محمود عثمان - خاص ترك برس
أعلنت وزارة الخارجية التركية أن تركيا ستوجه دعوة إلى مصر لحضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامي الذي سيقام خلال شهر نيسان/ أبريل بمدينة إسطنبول والذي ستتولى تركيا رئاسته خلفا لمصر. وقال المتحدث باسم الخارجية التركية خلال المؤتمر الأسبوعي "إن مصر هي من تقرر مبعوثها إلى المؤتمر" في إشارة إلى الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام المصرية بشأن توجيه دعوة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي ستستضيفه تركيا في إسطنبول في الفترة ما بين 10-15 نيسان المقبل.
العلاقات التركية المصرية شهدت انهيارا شبه كامل بعد انقلاب الجيش المصري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث كانت تركيا في مقدمة الدول التي استنكرت الانقلاب العسكري على الصعيد الشعبي حيث استمرت المسيرات والمهرجات المنددة بالانقلاب مدة طويلة، وسمي ميدان في مدينة إسطنبول باسم "ميدان رابعة العدوية" تلخليدا لحادثة رابعة العدوية وضحاياها، بل إن إشارة رابعة "بالأصابع الأربعة" تم تصميمها في تركيا.
على الصعيد الرسمي كان الرئيس رجب طيب أردوغان صاحب الصوت الأعلى في التنديد بالانقلاب على الشرعية في مصر، حيث لم يفوت فرصة ولا مناسبة سواء داخل تركيا أو خارجها إلا وندد بما يسميه بالانقلاب على الشرعية في مصر، ولا أحد ينسى كلمته الشهيرة في اجتماع قمة الأمم المتحدة التي لم يقتصر فيها على مهاجمة الانقلاب وفاعليه، بل تعداه بتوجيه انتقاد شديد اللهجة للدول التي لم تسمي ما قام به العسكر انقلابًا، في الإشارة واضحة للموقف الأمريكي والأوروبي الذي تميز بالبراغماتية المفرطة وازدواجية المعايير.
موقف أنقرة استمر في التصعيد، حيث احتضنت قيادات الإخوان المسلمين التي شكلت معارضة مصرية لها منابرها الإعلامية في تركيا. لكن مع مضي الوقت وتراجع كثير من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية عن قراراتها بمقاطعة قادة الانقلاب، وفي مقدمتها أوروبا وغالبية الدول الإفريقية، إضافة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها، التي قبلت بالأمر الواقع وبدأت تتعامل مع القيادة المصرية الجديد وكأن شيئا لم يكن، فوجدت أنقرة نفسها شبه معزولة في مواجهة واقع أخذت ملامحه بالتغير، رغم المتاعب الجمة التي يواجهها النظام في مصر.
اعتراض تركيا وإن بدا مبررًا بأنها عانت كثيرًا من الانقلابات العسكرية وما تخلفه من ظلم وآثار سلبية على الاقتصاد والحريات، وأن حزب العدالة والتنمية نجا من إحداها بأعجوبة، فإن الاستمرار بنفس النسق والوتيرة الحادة أضحى يشكل عبئًا إضافيا على السياسة الخارجية التركية، وخصوصا في علاقاتها مع دول عربية رئيسية.
كما أن خطاب الرئيس التركي أردوغان ومواقفه من النظام المصري التي توصف بالعنف والحدية، تأتي في مقدمة العقبات التي تحول دون قيام تحالف استراتيجي حقيقي بين تركيا ودول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إذ توصف هذه المواقف بالايدولوجية المنحازة لجماعة الإخوان المسلمين، مما يفتح الباب على مصراعيه للصحافة السعودية والخليجية "الليبرالية" للتشكيك بالدور التركي في منطقة الخليج خصوصًا، الأمر الذي دفع الرئيس التركي السابق والدبلوماسي المخضرم عبد الله غل لانتقاد سياسة بلاده تجاه مصر.
في وقت يعاد فيه رسم خارطة الشرق الأوسط، وتعيد فيه الدول تموضعها الاستراتيجي وخريطة علاقاتها من جديد، لا يبدو تفسير الموقف التركي تجاه القيادة المصرية الحالية من زاوية مبدئية مقنعًا، إذ هناك كثير من المواقف التي اضطرت فيها تركيا للتحرك من خلال البراغماتية والواقعية السياسية، مما يبقي السؤال مطروحًا عن جدوى السياسة التركية الراهنة، ودعمها النظري للمعارضة المصرية التي تمضي قدما في طريق الانتحار السياسي، بإصرارها على إسقاط نظام الحكم من خلال الزج بالشباب في مظاهرات باتت روتينًا ليس له كبير تأثير على النظام من جهة، ولا يعكر سير الحياة العادية للمواطن المصري.
يسود اعتقاد بأن المعارضة الإخوانية المصرية أصبحت شبيهة إلى حد كبير بالمعارضة الإخوانية السورية حقبة الثمانينات، شبيهة بجمعية خيرية إغاثية تحاول لملمة نفسها، وتضميد جراحها، وتجميع صفوفها في دول الشتات، لكنها تبدو بعيدة حتى الآن عن صياغة برنامج عمل سياسي فاعل، يشغل العالم بقضيته، يبدع الحلول السياسية، ويحشد الدول والقوى المؤيدة من أجل الضغط على النظام وإرغامه على قبول حل وطني، وهذا يحتاج نوعا من المرونة والبراغماتية والقرارت التاريخية الجريئة، على غرار ما فعله إخوان تونس بقيادة الشيخ راشد الغنوشي.
لقد قدمت جماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخها الطويل قوافل الشهداء في سبيل المبادئ تترا، لكنها عجزت عن إبراز قائد سياسي تاريخي يتحلى بالشجاعة والكاريزما، يستطيع انتشالها من دور الضحية إلى دور الشريك في بناء الوطن، أمثال نجم الدين أربكان، وعلي عزت بيغوفيتش.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس