محمود عثمان - خاص ترك برس
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، توقيع اتفاق هدنة شاملة بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة. وأكد وزير الدفاع الروسي أن اتصالات جرت مع تركيا، من أجل ضمان اتفاقية وقف إطلاق النار في سورية. وأوضح أن الهدنة في سورية ستسري اعتبارًا من منتصف الليل، وأضاف أن عدد مسلحي فصائل المعارضة التي وقعت اتفاقات مع نظام الأسد تجاوز الستين ألفًا. بنفس التوقيت أعلن الكرملين أن بدء المفاوضات في أستانة من الممكن أن يشكل خطوة هامة في طريق الحل النهائي للأزمة في سورية.
نظام بشار الأسد أكد للروس استعداده للالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار والانتقال للعملية السياسية، واعتبر وزير خارجيته وليد المعلم، أن اتفاق الهدنة "فرصة حقيقية" لتسوية سياسية.
يشكل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية روسية تركية، أول امتحان جدي في الساحة السورية، لجميع الأطراف دون استثناء، ويطرح أكثر من سؤال على أكثر من صعيد... كيف ستتمكن روسيا من الإمساك بجميع الخيوط في سورية؟. هل باستطاعة تركيا التحكم بالفصائل العسكرية السورية المعارضة؟. هل ستلتزم مليشيات إيران بشروط الاتفاق؟. هل ستشهد الساحة السورية صراعًا روسيًا إيرانيًا؟.
الموقف الأمريكي من الاتفاق:
رحبت أمريكا بالاتفاق، واعتبرته تطورًا إيجابيًا، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن واشنطن تأمل أن ينفذ وقف إطلاق النار بسورية، وأن تحترمه جميع الأطراف. لكن مما لا شك فيه أن الاتفاق بحد ذاته يعتبر فشلا ذريعا لإدارة الرئيس باراك أوباما، التي تميزت بالتردد وغياب الاستراتيجية في تعاملها مع ملف القضية السورية. إذ من غير المعهود تغيب أمريكا عن استحقاق دولي بهذا الحجم.
موقف المعارضة السورية من الاتفاق:
غالبية السوريين تلقوا نبأ التوقيع على الاتفاق بارتياح كبير. معتبرين أن الاتفاق شكل اعترافا دوليا بانتصار ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة ضد الدكتاتورية . فقد اضطرت كل من روسيا وإيران ونظام الأسد للجلوس على طاولة المفاوضات، بعد أن عجزت هذا القوى الكبرى مجتمعة عن تحقيق الحسم العسكري. رغم الخذلان الذي تعرضت له الثورة السورية من الجميع.
وبالرغم من عدم دعوة الجناح السياسي للمعارضة السورية لحضور المفاوضات التي جرت بين الفصائل المسلحة والروس في أنقرة. إلا أن كلا من الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات عبرا عن دعمهما لهذا الاتفاق، واصفين إياه بأنه خطوة ايجابية في طريق الحل.
الجهات الضامنة للاتفاق:
بينما أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن أنقرة وموسكو ستضمنان اتفاق وقف إطلاق النار الشامل في سورية، وأكد أن الاتفاق يستثني الجماعات المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة. جاء الإعلان الروسي مختلفا نوعا ما، فقد ذكر أن الدول الضامنة للاتفاق هي روسيا وتركيا وإيران، مضيفا إيران إلى زمرة الدول الضامنة!.
مجال الاتفاق:
أعلن في موسكو أنه تم التوقيع على ثلاث وثائق، الوثيقة الأولى تنص على وقف النار على كافة الأراضي السورية، في حين تنص الثانية على إجراءات لمراقبة وقف إطلاق النار، أما الثالثة فهي عبارة عن إعلان عن الاستعداد لبدء المفاوضات السلمية للتسوية السورية.
وزارة الخارجية التركية قالت في بيان لها: "بمقتضى هذا الاتفاق وافقت الأطراف على وقف كل الهجمات المسلحة بما فيها الهجمات الجوية ووعدت بألا توسع المناطق الواقعة تحت سيطرتها." وأن ممثلين من النظام السوري والمعارضة سيجتمعون قريباً في أستانة عاصمة كازاخستان تحت إشراف الدول الضامنة للاتفاق.
وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، قال إن أنقرة لن تجري محادثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد. وشدد على أن تركيا وروسيا تسعيان للقيام بدور الضامن لوقف إطلاق النار. كما شدد على ضرورة مغادرة كل الجماعات المقاتلة الأجنبية سوريا، بما في ذلك ميليشيات حزب الله.
مصادر المعارضة تقول بأن ما تم التوقيع عليه هو وثيقة واحدة فقط، هي الوثيقة الأولى التي تتعلق بوقف إطلاق النار، أما الوثيقة الثانية التي تفصل آليات مراقبة الخروقات، والوثيقة الثالثة المتعلقة بالحل السياسي، فلم يتم التوقيع عليها من الفصائل العسكرية التي شكلت طرف الاتفاق. أي أن الفصائل ملتزمة فقط بما وقعت عليه. أما وثيقة الحل السياسي فسوف يتم بحثها في مؤتمر أستانة.
تحديات تطبيق الاتفاق:
تشكل التجاذبات الحادة بين الأمريكان والروس، أحد أهم العوائق في وجه نجاح اتفاق الهدنة في سورية. خصوصا بعد التصعيد الأمريكي بطرد 35 دبلوماسيا روسيا، وتصريحات المسؤولين الروس بأنهم سيردون على ذلك بالمثل، مما يعيد للأذهان تجاذبات الحرب الباردة، رغم نفي الطرفين لوجودها.
إيران سوف تجد في التجاذبات بين الروس والأمريكان مناخا مناسبًا لتحريك أدواتها في سورية من أجل إعاقة تطبيق الهدنة في سورية، من خلال حركات تعطيل استفزازية على غرار ما قامت به ميليشياتها أثناء عملية إجلاء سكان حلب الشرقية.
سوف يبذل الإيرانيون أقصى جهدهم لتفريغ الاتفاق الروسي التركي من محتواه، لأن هذا الاتفاق أخرجهم من المعادلة السورية إلى حد كبير، بالرغم من امتلاكهم لأوراق القوة على الأرض في سورية. هناك شبه إجماع على أن الخاسر الأكبر في هذه الصفقة هي إيران. مقابل نجاح منقطع النظير للدبلوماسية التركية الناعمة.
لا شك أن اتفاق الهدنة في سورية فرصة تاريخية لوقف نزيف الدم والدمار في سورية، وخطوة هامة في طريق حل الأزمة السورية. لكنه مرهون سياسياً بدعم الإدارة الأمريكية الجديدة، بعدم تعطيله على الأقل، ومرهون ميدانيا بالتزام إيران بتطبيق بنوده، وهذا مرتبط بقدرة الروس على الضغط على إيران وبشار الأسد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس