ترك برس
أكد الكاتب والإعلامي التركي عبد الله مراد أوغلو، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمثل "أمريكا من دون أقنعة".
وقال مراد أوغلو في مقال بصحيفة يني شفق إن ترامب هو "تجسيد حي لثقافة سياسية عمرها 250 عامًا".
وأضاف: "لا غرابة في أن تظهر أمريكا على صورتها الحقيقية؛ ترامب.. الوجه العاري لأمريكا".
وفيما يلي نص المقال:
هل يمثل ترامب انحرافًا عن "الطريق الأمريكي الرئيسي"، أم أنه التجسيد الحقيقي لهذا الطريق؟ هل هو المخرّب الذي يهدم "النظام الدولي القائم على القواعد الليبرالية"، أم أنه الكاشف عن طبيعته الحقيقية والمحطم الجريء للأصنام التي تخفي جوهر هذا النظام؟
لقد فاز ترامب، والسؤال الأهم الآن: كيف ستبدو أمريكا بعد ذلك؟ هل ستكشف عن وجهها الحقيقي، أم سيتم إخفاؤه مجددًا تحت غطاء زائف؟
"المؤسسة الحاكمة الأمريكية"، أو ما يسميه ترامب "الدولة العميقة"، تكن له عداءً شديدًا. هذه النخبة السياسية، رغم انقسامها الظاهري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تشكل في الحقيقة "حزبًا واحدًا" يقف في وجهه.
إن سبب كراهية هذا "الحزب الموحد" لترامب ليس لأنه غريب عن النظام، بل لأنه بمثابة مرآة تعكس الوجه الحقيقي لأمريكا، ذلك الوجه الذي لا يريد هذا الحزب أن يظهر للعالم. إنه يكشف الحقيقة التي يسعى النظام لإخفائها. هذا الحزب لا يريد أن يرى صورته الحقيقية منعكسة بوضوح.
هناك قصة شهيرة عن ملك أمر خيّاطي مملكته بصنع رداء فريد لا مثيل له. لكن الملك لم يكن راضيًا عن أي من الأقمشة التي عرضت عليه، حتى جاء خياط ماكر، وأقنعه بأنه صنع له أجمل رداء في التاريخ، رغم أنه لم يكن هناك أي رداء على الإطلاق. الجميع تظاهر برؤية هذا الزي الخيالي، وخرج الملك إلى العلن عارياً، بينما كان المحيطون به يثنون على فخامته. غير أن طفلًا صغيرًا لم يعرف الخوف بعد، صرخ بالحقيقة: "الملك عارٍ!"
هذا تمامًا ما فعله ترامب مع "أمريكا التي يحكمها الحزب الواحد". لقد قال ما لا يجرؤ الآخرون على قوله، ولذلك استحق أن يكون مكروهًا.
تريد أمريكا من الجميع أن يؤمن بأنها "أمة استثنائية"، وأن العالم بدونها سيسقط في الفوضى، وأنها "لا غنى عنها" لحفظ الاستقرار. تتقمص دور "حامية النظام الدولي القائم على القواعد الليبرالية"، وتروج لفكرة أن استمرار هيمنتها يصب في مصلحة البشرية جمعاء. في روايتهم هذه، هناك "أخيار وأشرار"، لكن الأشرار يتغيرون، فيما تبقى أمريكا دائمًا في صف "الخير".
الإعلام الأمريكي هو الأداة الرئيسية في هذه اللعبة. تتمثل وظيفته الأساسية في إعادة تشكيل الواقع بحيث يظهر للعالم كما تريد أمريكا أن تراه، وفقًا لصورتها الخاصة.. هذه الخدعة البصرية لا تضلل العالم فحسب، بل تبدأ أولًا بتضليل الشعب الأمريكي نفسه، ثم تمتد إلى بقية الشعوب. إنه نظام قائم على الوهم والتلاعب، حيث يتم تبديل الحقائق ببراعة، لتبقى الصورة التي تريدها أمريكا هي الصورة الوحيدة التي يراها الجميع.
لكن هذه الخدعة، التي ترافقت مع العولمة وسارت جنبًا إلى جنب معها، ألحقت في نهاية المطاف ضررًا بالغًا بأمريكا. كان الأمر أشبه بإنتاج سينمائي ضخم، لكن إيراداته في شباك التذاكر كانت مخيبة للآمال. العولمة النيوليبرالية، التي ارتفعت كشعار يوحّد العالم، انتهت إلى "عولمة ممزقة". لم يعد الانقسام مقتصرًا على الاقتصاد، بل طال السياسة والثقافة والأخلاق وكل مناحي الحياة. فالجميع يتفكك.. أمريكا تتفكك.. أوروبا تتفكك.
موجة الدمار التي أطلقتها العولمة تضرب الجميع بشكل أو بآخر. أما في نظر أنصار ترامب، فقد كلّفت العولمة الولايات المتحدة صعود "الصين المنافسة"، وهو أمر لا تقبله واشنطن. أمريكا لا تريد ندًّا لها، بل تريد أن يكون الجميع أصغر منها. عندما كانت أمريكا في القمة، كانت العولمة شيئًا رائعًا، أما الآن وقد أصبح لها منافسون، فقد تحولت إلى عبء ثقيل. مرحبًا بكم في عالم ترامب: "أمريكا العظمى.. ودول صغيرة في محيطها".
في 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، نشرت مجلة "ذا أتلانتيك" مقالًا بعنوان "مستقبل أمريكا المعزول: ماذا يحدث عندما تتبنى أمة رؤية تقوم على المكاسب الصفرية؟"، حيث طرح الكاتب ديفيد فروم وجهة نظره بأن ترامب يمثل تهديدًا جسيمًا للأمريكيين والعالم.
بحسب فروم، وهو من المحافظين الجدد والجمهوريين البارزين، فإن ترامب هو أول رئيس أمريكي يرفض الرؤية العالمية التي صاغتها الأحداث الكبرى مثل "الكساد العظيم"، و"الحرب العالمية الثانية"، و"الحرب الباردة". ووفقًا له، فإن فوز ترامب بولاية ثانية يعني تخلي أمريكا عن دورها كـ"الراعي السخي للنظام العالمي الليبرالي"، ليس فقط في مجالات التجارة والدفاع، بل أيضًا في القضايا البيئية، وإنفاذ القانون، والتنظيمات المالية، وسلامة الأغذية والأدوية، وغيرها من قضايا التعاون الدولي. بعبارة أخرى، يرى فروم أن ترامب "عدو لكل ما يُعرف بأنه أمريكي". لكن في نظر ترامب، فإن "كل ما يُعتبر أمريكيًا" ما هو إلا خدعة كلفت البلاد ثمنًا باهظًا.
التواطؤ الأمريكي في "الإبادة الجماعية للفلسطينيين" على يد إسرائيل كشف للعالم حقيقة ما يُسمى بـ"النظام الدولي القائم على القواعد الليبرالية". فحتى الأمم المتحدة لم تستطع منع إسرائيل من ارتكاب المجازر، لأن الفيتو الأمريكي كان كفيلًا بإسقاط أي محاولات للمحاسبة. لقد أظهرت واشنطن، من خلال دعمها غير المشروط لإسرائيل، أن القانون الدولي ليس سوى أداة تُستخدم عندما تخدم مصالحها، ويتم تعطيلها عندما تتعارض مع هذه المصالح. وبينما كانت تمارس هذا الدور، حاولت في الوقت ذاته أن تحافظ على صورتها كحامية "الشرعية الدولية" و"القانون الإنساني".
أما بالنسبة لترامب، فإن أمريكا لا تحتاج للاختباء خلف الشعارات الليبرالية الباهظة الثمن. فهي تملك القوة الكافية لفعل ما تريد، كيفما تشاء. وعلى خصومها وحلفائها على حد سواء أن يدركوا أن تلك الشعارات ليست مجانية، بل عليهم أن يدفعوا ثمنها.
ترامب هو أمريكا من دون أقنعة. إنه تجسيد حي لثقافة سياسية عمرها 250 عامًا. فلا غرابة في أن تظهر أمريكا على صورتها الحقيقية: ترامب.. الوجه العاري لأمريكا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!