حمزة تكين - أخبار تركيا
كالعديد من المناسبات الإسلامية الكبرى التي تغفل عنها الأمة ولا تحتفل بذكراها إلا دولة واحدة، نحيي اليوم في تركيا ذكرى معركة سجلها التاريخ بأحرف من نصر وعزة وكرامة، معركة ضاعت معانيها بعد أن دفع الأجداد لأجل الانتصار فيها دماءهم وأرواحهم.
إنها الذكرى الـ 104 لانتصار الجيش العثماني على قوات الحلفاء في معركة "جناق قلعة" أو غاليبولي أو مضيق الدردنيل، تلك المعركة التي شهدت انتصارا تاريخيا للأمة الإسلامية، حمى يومها عاصمة آخر خلافة للمسلمين في التاريخ إسطنبول.
تحقق ذاك النصر بعد أن اضطرت الخلافة العثمانية لدخول الحرب العالمية الأولى ضد الحلفاء الذين كانوا يريدون احتلال إسطنبول، حيث توحدت الجيوش الصليبية لمهاجمة الدولة الممثلة للعالم الإسلامي والحاملة لرايته.
لم يتحقق النصر يومها من خلال احتكار الأتراك للسلطة، أو تسلط العرب على القوة في الميدان، أو هيمنة الأكراد على بعض مفاصل المناطق العثمانية، بل تحقق بالوحدة الأخوية بين الأتراك والعرب والأكراد، وحدة كانت حقيقية لا مجرد شعارات، لم تدخل يومها أمراض القوميات والعصبيات إلى قلوب الشباب والشيوخ والنساء، بل كانت قلوب أولئك الأبطال قلوبا مؤمنة بحق، ولم تكن قد دخلتها "فيروسات" الإنكليز وحلفائهم.
يومها هبّ مئات آلاف الشباب من أتراك وعرب وأكراد وتركمان، من داخل المناطق العثمانية ومن جميع أصقاع العالم الإسلامي وذلك من أجل القتال وحماية إسطنبول... هبّوا من البلقان وبلاد الشام وبلاد الرافدين والقوقاز وشمالي إفريقيا وشبه الجزيرة العربية.
هبوا من أنقرة وطرابزون وقونيا وديار بكر والموصل وبغداد وكركوك وحلب ودمشق وإدلب وطرابلس الشام وبيروت وعكا والقدس ورام الله ونابلس والقاهرة وطرابلس الغرب وغيرها كثير كثير من المدن الإسلامية... هبوا يدا واحدة فاستطاعوا أن يحققوا نصرا مازلنا نعتز به حتى يومنا هذا.
من يريد أن يعرف كيف تحقق النصر وتلك الوحدة مع أولئك الأبطال الصادقين الذين كانت الأمة ووحدتها همهم الأول، فليقرأ قصص البطولات والتضحيات التي قدمها أجدادنا في تلك المعركة، كقصة الملازم القوقازي مصطفى أفندي بن عبد الله، والجندي الليبي بلمو بن أبو بكر الدرنوي، والجندي الحلبي مصطفى بن محمد، والجندي الأفغاني آرات بن جمعة خان.
بإيمانهم وعزيمتهم ووحدتهم، لا بنفاقهم وخنوعهم وتشتتهم... استطاع أجدادنا الأتراك والعرب والأكراد أن يواجهوا مئات الآلاف من جنود الحلفاء الذين أتوا ببوارجهم وسفنهم وغواصاتهم الحربية، وحققوا النصر للأمة كل الأمة في تلك المعركة، فلم يكن نصرا للأتراك وحدهم ولم يكن نصرا للعرب وحدهم ولم يكن نصرا للأكراد وحدهم، بل كان نصرا للمسلمين دون تمييز وتفرقة.
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... أين نحن؟!
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... ماذا عسانا أن نقول لواحد من أجدادنا الذين استشهدوا في تلك المعركة، لو عاد اليوم إلى الحياة ورأى حالنا على ما هو عليه اليوم؟!
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... كم نتصارع بين بعضنا البعض، وهم في الغرب ينظرون إلينا ضاحكين مستهزئين؟!
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... هل نعمل معا من أجل تحقيق نصر جديد أم من أجل بيع مقدساتنا وأراضينا إرضاءا لمن أذلينا أجدادهم في "جناق قلعة" بالأمس؟!
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... هل تعظم في قلوبنا القيم الإسلامية الطيبة أو أن "فيروسات" القوميات والعصبيات والكره والأحقاد والتخوين والعداء مازالت منتشرة فيما بيننا؟!
اليوم وبعد 104 أعوام على ذاك النصر العظيم... ماذا نقول لدماء أولئك الشهداء الأبطال؟!
ألم يحن الوقت بعد كل هذه الأعوام الطويلة لنعيد قراءة تفاصيل تلك المعركة وما تحقق فيها من انتصار إسلامي عظيم؟! ألم يحن الوقت ليعود أبناء هذه الأمة يدا واحدة كما كانوا قبل 104 أعوام؟!
ألا تكفينا 104 أعوام من النوم العميق والبعد الكبير عن إسلامنا لنعود إليه من جديد؟! أم أننا سعداء بحالة الذل التي نعيشها ونحن راكعين اليوم لأحفاد من أغراقناهم في مياه مضيق "جناق قلعة"؟!
أيها الأتراك والعرب والأكراد... ألم تستفيقوا بعد كل هذه المدة لتدركوا حقيقة واحدة، لا ثانية لها، أنكم ستكونون أعزاء أبطال أقوياء أحرار إن تمسكتم بحقيقة إسلامكم ووحدتكم، أو أنكم ستكونون أذلاء منهزمين ضعفاء عبيدا لأعدائكم إن تخليتم عن حقيقة إسلامكم ووحدتكم.
أيها التركي والعربي والكردي، لا تتهم اليوم غيرك وتبرأ نفسك... غيّر ما بنفسك كي تتغير عائلتك ثم يتغير مجتمعك ثم تتغير أمتك ثم يتحقق نصرٌ كنصر أجدادك العظماء في "جناق قلعة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس