ترك برس
مع مرور الأيام تزداد الأزمة السورية تعقيدًا، فبعد أن بدأت على هيئة ثورة شعبية ضد نظام طاغٍ أصبحت ذات صبغة عالمية، تتناحر كل القوى العالمية فوق أراضيها، لتحقيق مصالح إلى اليوم لم يتم تحديد طبيعتها ومضمونها بشكل واضح.
وبما أن تركيا دولة مجاورة لسوريا بحدود طولها 950 كيلو مترًا، فإن أي تطور على الساحة السورية من شأنه أن يؤثر عليها بشكل مباشر واستراتيجي، خاصة في ظل وجود احتمالات للانقسامات القومية والطائفية. وقد ارتفعت وتيرة القلق لدى تركيا وقيادتها في الآونة الأخيرة، خوفًا من انتقال رياح هذه الانقسامات إلى الداخل التركي، حيث الأغلبية الكردية مستوطنة في جنوب شرقي تركيا، ويحاول حزب الشعب العمال الكردستاني "بي كي كي" الانفصال بكافة الوسائل بشكل ذاتي.
ويشير الباحث السياسي التركي "أفق أولوطاش" إلى أن "تركيا حاولت جاهدةً، في الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية، التوسط بشكل دبلوماسي بين الثوار والنظام السوري لتهدئة الأوضاع واستيعابها وتقديم الحقوق العادلة والحرية والكرامة للشعب السوري الثائر، ولكن النظام السوري تعنت ورد على الطرف التركي بالرفض وباعتبار الخارجين للمطالبة بحقوقهم الطبيعية بشكل سلمي "إرهابيين" وتمادى في قتلهم وسحقهم بطرق غير إنسانية".
ويتابع أولو طاش مبينًا أن "جامعة الدول العربية حاولت أيضًا أن تكون طرفًا في حل الأزمة ولكن لم يتفاعل معها نظام الأسد، وباءت محاولاتها بالفشل، ونُقلت الأزمة إلى محافل الأمم المتحدة لمحاولة حلها، ولكن بعض الدول ذات التأثير في مجلس الأمن حالت دون التوصل إلى حل ملائم لهذه الأزمة".
ويوضح أولوطاش أنه "على الرغم من جميع المحاولات الدولية والإقليمية لاستيعاب الأزمة إلى أنها مازالت تتجه نحو التعقيد والغُموض ولا دلالة لإمكانية التوصل إلى حل مناسب في الأفق القريب، وللأسف؛ يبدو أن هذا التقاعس مقصود لمآرب غامضة لم يوضحها أي طرف من أطراف الأزمة".
وفي شأن متصل، يرى الباحث التركي "هاكان جيليك"، الكاتب السياسي في جريدة "بوسطة" التركية، أنه "مع مرور كل يوم ليس فيه حل جذري للقضية السورية، تزداد التأثيرات السلبية الناتجة عن ذلك على تركيا، لا سيما أن هذه التأثيرات السلبية تشمل أكثر من مجال".
ويلمح جيليك، في مقاله "الضرر الحقيقي للأزمة السورية على تركيا" إلى أن "الأزمة السورية سببت ضررًا في التجارة الخارجية والداخلية التركية وأثرت بالتالي على حجم الإنتاج الإجمالي في تركيا، إذ كان حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا ما يقارب 2 مليار دولار، فضلًا عن أن سوريا كانت ممر عبور واصل بين تركيا ودول الخليج العربي والأردن، والتي كانت كانت تستورد سنويًا 40% من الحجم الكلي للصادرات التركية والتي تصل إلى ما مقداره 60 مليار و682 مليون و800 ألف دولار، كما أن التكاليف التي مُنيت بها تركيا من أجل توفير الخدمات الإنسانية للاجئين الذين وصل تعدادهم إلى نحو 2 مليون و800 ألف لاجئ، غير طفيفة بل جمة وصلت، حسب ما أشار إليه مساعد رئيس الوزراء التركي "نعمان كورتولموش"، إلى 7 مليار و 6 مليون دولار".
ويضيف جيليك بالقول "إضافة إلى هذه التكاليف الباهظة، ثمة تكاليف جانبية أخرى أضرت بالاقتصاد التركي خاصة في قطاع السياحة، إذ تحول المواطنون السوريون الذين كانوا يأتون بالآلاف من سوريا إلى تركيا من سياح إلى لاجئين بحاجة إلى المساعدة والإيواء، كما أن السياح الذين كانوا يأتون من الدول الأطراف في الأزمة السورية، مثل روسيا وإيران، انخفض عددهم بشكل ملموس، إذ كان متوسط عدد السياح الإيرانيين القادمين في تركيا، ما قبل عام 2011 747 ألف سائح، ولكن بعد الأزمة السورية انخفض إلى مادون 439 ألف سائح، وحدث انخفاض ملحوظ في عدد السياح الروس، ومع الأزمة التي نجمت بين تركيا وروسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية، يتنبأ رئيس اتحاد وكالات السياحة في تركيا "باشاران أولو سوي" بحدوث انخفاض ملحوظ في عدد السياح الروس الذين يبلغ متوسط قدومهم لتركيا منذ 2005 وإلى الأن ب 2 مليون سائح روسي".
ومن الجدير بالذكر، أن التأثيرات السلبية على تركيا لم تقتصر بمنحاها الاقتصادي، ولكن على صعيد سياسي أيضًا أصبح هناك توتر شديد وتنافس ملحوظ في العلاقات التركية الإيرانية والتركية الروسية والتركية العراقية، كما أصبح هناك فجوة ثقافية اجتماعية واضحة بين الشعب التركي وشعوب المتدهورة علاقتها مع تركيا، وهذا ما يؤثر بشكل تلقائي على التبادل الاقتصادي والتجاري بين تركيا وتلك الدول.
هذا ويُذكر أن هذه الخسائر الزاخرة التي كُبدت بها تركيا سيكون مصيرها التفاقم والازدياد في حين استمرت حالة عدم وجود حل سلمي سريع واستراتيجي للأزمة السورية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!