إركوت أيفاز - The New Turkey - ترجمة وتحرير ترك برس
في البداية نعرِّف مَن لم يسمعوا حتى الآن بهذه القصة، لأن وسائل الإعلام الأجنبية على الأرجح لا تغطي مثل هذه الأخبار. إنها قصة الآباء الذين اختطف أطفالهم تنظيمُ بي كي الإرهابي وجندهم بالقوة. وقد اعتصم هؤلاء الآباء أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطي في ولاية ديار بكر.
وعلى خطى أول أم دعت حزب الشعوب إلى إعادة ابنها، سرعان ما انضمت أسر أخرى إلى الاعتصام الاحتجاجي أمام مكتب الحزب. وفي بداية هذا الأسبوع ارتفع العدد إلى 18 أسرة، وتلك بلا شك علامة جيدة على أن الأشخاص من أصل كردي في ديار بكر، والذين يُفترض خطأً أنهم من الداعمين الطبيعيين للحزب، زادوا انتقاداتهم النشطة لتنظيم بي كي كي.
يمكن اعتبار المعركة القوية التي تخوضها قوات الأمن التركية ضد بي كي كي في العامين الأخيرين على وجه الخصوص، وبسط سلطة الدولة الفعلية، سببًا للتحرك الأخير. وأصبحت كثير من العائلات الكردية في الوقت الحالي أكثر ثقة في معارضة بي كي كي وفروعه السياسية من أجل حماية أطفالهم.
في مثل هذه الظروف، فإن التكتيك المعتاد لحزب الشعوب، وهو حزب سياسي يعتمد على تطلعات القوميين والانفصاليين الأكراد، هو أن يتظاهر بالجهل وعدم المعرفة. ومن ثم لم يتصد الحزب لتحدي العائلات، وأغلق أبواب مكتبه في ديار بكر، والتزم الصمت بشأن الاتهامات التي وجهتها الأسر، ووصف طلباتها بأنها "استفزاز".
إن طريقة أعضاء حزب الشعوب هي ألا يتعاملوا مع الاتهامات عندما تنطوي على انتقادات شديدة ضد إرهاب بي كي كي وجرائمه. وبهذا يعترف الحزب على نحو غير مباشر بعلاقته الواضحة بتنظيم بي كي كي ولا ينكر ذلك صراحة. ولتذكير قرائنا من خارج تركيا، فإن تنظيم بي كي كي يصنف على أنه منظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الرغم من أن كليهما لا تمتلك الرغبة في القتال ضد التنظيم.
وعلى الرغم من أن من اللغز الذي يستحق النظر فيه هو لماذا يتجاهل المراسلون الأجانب ووسائل الإعلام الغربية الأوسع نطاقًا التي تغطي عادةً الأحداث في تركيا بتفصيل كبير، تجاهلت عمدا الأحداث الحالية في ديار بكر، ورغم ذلك فإن التركيز الرئيسي ينصب على السبب في التزام الشخصيات التركية المشهورة الصمت بشأن الحادث الحالي في ديار بكر، سواء على وسائل الإعلام التقليدية أو وسائل التواصل.
وقبل التطرق إلى الأسباب المحتملة وراء مسلك هذه الشخصيات المعروفة، يجب التمييز بوضوح بين أنواع مختلفة من اليساريين في تركيا. هناك فرق بين الأشخاص ذوي التوجه اليساري الذين يتعاطفون علانية مع القوميين اليساريين الأكراد والماركسيين الأكراد وأنصار البي كي كي المنحدرين من أصل كردي من جهة، وبين الكماليين اليساريين العلمانيين التقليديين من ناحية أخرى. تقليديا، حافظ الكماليون العلمانيون اليساريون على مقاربة قومية قوية استبعدت دعم الانفصال.
على أن الشباب الكمالي الأصغر سنا لا يتبع الموقف القومي التقليدي للأجيال السابقة، ويتبنى لهجة أكثر نعومة ضد الانفصاليين الأكراد لأغراض عملية، ومن ثم أصبحت الحدود بين هذين المعسكرين غير واضحة. وبالنظر إلى هذا التحول المستمر، فإن الفنانين والكتاب والمفكرين الأتراك الذين وضعوا أنفسهم منذ زمن طويل على أنهم من الجناح الكمالي اليساري العلماني، يفضلون الآن إما التزام الصمت أو دعم الخطابات الودية تجاه حزب الشعوب.
وبطبيعة الحال، يتجاوز التقييم والتحليل الشامل لهذا التحول الأساسي حدود هذا المقال، على الرغم من أن الافتراضي الأولي لهذا التطور الاجتماعي والسياسي هو أن هناك قلقًا غريبًا بين الأشخاص ذوي التوجه اليساري وجيله الأصغر سنا من التعرض للوصم باعتباره متعاطفًا مع حزب العدالة والتنمية.
لقد أعمت العقلية المتحيزة الشخصيات البارزة في الكتلة اليسارية، وأدت إلى تغيير سلوكهم، مما دفعهم إلى التزام الصمت حتى تجاه جرائم بي كي كي. وبالتالي، فهي ظاهرة تستحق المزيد من البحث الأكاديمي. ما الذي دفع بعض اليساريين إلى التزام الصمت ورفض الاستجابة لمشكلة إجرامية وإنسانية كبيرة، مثلما اتضح في الاعتصام الأخير في ديار بكر؟
في ظل هذه الظروف، ينبغي أن يبدأ مؤيدو الجناح اليساري العقلاني في التشكيك في المسار الحالي للكتلة اليسارية القومية التقليدية في تركيا وموقفها السياسي الذي يتجه نحو تدمير الذات على المدى الطويل.
إن التعامل الرومانسي مع حزب سياسي بتجاهل انتمائه إلى منظمة إرهابية ستقوض الكتلة اليسارية الرئيسية في تركيا وثقة مؤيديها. وسيؤدي الإخفاق المستمر في عدم النقد وعدم معارضة تجنيد بي كي كي للأطفال بالقوة من أجل تحقيق أهداف قصيرة، إلى ترك اليسار العلماني التقليدي في تركيا دون مكان على المدى الطويل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس