ترك برس
نشرت وكالة الأناضول التركية (رسمية)، مقالًا للبروفسور جنكير تومار، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، يستعرض أبعاد ما بات يُعرف لدى الرأي العام العربي والعالمي بـ"صفقة القرن"، وذلك في ضوء التسريبات المتداولة في الإعلام.
يقول تومار إن تفاصيل مشروع "محاولة تبخير فلسطين" على يد الولايات المتحدة وإسرائيل، أو ما يعرف بـ "صفقة القرن"، والتي كانت موضع نقاش منذ سنوات عديدة، بدأت بالظهور شيئا فشيئا، عقب نشر صحيفة "إسرائيل هيوم" للبنود المحتملة لهذا الاتفاق.
وأوضح أنه بالنظر بشكل عام إلى بنود الاتفاق، نلاحظ وجود بعض التعديلات الطفيفة على البنود التي سُربت سابقا بغرض قياس ردود فعل الرأي العام، والعالم الإسلامي.
وحسب البنود، فإن القسم الأكبر من فلسطين سيُمنح لإسرائيل، في حين سيتم تكليف دول الخليج بتمويل "الدويلة" الفلسطينية الجديدة.
ومن المخطط وفق "الصفقة" إقامة دولة فلسطينية جديدة على أراضي قطاع غزة، والضفة الغربية (باستثناء الأراضي المحتلة التي تضم مستوطنات إسرائيلية قائمة).
ويبدو هذا البند جيدا للوهلة الأولى، لكن لدى الأخذ بعين الاعتبار عدد المستوطنات الإسرائيلية وكثافة انتشارها في الضفة الغربية، نرى أنه مجرد خدعة ووهم. يقول الكاتب التركي.
وتبلغ مساحة الضفة الغربية 5 آلاف و655 كم مربعا، وتشير المصادر الرسمية الإسرائيلية إلى أن عدد المستوطنات فيها هو 156، وعدد سكانها حوالي 400 ألف نسمة، وهي تقع في محيط المدن الفلسطينية، وهي أشبه بالجُزر المستقلة عن بعضها البعض، وتتصل ببعضها بشبكة من الطرقات، ما يجعل من موضوع دولة فلسطينية في الضفة الغربية؛ لا يحمل أي معنى من الناحية الفعلية.
كما تدعو المادة الثانية من الاتفاق والتي تحمل اسم "إخلاء الأرض"، الفلسطينيين للاعتراف بهذه المستوطنات، وتوسيع الوحدات الاستيطانية بحيث تمتد لتصل إلى المستوطنات المعزولة.
تومار، يرى أن هذا الأمر يجعل من المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة بكثافة في الضفة الغربية، عائقا أمام إنشاء دولة فلسطينية على أرض موحدة.
وحسب المخططات المسربة سابقا، فإنه من المزمع أن تصبح القدس برمتها عاصمة للدولة الإسرائيلية، مقابل أن تصبح بلدة أبو ديس القريبة من القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
ويبدو أن ردود الفعل على الموضوع دفعها للتراجع واعتماد القدس عاصمة لكلا الدولتين، على أن تكون بلدية القدس تابعة لإسرائيل وأن تكون مسؤولة عن جميع أراضي المدينة، فضلا عن تلقيها الضرائب من الفلسطينيين في المدينة.
ويضيف الكاتب التركي: بهذا تكون القدس عاصمة فعلية لإسرائيل، بينما تكون في الوقت ذاته عاصمة لدولة فلسطين الجديدة أيضا، من الناحية النظرية فقط.
وتشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن عدد سكان القدس في الوقت الحالي يتجاوز 850 ألف نسمة، 64 بالمئة من اليهود، و34 بالمئة من المسلمين، ونحو 2 بالمئة من المسيحيين، أي أن التركيبة الديموغرافية للمدينة، تغيرت منذ سنوات طويلة.
وربما يبدو أن المادة الإيجابية الوحيدة في الصفقة هو منع الإسرائيليين والعرب في القدس من شراء المنازل من بعضهما البعض، إلا أن الإسرائيليين في الواقع يشكلون الأغلبية في المدينة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيشكل الوضع الجديد في المناطق المقدسة بالقدس عائقا أمام احتلال إسرائيل للمسجد الأقصى، وكذلك اعتداءات قوات الأمن والمتطرفين، فضلا عن أعمال الحفر والتنقيب ذات المظهر العلني؟ يبدو أن الأمر مشكوك فيه.
وفيما يخص المخططات المسربة سابقا، والخاصة بقطاع غزة، فهي تتطابق مع ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية، حيث قالت بأن مصر ستبني مطارا، ومصانع، ومناطق تجارية وزراعية في سيناء، بهدف تأجيرها إلى دولة فلسطين الجديدة.
وبشكل يشبه قصة "التاجر اليهودي"، تخطط إسرائيل والولايات المتحدة، لتقاضِي أجور الأراضي التي ضمتها من مصر إلى فلسطين، من دول الخليج العربي.
وفي الوقت الذي سيُمنح فيه أهالي غزة أراض قاحلة من شبه جزيرة سيناء المصرية، تضم إسرائيل غور الأردن، الواقع بين بحيرة طبريا، والبحر الميت، على أرض بطول 105 كم وعرض 10 كم، وتعد من أخصب الأراضي الزراعية لارتفاع درجة حرارة الطقس ورطوبة المنطقة.
وفيما يخص المسؤوليات المالية ضمن إطار الصفقة، فقد تم تحميل دول الخليج العربي القسم الأكبر من المسؤوليات، حيث تشير البنود المسربة إلى أنه سيتم رصد مبلغ 30 مليار دولار على مدى 5 سنوات بهدف إنشاء مشاريع خاصة بدولة فلسطين الجديدة.
وستسدّد الولايات المتحدة من هذا المبلغ حوالي 20 بالمئة، مقابل تسديد الاتحاد الأوروبي 10 بالمئة، في حين يقع على عاتق دول الخليج العربي النسبة المتبقية، وهي 70 بالمئة، في حين لا تتكفل فلسطين وإسرائيل بأية مبالغ.
كما سيُمنع على فلسطين الجديدة أن تمتلك جيشا، وستكتفي بامتلاك جهاز شرطة بأسلحة خفيفة، وستتكفل إسرائيل بحماية دولة فلسطين الجديدة، لقاء مقابل مادي تتلقاه منها، ولا شك أن هذا الأمر أشبه بـ "تسليم اللحم للقطة، وإعطائها المال فوق ذلك".
كما تنص الصفقة حسب التسريبات على تخلي حماس عن حمل السلاح، ورفع الحصار عن غزة، وإجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين تدريجيا خلال 3 سنوات.
وفي حال رفضت حماس ومنظمة التحرير للصفقة، ستلغي الولايات المتحدة كافة دعمها المالي للفلسطينيين، كما ستمنع الدول الأخرى من مساعدتهم.
ويبدو أن إسرائيل تلقت في مشروعها هذا الدعم من الولايات المتحدة، ومصر، ودول الخليج العربي، ومن المتوقع أن تجبر الفلسطينيين على القبول بهذه المواد أو مواد أخرى شبيهة، خلال يونيو/ حزيران المقبل الموعد المقترح لبدء الإعلان عن "الصفقة".
ولدى رفض فلسطين لهذه الاتفاقية التي يبدو من الصعب الموافقة عليها، ستظهر بمظهر الطرف الرافض للسلام وستُقطع عنها كافة المساعدات بالتالي، لذلك تبدو أنها محصورة في زاوية ضيقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!