جلال سلمي - خاص ترك برس

منذ انطلاق ثورات الربيع العربي والحكومة التركية تنتهج نهج الداعم لها بشكل متنوع ومتكامل، وما زالت تركيا إلى يومنا هذا تحاول جاهدة ً التعاون مع دول المنطقة و تخصيص بعض مقدراتها المادية والإنسانية، من أجل دعم هذه الثورات العادلة التي يؤمل بأن تعود بالحرية والكرامة والاستقرار والعزة للمنطقة ولشعوبها عقب نجاحها وتحقيق أهدافها المنشودة.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، انتشرت حركات التحرر والاستقلال ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم، ولكن على الرغم من اختلاف الطرق والسبل التي نالت من خلالها الشعوب المُستعمرة حريتها واستقلالها، إلا أن تسلم الأنظمة الدكتاتورية المحكومة بسمة الحكم الفردي والمزاجي، كانت الميزة المشتركة لجميع الشعوب التي حظيت باستقلالها في تلك الفترة.

وتلك الميزة التي اتسمت بها هذه الشعوب، لا تحتاج إلى شخصين ليناقشا الهدف منها، لأن هدفها كان وما زال واضحًا وضوح الشمس في وقت ضحاها، الهدف بلا شك هو تسهيل بقاء هذا الشعوب مُستعمرة بشكل غير مباشر، بمعنى إذا كان هناك دكتاتور تابع للغرب المُستعمِر، فإن الغرب سيحركه بشكل يسيرٍ جدًا وسيعمل هذا الدكتاتور على إجبار كافة أطياف شعبه بالقوة على التحرك بالشكل الذي يُريده الغرب، لأنه إن لم يفعل ذلك، يعلم أن الغرب سينقلب عليه ويُحضر دكتاتور آخر، والغرب الذي يتشدق بالديمقراطية والحرية، يعرف تمام المعرفة أن النظام الديمقراطي الحق من الصعب تحريكه حسب مايريد، لأنه في النظام الديمقراطي يوجد رئيس وبرلمان مُنتخبان من قبل الشعب الذي ذاق الويلات من الاستعمار الغربي ويريد التخلص منه، الغرب يعلم ذلك جيدًا، لذا لا يُعطي الفرصة لشعوب المنطقة لنيل حريتها بشكل جاد، والمثال المصري والليبي واضحًا جدًا.

أما فيما يخص تركيا التي تُعتبر أحد دول المنطقة، هي الأخرى عانت جدا ً من أجل الوصول إلى ماوصلت إليه الأن من رُقي ديمقراطي، منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 وحتى عام 1950. وقعت تركيا مابين عامي 1923 و 1950 تحت حكم دكتاتوري قاسي جدًا أذاق الشعب التركي الآمرين، ولكن بمثابرة الساسة المُخلصين استطاع الشعب التركي عام 1950 الدخول إلى أول عملية انتخابات ديمقراطية فاز بها الحزب الديمقراطي، ولكن أبى الغرب أن يتخلى عن صفته الداعمة للانقلابات العسكرية والأنظمة الدكتاتورية، إذ بعد انقلاب الجيش التركي على النظام الديمقراطي حديث الميلاد عام 1960، كان الغرب الداعم الأول له.

وعاد الشعب التركي لتجربته الديمقراطية عام 1965 بعد جهود مضنية أفناها المُعارضين للنظام الانقلابي، ولكن الجيش التركي الذي كان مُطمئنًا دومًا لوجود الدعم الغربي خلفه، انقلب على الديمقراطية  من جديد عام 1971 ومن ثم عام 1980 وأيضًا عام 1998، وفي جميع كراته الانقلابية كان يجد الدعم الغربي له جاهزًا وحاضنًا.

واليوم بعد أن استطاعت تركيا تحجيم تدخل الجيش في الحياة السياسية وبعد أن نجحت في تأسيس نموذج ديمقراطي ناجح في منطقة الشرق الأوسط، يعود الغرب من جديد لتقويض جهودها وإعادة النظام الانقلابي الدكتاتوري التابع له من جديد إلى رأس الحكم، ويحاول الغرب الذي يجمعه تحالف غير مباشر في الأهداف مع روسيا وإيران، إلى قلب الشعب التركي على حكومته وكبح انتقال تجربتها إلى شعوب المنطقة الأخرى من خلال عدة أساليب ومناهج.

يحاول الغرب اليوم تحقيق هذه الأهداف من خلال إعطاء المجال لقنواته الإعلامية باتهام تركيا بدعم داعش  أو من خلال تقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" المُتمرد وإشغال تركيا بشؤونها الداخلية أو من خلال التدخل المباشر في سوريا بذريعة محاربة "داعش" وإحداث خلل للخطط التركية الخاصة بالقضية السورية، والدليل على عدم جدية الغرب في دعم خطط تركيا الداعمة للثورات العادلة وسعيه إلى إحباط خططها الداعمة لتلك الثورات؛ أنه بعد مرور عام كامل على تأسيس التحالف الدولي بقيادة الولايات المُتحدة الأمريكية ومرور أكثر من ثلاث شهور على التدخل الروسي في سوريا، نجد أن أقاويل هذه الأطراف حول محاربتها لداعش ماهي إلا إدعاءات باطلة تمارس كذريعة من أجل احباط  وإرجاء الخطط التركية الداعمة للثورات العربية العدالة التي تسعى إلى إرساء دعائم نظام ديمقراطي حر، فداعش مازالت تعمل بكل حيوية ونشاط، ولكن المُستهدف من خلال هذه التدخلات بلا ريب هو الجيش السوري الحر وفصائله العسكرية التي تحاول تركيا جاهدة ً دعمها من أجل تحقيق منالها في القضاء على النظام المستبد.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس