الأميرال جهاد يايجي - الجزيرة مباشر
تستند العلاقات المصرية التركية -التي يعود أساسها للإرث الأناضولي- إلى جذور ضاربة في القدم. بل وحتى معاهدة قادش، المعروفة كأول معاهدة دولية مكتوبة في تاريخ البشرية، وُقعت بين الدولة الحثيّة في الأناضول ومصر عام 1274 قبل الميلاد.
يعود استقرار الأتراك في مصر إلى عام 868م. إذ حكم مصرَ حكامٌ من أصل تركي لمدة 700 عام، في السنوات بين 1250 و1952. ولم يتمكن الأتراك من الحفاظ على مناصبهم الإدارية في منطقة جغرافية لفترة طويلة، بمقدار الفترة التي استطاعوا البقاء فيها بمصر. ولذلك، يفخر المصريون المنحدرون من أصل تركي بانتمائهم. وكما أن هناك جالية تركية نبيلة مهمة في مصر، سواء المقيمون منذ الفترة التي سبقت نهاية الإمبراطورية العثمانية أو من الناس الذين استقروا طوعًا في مصر بعد تفكك الإمبراطورية. لذلك، فإن الشعبين التركي والمصري ليسا صديقين فحسب، بل أيضًا أقرباء وأشقاء.
وقد تم ترقية العلاقات بين مصر وتركيا التي أُسّست عام 1925 على مستوى القائم بالأعمال، إلى مستوى السفارة عام 1948. وعلى الرغم من عدم وجود مشاكل كبيرة في العلاقات السياسية بين تركيا ومصر حتى عام 2003، فإن اتفاق ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي وقعتها مصر مع الإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص في 17 فبراير/ شباط 2003 أثر على المسار الإيجابي للعلاقات.
غير أن الشعب التركي لم ينس دعم مصر لتركيا في ضم جمهورية شمال قبرص التركية كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي باسم “الدولة القبرصية التركية”، ولا وقوفها إلى جانب تركيا لطرد عبد الله أوجلان -زعيم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي الانفصالي- من سوريا والضغط على بشار الأسد لتحقيق ذلك. وإن دعم مصر، الذي استمر لاحقًا، مهم للاعتراف بـ”الجمهورية التركية لشمال قبرص” باعتبارها “دولة قبرصية تركية”، كما ورد في منظمة المؤتمر الإسلامي.
ومع تغيير نظام حسني مبارك بمصر في 11 فبراير/ شباط 2011، انتُخب محمد مرسي رئيسًا، لكن الجيش استولى على السلطة وعزله من منصبه في 3 يوليو/تموز 2013.
بعد الأحداث التي شهدتها مصر عام 2013، شهدت العلاقات التركية المصرية تدهورًا خطيرًا على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، إلا أن العلاقات الاقتصادية استمرت في التطور. وكما قلنا، تحسنت العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وواصل ضباط مصريون تدريبهم في تركيا، حتى خلال فترة التوتر السياسي تقدّم 1033 طالبًا مصريًّا عام 2019 بطلب للحصول على منح دراسية في جمهورية تركيا. كما ارتفع عدد الطلاب المصريين الراغبين بالدراسة في تركيا بنسبة 25% خلال السنوات الأخيرة.
وبحلول عام 2016، أشار رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم إلى أن الوضع الحالي ليس عقبة رئيسية أمام التعاون الاقتصادي. ورحبت مصر بالواقع الجديد، وطلبت من تركيا قبول الحكومة المصرية القائمة. وبحلول عام 2021، عقدت محادثات استكشافية بين وفدي وزارتي خارجية البلدين، أولاها بالقاهرة في مايو/أيار، والثانية بأنقرة في سبتمبر/أيلول، ودخلت العلاقات السياسية مسار التعافي. حيث قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين خلال مقابلة في 8 مارس/آذار 2021 إن “مصر تمثل عقل العالم العربي وقلبه”.
وتبقى مصر في مكانة خاصة بمنطقتها، كونها البلد الذي لديه أكبر خبرة دولة وأكبر جيش عددًا في العالم العربي، وأحد أكثر الأنظمة استقرارًا في المنطقة، والشريك السياسي الأكثر أهمية للغرب بين الدول العربية. كما تُعد مصر ثاني أكبر سوق ناشئة في القارة الأفريقية بعد نيجيريا، وهي دولة لها القدرة على تلبية احتياجات أوربا المستقبلية من الطاقة بموارد الغاز الطبيعي الغنية.
غير أنها تملك ثالث أكبر اقتصاد في الدول العربية بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وثاني أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا.
ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.1% خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو/حزيران 2022.
هذا، وتمتلك تركيا القدرة الاقتصادية والخبرة الفنية اللازمة للتصنيع، بتكلفة أقل وجودة عمل أفضل من جميع الشركات العاملة في مصر، وفي جميع المجالات كالبناء والدفاع والتعليم والصحة.
عندما نلقي نظرة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين من عام 2006، سنرى أن إجمالي حجم التجارة التركية المصرية كان مليار دولار أمريكي، لكنه وصل اليوم إلى نحو 5 مليارات. وبحسب هذه الأرقام، لا تزال مصر هي وجهة التصدير الأولى لتركيا في القارة الأفريقية.
كما أن تركيا هي الشريك التجاري الرابع لمصر، ويعمل نحو 200 شركة تركية في مصر 40 منها برؤوس أموال كبيرة، حيث تزيد الاستثمارات التركية المباشرة على ملياري دولار أمريكي. ويعمل أكثر من 75 ألف عامل وموظف مصري في المصانع التركية.
وتتوزع الاستثمارات التركية في مصر على قطاعات متعددة، مثل الأقمشة والسيارات والأعمال المصرفية وصناعة الزجاج وكربونات الصوديوم والبناء والطاقة والأغذية المصنعة والأجهزة المنزلية. ووقعت شركات المقاولات التركية 26 مشروعًا بقيمة مليار دولار أمريكي في مصر حتى الآن.
وتتشابه تركيا ومصر -الدولتان الكبريان في المنطقة- من الناحيتين الاقتصادية والتجارية، في خلفياتهما التاريخية الغنية والمشتركة، وتموضعهما الجيوستراتيجي، وامتلاكهما القوى العاملة المتقدمة والموارد الطبيعية، مما يهيئ أرضية واسعة للتعاون الاقتصادي والتجاري.
وعلى الرغم من أن مصر بذلت جهودًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في البنية التحتية للصناعات الدفاعية منذ ثورة عام 1952، فإنها لم تحقق ذلك في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ولم يتسنّ لها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الذي وصلت إليه في مجال الأسلحة الصغيرة والذخائر. فيمكن لتركيا ومصر التعاون ودعم إحداهما الأخرى في الصناعات الدفاعية (مثل الأسلحة والأنظمة وأجهزة الاستشعار والذخيرة وصناعة السفن).
ومن المؤكد أن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وزيادة أنشطة التعاون في مختلف المجالات بين مصر وتركيا -الدولتين الصديقتين والشقيقتين- سيسهم في السلام والاستقرار بمنطقتنا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس