ في هذا الصدد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس