ترك برس
عيّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كبير مستشاريه والمتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم قالن، رئيساً لجهاز الاستخبارات، في خطوة أثارت تساؤلات واستغراباً لكون الأخير أكاديمي لم يسبق له العمل في السلك الأمني والاستخباراتي.
وبموجب التعيين هذا سيتعين على قالن، المعروف بحبه للموسيقى والأدب وتخصصه في الفلسفة والتاريخ أن يدير أحد أهم الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة والعالم.
ورغم ورود اسمه بجانب بعض أسماء الوزراء الجدد في تقارير وتسريبات سبقت الإعلان الرسمي عن التشكيلة الحكومية، فقد ظل تعيينه مستغربا، نظرا لعدم امتلاكه سيرة مهنية سابقة في السلك الأمني أو الاستخباراتي، ما أثار تساؤلات حول أسباب وموجبات هذا التعيين ودلالاته.
من إبراهيم قالن؟
وكتب قالن على حسابه في تويتر، تعليقًا على قرار تعيينه على رأس جهاز الاستخبارات الوطني: "من أجل وطني الجميل، لا توقف بل سنواصل الطريق". وأضاف في تغريدة لاحقة: "سأواصل العمل من أجل تركيا قوية وآمنة ومستقلة".
قالن المولود عام 1971 في إسطنبول تخرج عام 1992 في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة إسطنبول، وأكمل دراساته العليا في الفكر الإسلامي والفلسفة في ماليزيا، واختتم مشواره التعليمي في جامعة جورج واشنطن الأميركية التي منحته شهادة الدكتوراه عام 2002.
أسس الأكاديمي التركي -الذي حاضر في الفكر الإسلامي والعلاقات الإسلامية الغربية في عدد من الجامعات أهمها جورج تاون وبيلكنت- عام 2005 وقف الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة المعروف باسم "سيتا". وفي عام 2007 أصدر كتابا بعنوان "الإسلام والغرب" ونال به الجائزة الفكرية لاتحاد الكتاب الأتراك. لاحقا، أصدر عدة كتب في نفس الإطار بالإضافة إلى الفلسفة والفكر والتاريخ.
المناصب السياسية
في عام 2009، قدمه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو للحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان ليتولى أول منصب حكومي له بصفة كبير مستشاري رئيس الوزراء المسؤول عن السياسات الخارجية. وفي عام 2012 ارتقى إلى منصب وكيل رئاسة الوزراء.
ومع تولي أردوغان رئاسة البلاد عام 2014 تولى قالن منصب نائب الأمين العام للرئاسة، ومنحه لاحقا صفة سفير وعينه متحدثا باسم الرئاسة في عام 2014.
واعتبارا من عام 2018، ومع انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي، تولى قالن منصب كبير مستشاري الرئيس.
ونتيجة علاقته المميزة مع داود أوغلو، فإنه وعلى الرغم من مغادرة الأخير للحكومة عام 2016 ثم تحوله إلى المعارضة، اعتقد عدد من المراقبين بأن إبراهيم قالن سيلحقه إلا أن الأخير فضّل البقاء مع الرئيس أردوغان.
انخراط في الأمن القومي
في السنوات الخمس الأخيرة التي شغل فيها منصب كبير مستشاري الرئيس، انخرط قالن في كل الملفات الخارجية ذات البعد الأمني كجزء من عمله، وهو ما يفسر، وفق محللين، اختياره ليخلف هاكان فيدان في جهاز الاستخبارات الوطني، إذ يدخل الأول إلى الظل، بعدما خرج الثاني إلى الأضواء.
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن المحلل السياسي والخبير في الشأن الأمني التركي أحمد حسن، قوله إن المشاريع الأمنية التي تم إدخال قالن فيها تتعلق جميعها أساسًا بترتيبات الأمن القومي ورسم إستراتيجية العمل في الاستخبارات وباقي المؤسسات الأمنية، معتبرا أن هذه "أعمال أمنية بامتياز".
ويرى الخبير الأمني أن قالن خاض -وهو مسؤول عن كل لقاءات الأمن القومي مع نظرائه الأميركيين والروس والأوروبيين- أنجح المفاوضات التركية، فهو مسؤول عن إنضاج التفاهمات الأمنية مع روسيا والولايات المتحدة، كما أن له دورا مهما في مذكرة التفاهم المبرمة مع السويد وفنلندا.
مؤهلات غير تقليدية
إلا أن الخلفية الأكاديمية الثقيلة والأعمال البحثية والفكرية التي أنتجها قالن تجعل من السؤال عن دلالات تعيينه على رأس الاستخبارات التركية وخوضه في ملفات الأمن القومي مبررا.
وفي الإجابة عن هذا السؤال، يشير حسن إلى أن الرئيس أردوغان عاد بهذا التعيين إلى الدور التقليدي للاستخبارات في دول العالم المتقدم، حيث تعتبر مراكز الدراسات جزءا رئيسيا من أدوات العمل. ويعتبر قالن مؤهلا جدا في هذا الجانب بسبب سجله الأكاديمي وتخصصه في المقارنة ما بين العقلية الشرقية والغربية والبعد النفسي لها، وما كتبه قبل العمل الرسمي كان أيضا جزءا من هذه المؤهلات.
ويرى المحلل والخبير الأمني أن قالن، وفق ما سبق، ليس مؤهلا فحسب بل هو مطلوب لهذا الموقع في السياسة التركية الجديدة، والتي تركز على صناعة الهوية الوطنية. ويضيف: "يدرك الرئيس أردوغان أهمية وجود شخصية ذات نشاط أكاديمي عال على رأس الجهاز المسؤول أمنيا عن مشروع بناء الجمهورية الجديدة في كافة المفاصل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها".
تداخل بين الخارجية والاستخبارات
من جهته، يرى الصحفي التركي حمزة خضر أن قالن وفيدان كانا على تواصل دائم خلال الفترة السابقة، ومن ثم سيستمران في التنسيق.
ولفت خضر أن لدى أردوغان توجها يقوم على دمج جزئي لعمل كل من وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات نتيجة التداخل الكبير بين مجالي عملهما.
وبينما رجح "استمرارية" العمل السابق لهاكان فيدان، أكد الصحفي التركي إمكانية حدوث تغيير ببعض الملفات، ومن ذلك ملف التطبيع مع النظام السوري، على سبيل المثال.
ورأى خضر أن النبرة الصارمة التي كانت تصدر عن قالن مقارنة بوزير الخارجية السابق مولود جاويش أوغلو تجاه النظام السوري تكشف عن حرص كبير لدى الأول على تحقيق شروط أنقرة قبل المضي في مسار التطبيع.
مزايا وأولويات
يمكن لرئيس الاستخبارات التركية الجديد أن يعتمد على مواقعه السابقة لتسهيل عمله الجديد، وفق ما يرى خضر، الذي لفت إلى أن منصب قالن كمتحدث باسم الرئاسة التركية أكسبه علاقات دبلوماسية جيدة يمكن أن تساعده في تسيير عمل أجهزة الاستخبارات، والتي تحاول بالطبع أن تلعب دورا دبلوماسيا وأن تستمر في لعب هذا الدور.
أما الأولويات التي سيتعين على قالن التعامل معها في منصبه الجديد، فهي تتمثل، بحسب الخبير الأمني أحمد حسن في "تغيير أدوات السياسة الأمنية في الجهاز، وتعويض النقص في هذا الجانب، وإتمام ما بدأه فيدان من إعادة الهيكلة".
ويتوقع حسن أن يعمل قالن على التطوير الأكاديمي في أكاديمية الأمن والاستخبارات، وكذلك تطوير أدوات التعامل مع المواطنين، وإنهاء الصورة السلبية لمرحلة ما بعد الانقلاب الفاشل، وهو ما سيكون، وفقا للمتحدث، سهلا على رجل الظل الجديد تحقيقه بالنظر إلى سمعته الجيدة في الأوساط التركية بكافة شرائحها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!