ياسين أقطاي - يني شفق

في تلك الأيام، لم تكن هناك وسيلة أخرى لإعلان دخول وقت الإفطار سوى الأذان. لا مدفع إفطار ولا تلفاز ولا راديو. وفي ذلك الوقت كانت الثواني تمر ببطء كالساعات، كان الأذان يصدح معلنًا دخول وقت الإفطار، فنهرع إلى الماء المثلج ولا نشربه إلا بعد التسمية. كنا نشرب أربعة أو خمسة أكواب من الماء دفعة واحدة، حتى نرتوي، لكن الارتواء كان مستحيلًا بالطبع. ومع استهلاك ذلك القدر الزائد من الماء، كنا نتوقف عن الأكل في البداية، بسبب انتفاخ بطوننا وما يصاحبه من غثيان شديد أو ألم. بالطبع، كان اندفاعنا الشديد لإرواء عطشنا دفعة واحدة يمنعنا من شرب الماء بطريقة منظمة ومتزنة.

في شهري يوليو وأغسطس بولاية "سيرت"، كانت أسطح المنازل في المساء بمثابة غرفة جلوس أو صالة للمنزل، حيث كان الناس يقضون معظم أوقاتهم هناك. وبالتالي، كانت موائد الإفطار تُقام أيضًا على الأسطح. وكان والدي رحمه الله يحضر البطيخ الذي اشتراه بعناية من السوق مسبقًا، ويغسله ويضعه على جدار السطح، منتظرا أن يبرد قليلاً.

كنت أعتقد حينها أنه لا أحد يجيد اختيار البطيخ أفضل من والدي. فقد كان اختيار البطيخ بالنسبة له مهارة وخبرة خاصة لا تقبل المنافسة. بمعنى آخر، لا أحد يستطيع اختيار البطيخ أفضل منه، فكان يحمل البطيخة إلى أذنه وينقر عليها بطرف إصبعه عدة مرات بحرص شديد، وكأنه يقوم بأعقد عملية في العالم. وبعد فحص دقيق، يختار البطيخة التي لا مجال لخيبة الأمل فيها، ولكن أحيانًا كانت تخيب التوقعات، وعندها كان ينفجر غاضبًا بكلمات ساخرة موجّهة إلى البائع، مما كان يضفي علينا جوًا من المرح والضحك. وهكذا تعلمنا منذ الصغر أنه لا يوجد "ضمان" لجودة البطيخ، بل إن هذه الفكرة أصبحت لاحقًا مجازًا شائعًا يُستخدم عند الحديث عن الزواج، فاختيار شريك الحياة يشبه اختيار البطيخ؛ قد تمتلك خبرة وحسن تقدير، لكنك تظل معرضًا للمفاجآت غير المتوقعة.

ونظرا لقصر الوقت بين الإفطار والسحور في أشهر رمضان التي تقع في الصيف، كان الرجال يقضون معظم أوقاتهم في الخارج، ومعظم التجار الذين يصومون في النهار يفتحون متاجرهم في الليل، خاصة بعد صلاة التراويح، ويعملون حتى السحور. كانت المقاهي تخرج بكراسيها إلى الخارج؛ إلى الأرصفة وحتى إلى الشوارع، وكان الناس يستمتعون برمضان بطريقة مختلفة، بالدردشة والمحادثة، وربما بلعب الضامة أو الطاولة أو الورق. وكان الباعة المتجولون يتجولون بين الحين والآخر، ويبيعون الكعك أو حلويات "الحلقة" أو المكسرات، مما كان يشكل وجبة خفيفة بين الإفطار والسحور. وهكذا كانت ليالي رمضان التي تمتلئ فيها المقاهي في الشوارع الرئيسية الثلاثة بالناس، تضفي على المدينة جوًا احتفاليًا كاملًا لمدة شهر.

كان الرجال يعودون إلى المنزل مع اقتراب وقت السحور. وبعد سنوات وصفت حليمة طوروس هذه العودة بقصة جميلة جدًا في كتابها الذي يحمل نفس الاسم، والصادر عن دار "وادي" (الرجال القادمون مع السحور، 1994). كان بعضهم يصل مباشرة ليجلس على مائدة السحور، بينما يأتي آخرون في وقت أبكر، لإيقاظ أفراد العائلة لإعداد السحور. ولكن بالطبع، أن يُوقَظ المرء بقرع طبل مسحراتي رمضان بدلًا من الرجال القادمين من الخارج وقت السحور، هو أحد أجمل أحداث ليالي رمضان.

في الأوقات التي أدركت فيها رمضان لأول مرة في طفولتي، تعرفت على العم طاهر، الذي كان يخترق ظلام الليل بصوت طبله ثم خطواته، كبطل من أبطال الليل. كان صوت المسحراتي يبدو خافتا في البداية ثم يعلو تدريجيًا كلما اقترب من منزلنا، فيصبح صوته أعلى وأوضح. في مخيلة الطفل، كان قدوم المسحراتي حدثًا غامضًا ومهيبًا؛ فلم يكن مجرد رجل يقرع الطبل، بل كان أشبه برسول يبعث برسائل سماوية في سكون الليل الدامس. وكان أبي يوصيه مسبقًا بأن يُبطئ عند مرورِه أمام منزلنا، فيواصل قرع طبله لفترة أطول قليلًا، قبل أن ينطلق مبتعدًا فجأة، لكن دون أن يقطع إيقاع الطبل.

ولكي نعيش طقس استقبال المسحراتي كما ينبغي، كان علينا أن ننام مسبقًا ونستيقظ على صوته، ولكن ماذا لو لم نستيقظ رغم كل قرعه؟ كنا أحيانًا نغطّ في في سبات عميق خاصة إذا تأخرنا في السهر ونمنا قبل قدومه بقليل، فيمرّ المسحراتي دون أن نشعر به. وهنا كان لا بد من منقذ يوقظنا، إما والدي العائد مع وقت السحور، أو والدتي التي تستيقظ مبكرًا لتحضير الطعام. ولم يكونوا يوقظوننا من أجل السحور فحسب، بل أيضًا حتى لا تفوتنا متعة الاستماع إلى صوت الطبل الذي يخترق سكون الليل. لقد كانت تلك إحدى أجمل لحظات السحور.

لم يكن المسحراتي لدينا يغني أو يردد الأشعار، فلم يكن شخصًا ثرثارًا ومحبًا للاستعراض لدرجة أن يغني. وبشكل عام، لم يكن لدى المسحراتي في ولاية "سيرت" عادة الأغاني أو الأشعار كما في الولايات الأخرى. كان المسحراتي يكتفي بإصدار الصوت الذي يوقظ الناس للسحور من خلال ضرب الطبل لا أكثر. وفي الوقت الحاضر، حيث أصبحت المنبهات الموجودة في كل منزل، بل حتى في الهواتف المحمولة، كافية لإيقاظ الناس للسحور، أصبح جيل اليوم يفتقر إلى تلك الأصوات التي كانت تميز ليالي رمضان. إن اعتبار المسحراتي فائضًا ثقافيًا وجعله تدريجيًا غير فعال، واستبداله بأدوات أو عادات أخرى، أمر مأساوي. يمكن لمنبهات الساعة أو أي وسيلة أخرى أن توقظ الإنسان للسحور. ولكن أليس اعتبار صوت الطبل الذي يتردد في جميع الشوارع في وقت الليل ضجيجًا، مؤشرًا على فقدان بعض العادات أو العلاقات الإنسانية التي كانت تربطنا ببعضنا؟

وفي هذا السياق، يعبر آيدن أقطاي عن طبل رمضان بشكل خاص وواقع رمضان بشكل عام في البيئة الحضرية التي تزداد علمانية، بأسلوب مأساوي فيقول: "يقرع المسحراتية الطبول ـ وهم يمثلون تقليدًا خاصًا بالحي المسلم ـ وسط المدن الحديثة، في المناطق السكنية، ووسط الحياة العلمانية، بطريقة غريبة، مرتبكة، مترددة، وكأنهم يخافون من إثارة غضب المجنون المعاصر العلماني القلق في أي لحظة. يخشون من غضب الموظف الذي عليه أن يستيقظ للعمل. نفس ذلك الموظف الذي يتضايق أيضًا من صوت الأذان. يبدو أن رمضان يُعتبر مصدر إزعاجٍ لسكان المدينة. وفي نفس الأماكن الحضرية المزدحمة بأناسٍ من خلفيات دينية مختلفة، لا يُستقبل رمضان بمشاعر مشتركة. بل يبدو وكأنه قنبلةٌ غريبةٌ تسقط من السماء."

ولكن هل الأمر فعلاً هكذا؟ بالطبع لا. قد يكون هذا مجرد أحد التصورات عن رمضان من زاوية معينة. وفي الواقع رغم كل هذه الهمسات والاحتجاجات يستمر رمضان في بناء عالمه الخاص كل عام، قائلًا كلمته الأخيرة في النهاية.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!