أحمد الهواس - خاص ترك برس
قُتل سليماني فكثرت التحليلات واتفق غالبية المحللين أنّ شبح الحرب بات يخيم على المنطقة، بل إنّ الحربَ قامت فعلاً بين إيران وأمريكا ولم يبق إلاّ الإعلان الرسمي عنها!
لا شك أنّ قاسم سليماني ليس بالرجل العادي، فهو رجل الظل في السياسة الإيرانية كما يبدو وأحد صناعها في الواقع، بل إن السياسة الإيرانية الخاصة بالمنطقة العربية – ما بعد ثورة خميني - تكاد تكون مرتبطة به ارتباطًا عضويًا، وهو الثابت الوحيد في السياسة الإيرانية كما المرشد الذي ينهي دوره جنرال الموت فقط!
لا أحد يعرف المنبع الفكري الذي استقى منه سليماني هذه العدوانية والطغيان تجاه العرب السنة سوى انتمائه للمذهب الإمامي وأنه كان منذ البداية في ثورة خميني وعُرف بشراسته في تحقيق أهداف الثورة، ولهذا انغمس في الحرب العراقية الإيرانية وتمت ترقيته عسكريًا وصولاً لرتبة جنرال وهو الذي لم يحظَ بتحصيل علمي عال ولا تخرّج في أكاديمية عسكرية، فقد كانت أفعاله الإجرامية سبيله للوصول إلى هذه المكانة المتميزة وهي قيادة فيلق القدس الذي يكلّف بالأعمال القذرة خارج البلاد، وهو الذراع الخشن لتصدير الثورة وليس لتحرير القدس، ومن خلال هذه الفيلق وما يضم من أذرع طائفية في بلاد مختلفة تمت لإيران السيطرة على أربع دول عربية!
لعل الثورة السورية هي التي أظهرت الوجه القبيح لسليماني، بل لنقل حقيقة الدور الإيراني في المنطقة، حيث جيشت إيران غلاة الشيعة في كل مكان وزجت بهم في معركة ضد الشعب السوري تحت عنوان "لن تسبى زينب مرتين" وقد ظهر سليماني في الثورة السورية كحاكم فعلي لسورية، ومن خلال أفعاله تبين للناس أن فيلق القدس لم يكن يومًا لتحرير القدس بل لحماية محتلي القدس، فالنظام الطائفي في سورية يقوم بدور حماية الصهاينة والحفاظ على سلامتهم، وقد جاءت الثورة السورية لتغير المعادلة، وتسقط كذبة حلف المقاومة والممانعة، وأن ما قاله رامي مخلوف هو الحقيقة بأنّ أمن إسرائيل من أمن النظام وبقائه، بل إن الهزائم التي مني بها سليماني وأذرعه الطائفية جعلت أمريكا تُكلف روسيا بمهمة الفضاء على الثورة السورية!
لقد كشفت الثورة السورية عن حقيقة التحالف الأمريكي الإيراني الصهيوني، ولكن ما أبقى كذبة المقاومة قائمة هي العلاقة العميقة بين إيران وحماس نتيجة تخلي العرب عن حماس، وكذلك دعم أنظمة الرز للانقلاب في مصر فعاد النظام العسكري محملاً بالحقد على الإخوان – التي تنتمي لهم حماس – فضلاً عن دعم الصهاينة للانقلاب على الحكم المدني، وكل هذه الأمور لا تبرر لحماس علاقتها بإيران في وقت تقتل فيها السنة في العراق وسورية وقد هجّرت الملايين وهي تقاتل إلى جانب الروس في سورية وهؤلاء ليسوا بمسلمين مختلفي المذهب!
لعل بروز داعش في العراق وسورية وتمددها بطريقة بعثت الشك والريبة في حقيقة تشكيلها وتمويلها، ومن ثمة تشكل الحشد الشعبي في العراق بفتوى السيستاني لمقاتلتها، والتعاون مع إيران لحربها والدفع بسليماني للعراق لمقاتلتها حيث توحدت الجهود الأمريكية الإيرانية في القضاء عليها! أمر لم يترك إشارة استفهام عند المتابعين للأحداث بل أبان عن العلاقة الحقيقية بين إيران وأمريكا، ولكن صوت هؤلاء ظل خفيتًا، فالإعلام الذي تصنعه أربع وكالات إعلامية في عموم العالم يختار البقعة التي يريدها في صناعة الحدث الإعلامي، ويجعل من خلال التكرار الكذب حقيقة ، ويبعد كل من يريد كشف الحقيقة!
أنهت أمريكا منذ شهرين حكاية البغدادي في حدث لم يبدُ مهمًا فقد انتهى الجسد الذي قيل أنه باق ويتمدد، وقضى في طريقه على بوادر ثورة عراقية سلمية، وأنهى مع نهايته أهم بقعة جغرافية للعرب السنة أو الكتلة الصلبة في سورية بعد تفريغ نحو 80 بالمئة من سكانها مع الحفاظ أو لنقل الاقتتال إن لزم الأمر على ثرواتها الهائلة لتنتهي إلى منطقة بيد إيران وأذرعها وأخرى بيد قسد برعاية أمريكية!
لم يدر سليماني الذي ربما كُلف يومًا بإنشاء داعش قبل مقاتلتها أنّه الطرف المكافئ للبغدادي، وأن زوال البغدادي منذر بزواله، فقد بات الصندوق الأسود للعلاقة الخفية أو الحقيقية بين أمريكا وإيران، وهو مجرم سيكون ظلاً ثقيلا في قادم الأيام فهو المسؤول المباشر عن قتل عشرات الآلاف في سورية وتهجير الملايين عدا عن الإشراف على حملات التشيع وتجنيس القادمين إلى سورية فكان لا بدّ من التخلص منه!
لقد أدّى تصاعد الحراك الشعبي في العراق إلى تصاعد التفكير الأمريكي الإيراني بوسيلة السيطرة عليه، وحرّف الأنظار عنه، وألا تسقط الدولة العميقة التي بنتها أمريكا بإشراف إيران في العراق "دولة المرجعية" أو لنقل دولة الفوضى التي تكفل بأن العراق لن يتفاعل مع محيطه العربي ولن يكون دولة ناهضة، بل تابع لإيران وموارده للنهب وليس للبناء!
لم يكن من حدث يحقق مجموعة من الأهداف لإيران وأمريكا معًا كحادث قتل سليماني، وكان بإمكان إيران التخلص منه في سورية، وكذلك تستطيع أمريكا أو إسرائيل ذلك، ولكن تمّ اختيار المكان بعناية ليس ليكون العراق مكانًا للقتل بل للدفن أيضًا ليعطى للقتيل هالة قدسية عند أتباع المذهب، ولدفن الصندوق الأسود ودفن الحراك الشعبي العراقي!
تكمن الأهداف المشتركة بأن أمريكا تغسل وجهها أمام "السنة" بأنّها ليست راضية عن جرائم إيران في سورية، وأنها لم تكن على تحالف معها في سورية، وأن ثمة صراعًا عنيفًا بين طهران واشنطن ولعله بدأ! وتزداد أسهم ترامب بأنّه قضى على البغدادي وسليماني مما يقوي من فرص بقائه في الحكم ومن ثمة الترشح لولاية ثانية، وإيران تغسل يدها من جرائم سليماني، فقد تم التركيز على سليماني إعلاميًا قبل مماته بوصفه الجنرال الطاغية ومهندس التغيير الديمغرافي في سورية، في حين صمت الإعلام عن مئة ألف مقاتل طائفي يذبحون بالشعب السوري، ولم تبادر أي دولة عربية أو إسلامية لوسمهم بالمرتزقة ولم تقم أمريكا ولا غيرها بوضعهم على قوائم الإرهاب أو اعتبار دخول إيران لسورية غزوًا يدخلها في الفصل السابع!
لقد جاء مقتل سليماني ومن معه ليصيب عدة عصافير بضربة واحدة، فقد أعاد إيران إلى الواجهة كعدوة لأمريكا وقائدة حلف المقاومة، والتخلص من الصندوق الأسود، وحرف الضوء عن الحراك الشعبي العراقي الذي سيعمل على الانتهاء منه بتخويف المعتصمين بأن المنطقة لم تعد آمنة، ومن ثم التحضير لتغيير في العراق يضمن بقاء دولة المرجعية..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس